بدخول شهر أفريل تستعد دول العالم لموجة الذّروة من تفشي فيروس كورونا المستجد وفق العديد من الخبراء. فدول مثل ايطاليا وفرنسا واسبانيا وأمريكا من المنتظر أن تشهد خلال شهر أفريل قمة المنحنى في أرقام انتشار الفيروس، وسط تقديرات متشائمة جدا ببلوغ أرقام المصابين إلى مئات الآلاف. 

هذه الدّول وغيرها، كبريطانيا وألمانيا وإيران كانت من أوائل الدّول التي شهدت انتشارا سريعا للفيروس، في مقابل اتخاذها لإجراءات متأخرة جدا إمّا لسوء التقدير أو لأسباب اقتصادية صريحة كما فعلت أمريكا وبريطانيا.

منذ شهر مارس بدأت هذه الدّول، ومع تصاعد أرقام المصابين وازدحام المستشفيات وارتفاع عدد الوفيات اليومية تشدّد من إجراءاتها ورغم ذلك بقيت متأخرة بخطوة خلف الوباء. 

العديد من المراقبين يقدّرون أن أهم أسلوب للتعامل مع هذا الفيروس سريع الانتشار، هو الوقاية وأخذ كافة الاحتياطات الاستباقية رغم تكاليفها الاقتصادية والاجتماعية القاسية. فالمعركة مع هذا الفيروس في ظل غياب ناجع أو لقاح واقي، هي معركة وقت وتحكّم في المنحى البياني لعدد المصابين. وتكمن الحكمة من هذا الإجراء في السيطرة على مقدرة البنية التحتية الاستشفائية على علاج المرضى وعدم انهيار المنظومات الصحية. 

في دول مثل فرنسا وأمريكا بقدرات اقتصادية عالية وبنية تحتية صحية قويّة بدى الوضع مثيرًا للرعب. أرقام كبيرة جدا للمصابين وانتشار واسع للفيروس وصعوبات كبيرة جدا في إيواء المرضى. بينما بدت ايطاليا شبه منهارة تماما في مواجهة الوضع وأصبحت مستشفياتها تشكو  عدم القدرة على توفير الرعاية إضافة إلى عدد الإصابات الكبير في صفوف الإطارات الطبية. انّه المشهد الذي يبدو في إيطاليا واسبانيا، هو مشهد "حربي" بامتياز. ومازالت هذه الدّول بسبب تأخر الاجراءات الوقائيّة تصارع في هذه "الحرب" ضد فيروس سريع الانتشار، وتحاول اللحاق به والسيطرة عليها، ومازال هو يسبقها -إلى الآن- بخطوة. 

في ليبيا وإن بدا الأمر أقل خطورة حتى الآن، وان بدت الإجراءات المتخذة استباقية بشكل كبير. بالإضافة إلى عديد العوامل الأخرى التي قد تساعد ليبيا على السيطرة على الوباء. فإنّ عوامل أخرى كثيرة قد تكون مصدرا لتفشي هذا الوباء اذا لم يتم تحديدها ومعالجتها بأسرع وقت ممكن.


** ليبيا تتخذ إجراءات استباقية هامة: 

مع قرارات التي شملت إجراءات غلق الحدود وحظر التجوال وفرض الحجر الصحي ورصد مبالغ مالية هامة لمواجة هذا الوباء على جميع الأصعدة. وهو قرارات تعتبر استباقية يشكل كبير في ظل الأوضاع الحالية لانتشار الوباء. مع ذلك، بدأت اللجان المختصة بتطوير عملها ومقترحاتها وعقد اجتماعاتها الدّورية ومتابعة تطوّر الأوضاع. ناقشت اللجنة العليا لمجابهة فيروس كورورنا في حزمة من الإجراءات الجديدة لتقليل خطر انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد، عقب تسجيل عدد من الحالات مؤكدة وفقا لإحصائيات المركز الوطني لمكافحة الأمراض.

