وصف راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية،  الحكومة الجديدة برئاسة مهدي جمعة والتي تسلمت مهامها قبل يومين بأنها ” حكومة توافقية محايدة لا تتبع النهضة ولا أي حزب آخر”
وقال الغنوشي : في حوار مع وكالة الانباء الالمانية " نحن كجزء من الحوار الوطني، شاركنا في اختيار هذه الحكومة وهي ليست حكومة معارضة حلت محل حكومة النهضة المستقيلة بقيادة علي العريض، ولا عدوة لها أي أننا على نحو ما خلفنا أنفسنا في الحقيقة عبر هذه الحكومة التي ساهمنا في تشكيلها مساهمة كبيرة مع آخرين.
وركز الغنوشي على أن حركته، التي تصنفها بعض المصادر فرعا لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، لا تزال تتمتع بالأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي  البرلمان  صاحب السلطة الأكبر في تونس”وبالتالي لن يمر شيء دون موافقتها.
ونفي الغنوشي حدوث أي صفقات خفية بين النهضة والمعارضة في عمليتي اقرار الدستور وتشكيل الحكومة تحت ضغط سرعة الحصول على الدفعة الثانية من قيمة القرض المقدم من صندوق النقد الدولي لتونس بقيمة 506 ملايين دولار، وشدد على أن لم تكن هناك صفقات تحت الطاولة في تشكيل الحكومة واقرار الدستور والدستور كتب بأياد تونسية، بدون أي مشاركة أجنبية.
ولم يبد الغنوشي اعتراضا على ما يطرحه البعض من أن خروج النهضة من الحكم هو أكبر هدية لها، لأن بقاءها بموقع السلطة يعرضها لمزيد من الانتقادات بدرجة تفقد معها أي فرصة لتحقيق أي فوز بالانتخابات البرلمانية المقبلة، وقال” قد يكون هذا صحيحا بالنتيجة، ولكنه لم يكن الباعث لنا في قرار ترك الحكم.
أما فيما يتعلق بما يطرحه محللون سياسيون من أن النهضة نجحت في أن تنجو بنفسها من مأزق سياسي حاد دون خسائر تذكر ودون أن تترك للمعارضة فرصة تحقيق أي مكسب يحسب لها بالشارع ،أوضح الغنوشي أن “هناك عملية سياسية وطنية ناجحة تمت واخرجت البلاد من مأزق سياسي تردت فيه عقب اغتيال المعارض السياسي محمد البراهمي، رحمه الله ، نهاية يوليو الماضي وانسحبت المعارضة إثر ذلك من البرلمان وتوقفت عملية سن الدستور.
وتابع: كان بإمكاننا ان نمضي في سن الدستور دون المعارضة وكنا نستطيع ذلك بما نملكه مع حلفائنا من أغلبية في المجلس التأسيسي ولكن حينها كنا سنكتب دستورا خاصا بالنهضة وحلفائها ونعمق الفرقة والاستقطاب بتونس أو أن نقبل بشرط المعارضة والقاضي بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة مستقلة للاشراف علي الانتخابات واستكمال الدستور وهو ما قبلنا به ضمن خارطة الطريق التي طرحها المجتمع المدني، مقدمين مصلحة الوطن على بقائنا بالحكم.
وحول تقديراته لفرص حصول حركته علي أغلبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة تمكنها من الوصول مجددا للحكم، قال الغنوشي: الجميع يتوقعون حدوث ذلك. النهضة ستظل العمود الفقري للسياسة التونسية. ولكننا ندرك أن مصلحة المسار الديمقراطي أن لا نحكم بمفردنا وان نشارك الآخرين.
وتابع:نتمنى أن لا نحتفظ فقط بنظام الائتلاف الحاكم الآن الترويكا بل نتمنى أن تتم توسعته بحيث يشمل أحزابا أخرى بما في ذلك  نداء تونس إذا ما استطعنا الوصول لتوافق معهم، فلما لا؟.
وأردف:النهضة حصلت منذ الانتخابات السابقة وحتى اليوم علي ثلث الناخبين في كافة استطلاعات الرأي .
وحول تقيمه لاستطلاعات رأي عدة تبرز تقدم حزب “حركة النداء” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق، الباجه قايد السبسي، وإمكانية فوزه بالأغلبية في الانتخابات، قال الغنوشي: ” النداء حزب حديث ولم يكن موجودا بالانتخابات السابقة.. ثم تشكل وتقدم وبات الآن الحزب الثاني بتونس وأحيانا يقدم علي أنه الحزب الأول.ونحن ليس لدينا مشكلة في هذا.
وأوضح الغنوشي: “الحياة السياسية بتونس تتسم بالتعددية ونحن قد نحصل على أغلبية نسبية كالتي حصلنا عليها بالانتخابات السابقة وربما نزيد، أو نقل قليلا كل هذا محتمل في كل الأحوال، الدارسون للوضع التونسي يستبعدون أن يدار الأمر بتونس بمعزل عن النهضة ولم نتخذ قرارا بعد بشأن الترشح للانتخابات الرئاسية.
ورفض رئيس حركة النهضة ما يوجه من اتهامات لحركته بقيامها بتعيين ما يقرب ستة آلاف شخص، ما بين عضو وموال لها، في مختلف قطاعات الدولة خلال حكومتي الحركة، وقال: “هذه مبالغات والحقيقة أن النهضة قامت بتعييناتها الضرورية التي يخولها القانون.
وقال:وقبلنا خلال الحوار الوطني بتشكيل لجنة محايدة لمراجعة التعيينات السياسية التي تمت، ليس في عهد حكومتي النهضة فقط بل ستمتد أيضا لتشمل التعيينات التي تمت في عهد حكومة الباجه قايد السبسي، بل وفي عهد بن علي وكل من سيثبت عدم كفاءته ونزاهته سيعزل وسنلتزم بقرارات اللجنة .