ومن بين الإجراءات التي ناقشتها اللجنة، وضع ضوابط وآلية لحظر دخول البضائع إلى البلاد عدا البضائع الطبية والمواد الغذائية،وفقا لألية تضمن عدم انتشار فيروس كورونا المستجد.

كما ناقشت اللجنة أماكن الحجر الصحي وفقا لمقترح مقدم من قبل صندوق التضامن الاجتماعي، وفقا لتوصيات اللجنة العليا لمجابهة فيروس كورونا.

من جهته أكد رئيس اللجنة العليا لمكافحة وباء كورونا رئيس الأركان العامة عبد الرزاق الناظوري أن اللجنة تواصل عملها ليل نهار لتوفير كافة الإمكانيات اللازمة للمراكز الطبية، رغم عدم استلام اللجنة أي أموال حتى الآن.

وشدد الناظوري خلال اجتماع للجنة العليا لمكافحة وباء كورونا على أن ليبيا في حالة طوارئ بنسبة مئة في المئة، مؤكدا أن اللجنة لن تستطيع إخفاء المرض في حال وصل لمناطق سيطرة الحكومة الليبية لافتا لأهمية التوعية لتجنب وصول المرض وانتشاره.

من جهته قال وزير الداخلية عضو اللجنة ابراهيم بوشناف إن منظمة الصحة العالمية أعلنت ليبيا ضمن الدول عالية المخاطر في الوقت الراهن بعد اكتشاف إصابة عدد من المواطنين بفايروس كورونا في مناطق غرب ليبيا.

وأوضح الوزير أن كافة الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها اللجنة أو وزارة الداخلية جاءت بناء على آراء اللجنة الاستشارية الطبية وعدد من الخبراء الوطنيين المختصين في التعامل مع الأوبئة والأمراض.

وأشار إلى أن حملات ممنهجة تهدف لزعزعة الأمن القومي في هذا الظرف الراهن من خلال محاولة التشويش على المواطنين في القرارات المتخذة لصالحهم والتي تحول دون انتشار الوباء بينهم.

وأكد وزير الداخلية أن الخطر يشمل ليبيا بالكامل لافتا إلى أن اللجنة منفتحة على كل الآراء العلمية وأنها مستعدة لاتخاذ أي قرار بناء على رأي المختصين.

وشدد على ضرورة المحافظة على حجر المدن وتنفيذ حظر التجول خلال الساعات المحددة، مؤكدا أنه لا تهاون في تطبيق هذه القرارات، مشددا على أن الحظر استدعته الضرورة الملحة، وأن كل ما يهم اللجنة هو درأ الخطر عن أهلنا.

من جانبه أكد وزير الصحة عضو اللجنة سعد على ضرورة تطبيق الحجر الصحي لحالات الاشتباه في الأماكن المحددة، وعدم نقلها لمدينة بنغازي أو غيرها إلا بعد تأكيد الإصابة بالمرض وفقا للإجراءات المتفق عليها.

وأوضح أن كل المدن والمناطق تم تجهيز حجر صحي بها، وأن التجهيزات بها جميعها شبه منتهية، موضحا أن جهازي الكشف عن الفايروس المعروف باسم (PCR) موجود في كل من مستشفى الأمراض الصدرية الكويفية ومركز بنغازي الطبي.

وأشار وزير الصحة إلى تجهيز البرج الثالث لمركز بنغازي الطبي بسعة 200 سرير للحجر الطبي، فيما انتهى تجهيز مستشفى الهواري العام بسعة مئة سرير، و 34 سريرا للعناية الفائقة، إضافة لمستشفى بنينا الميداني بسعة مئة سرير إضافة إلى مستشفى الصدرية المنصورة الواقع في نطاق بلدية شحات، ومستشفى قرنادة العسكري، وغيرها في سرت وأجدابيا والبريقة وطبرق والمرج ودرنة والقبة والكفرة بسعات سريرية جيدة.

ولفت إلى أن عمل اللجنة الطبية الاستشارية يقتصر على تقديم المشورة ولا علاقة لها بالأمور التنفيذية، موضحا أن المكافأة المخصصة بموجب قرار مجلس الوزراء للأطباء والممرضين والعاملين المواجهين للأزمة لن تصرف إلا لمن سيتعاملون مباشرة مع المرض في حال ظهر حالات.

كما عقدت الإدارة العامة لأمن المنافذ، اجتماعا موسعا لمتابعة الاجراءات الاحترازية والوقائية لضمان عدم انتشار وباء الكورونا في البلاد.

وأكد مدير الإدارة عثمان عبدالسلام، خلال الاجتماع على ضرورة متابعة جميع البلاغات المتعلقة بجائحة كورونا بجميع المنافذ البرية البحرية الجوية، والإبلاغ الفوري والسريع واتخاذ كافة الإجراءات الأمنية والصحية فيما يتعلق بذلك.


** رغم جديّة الإجراءات وأهميتها.. مخاوفٌ وتحذيرات كبيرة: 

ورغم هذه الاجراءات الوقائية الهامة والتي اتخذت في وقت لم يبدأ فيه الفيروس بالتفشي بشكل كبير، تبدو المخاوف بسبب العديد من العوامل، قانة بشكل كبير في ليبيا. وتضع العديد من التقارير قدرة البلاد على مواجهة موجات كبيرة من تفشي الفيروس، محل شك وتحذّر من الوصول الى تلك المرحلة. 

فقد حذر مدير المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط أحمد المنظري ، من تعرض الفئات السكانية الضعيفة، مثل السكان النازحين داخليا والمهاجرين واللاجئين، في ليبيا لخطر الإصابة بالمرض بسبب الإتاحة المحدودة للرعاية الصحية والمعلومات عن المرض والأوضاع المعيشية المتدهورة.

وأكد مدير المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط ،أنهم وبالتعاون مع المركز الوطني لمكافحة الأمراض ووزارة الصحة، حددت المنظمة وشركاء القطاع الصحي ستة مجالات تقنية ذات أولوية للدعم العاجل، بهدف تمكين البلد من الكشف عن مرض كورونا والاستجابة له بشكل أفضل.

وتشمل هذه المجالات: تعزيز الترصد الوطني للأمراض، وتعزيز فرق الاستجابة السريعة على الصعيد القطري، ودعم التحري والاختبار في نقاط الدخول، وتحسين القدرة المختبرية، وزيادة المعلومات الصحية والتواصل، ودعم إنشاء أقسام للعزل في مستشفيات محددة ومناطق للحجر الصحي في نقاط الدخول؛ بحسب منظمة الصحة العالمية.

وتتعزّز هذه المخاوف في ظل انتشار كبير لمخيمات اللجوء والخشية من تواصل تدفق المهاجرين عبر الحدود البرية الواسعة. أوضاع المهاجرين. كما يوجد في ليبيا آلاف النازحين في الداخل جراء الحروب وبسبب تضرر العيد من الأحياء والمنازل.

وقد أعلنت المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، في هذا السياق، إطلاق حملة شاملة للصحة في مراكز الاحتجاز في ليبيا، كجزء من جهود التصدي لوباء الكورونا .

وأوضحت المنظمة، أن الحملة تشمل أنشطة تعزيز النظافة، لرفع مستوى الوعي بالمرض، وتوفير مستلزمات النظافة التي تشتد الحاجة إليها.

يبدو مشكل كورونا مشكلا مركبا في ليبيا، تتداخل فيه عديد العناصر التي لا يمكن ضبطها بسهولة. مشكل تعززه حالة الحرب القائمة والانقسام السياسي والوضع الاقتصادي الهش. وحتى وان نجحت المساعي الحكومية في البلاد من الطرفين في تطبيق كل الاجراءات بنسبة عالية فان عليها كذلك الانتباه لمشاكل جانبية كثيرة كالأمن وضبك الحدود والرقابة والعناية بالمهاجرين والنازحين وهي مسائل تحتاج لجهود ذاتية كبيرة وتنسيق عالٍ مع المنظمات الدّوليّة ذات العلاقة.