واستبعد الغنوشي 72 عاما ثبوت وقوف أي قيادات أو أعضاء بحركة النهضة بشكل أو بآخر وراء عمليتي اغتيال المعارض السياسي شكري بلعيد في فبراير 2013 ، والمعارض محمد البراهمي، علي ضوء تعهد الحكومة الجديدة بمحاربة الارهاب والعنف والوصول لقتلة المعارضين السياسيين، مشددا على أنه ” لايمكن أن يحدث هذا وأنا أستبعده بشكل مطلق.ولو حدث، فالقانون يسري علي الجميع .
وقال: “ولكن القضية الآن واضحة والفعلة معروفون بالأسماء وبعضهم في قبضة الأمن والجزء الآخر هارب وجار ملاحقته ولكن البعض في اطار المنافسة السياسية حاول إلصاق التهم بنا .
ورفض الغنوشي ما يتردد حول أن حكومتي النهضة بقيادة حمادي الجبالي وعلي العريض هما من دعمتا التيارات المتشددة ومنها التيار السلفي، أو على الأقل، لما تتصديا لها من البداية بجدية وبالتالي تتحملا مسؤولية حدوث تلك الاغتيالات، وقال: الدولة ضحية لهؤلاء وحكومتا النهضة سقطتا بسبب الإرهاب. وحكومة النهضةهي من صنفت جماعة انصار الشريعة ضمن الحركات الإرهابية.
وأشار الي أن مئات المساجد بعد الثورة هيمنت عليها الجماعات السلفية التي خرجت من السجون إلا أن وزارة الشؤون الدينية حرصت علي استرداد تلك المساجد تباعا في اطار الحرص علي تحييد دور المساجد عن العمل السياسي وهو ما تدعمه حركته لافتا الي انه لم يتبق الأن سوى بضعة عشرات خارج السيطرة.
ورأى الغنوشي أن التيار السلفي وفكر تنظيم القاعدة “بات ينحصر بتونس مؤخرا”، لافتا الي ان ذلك التيار “تمتع بفرص كبيرة عندما عمل بالمجتمع المدني وتحديدا في الجمعيات الخيرية والمساجد ولكن بمجرد أن قام بتهريب السلاح والتدريب عليه واستخدامه، بدأ المجتمع يتوجس منه ومن ثم بدأ حجمه في التقلص.
أما فيما يتعلق بكثرة المطالبات الشعبية والنقابية بحل لجان حماية الثورة، قال الغنوشي إن “الجمعيات والأحزاب تقوم وتحل بقرار من القضاء ونفي الغنوشي وجود أي صلة للنهضة باحتفاظ وزير الداخلية لطفي بن جدو بموقعه في الحكومة الجديدة رغم اعتراض المعارضة عليه واتهامه بالاهمال في حماية البراهمي، موضحا: ” نحن لم نرشحه ولم نتعرض عليه أيضا هو يتمتع بسمعة جيدة بسبب تحسن الوضع الأمني كما يشهد الجميع وقد تمسكت به النقابات والأجهزة الأمنية ولا صحة لما تردد من أن بقاءه جاء للحفاظ علي تعيينات النهضة بالداخلية.
كما نفي الغنوشي حدوث أية استقالات داخل حركته إثر اعتراض بعض قياداتها علي الفصل السادس من الدستور الذي ينص علي “تحجير التكفير”، فضلا عن تضمين المجلة الاحوال الشخصية بالدستور والتي تعد الضامن لحقوق المرأة وفي مقدمتها منع تعدد الزوجات، وأوضح: “هناك تهديدات بالاستقالة، وغاضبون داخل الحركة، والدستور ليس كله محل رضا الجميع بالنهضة.
ولكن القرار بالنهضة قرار مؤسسي ونحن حركة يسودها التيار الوسطي المعتدل الرافض للعنف والذي يتمتع بقدر كبير من العقلانية.
ونفي الغنوشي أن يكون أسلوب التوافق الوطني الذي انتهجته النهضة خلال الأزمة السياسية جاء تخوفا من تكرار النموذج المصري. مشددا علي أن التوافق كأسلوب اتبع منذ قيام الثورة ومشددا أيضا على أنه حتي قبل اجراء الانتخابات “كانت النهضة واعية بأن تونس لا ينبغي أن تحكم من قبل حزب واحد حتي لوكان حزب إسلاميا.
وأشار الي أن الائنلاف الحاكم في تونس اليوم هو” ثمرة التوافق بين التيارين الرئيسيين اللذين تشكلا بعد الثورة، وهما التيار الإسلامي المعتدل والتيار العلماني المعتدل.
وحول تصريحاته التي أدلي بها مؤخرا في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بشأن إمكانية منح بلاده حق اللجوء لقيادات وأعضاء جماعة الاخوان المسلمين في مصر، والتي أثارت ردود فعل غاضبة بمصر خاصة في ظل قرار الحكومة المصرية تصنيف الإخوان تنظيما ارهابيا” وتوجيه القضاء المصري لعدد غير قليل من قيادات الجماعة وأعضائها تهما بارتكاب جرائم جنائية، قال الغنوشي” النهضة كحزب لا تملك اعطاء حق اللجوء ولكن الحكومة التونسية هي من تقدر اعطاء هذا الحق لمن يعتبر طبقا لنظام الأمم المتحدة مضطهدا سياسيا باعتبار ان تونس عضو بالأمم المتحدة.
وتابع: نحن أيضا في عهد بن علي كان محكوم علينا بالسجن ومحكوم علي بعضنا بالاعدام وتمتعنا باللجوء السياسي في أكثر من خمسين دولة .