قال رئيس مركز دراسة الاسلام والديمقراطية بواشنطن رضوان المصمودي في مقابلة خاصة مع "بوابة أفريقيا الاخبارية" إن الدعم الأمريكي لتونس إلى حد الآن غير كاف محملا المسؤولية إلى الحكومات السابقة وإلى السياسة الخارجية الأمريكية.

رضوان المصمودي، وهو تونسي مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية منذ حوالي الثلاثين سنة وناشط بارز في المجتمع المدني الأمريكي، دعى إلى حسن التسويق لتجربة تونس في الولايات المتحدة مؤكدا أن في دعم تونس اقتصاديا وسياسيا فوائد للغرب وللولايات المتحدة أيضا وحماية للمنطقة من أعداء الديمقراطية.

فيما يلي نص الحوار كاملا:

  فيما تتمثل أهمية زيارة رئيس الحكومة مهدي جمعة إلى واشنطن؟ 

تونس بلد صغير ولم يحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في عهد الرئيس المخلوع بن علي لكن العلاقات في عهد بورقيبة كانت متطورة جدا فقد نجح بورقيبة في بناء علاقات قوية مع أمريكا رغم صغر حجم تونس.بعد الثورة استرجعت تونس مكانتها وزاد الاهتمام بها لكنه لم يبلغ تطلعاتنا.

السياسة الخارجية الأمريكية مخطئة في اهتمامها دائما بالدول التي تعاني مشاكلا وعدم سعيها إلى استباق هذه المشاكل وتدعيم الاهتمام بالدول التي تعيش مراحل انتقالية.

في هذا السياق أعتقد أن زيارة مهدي جمعة من الممكن أن تساعد كثيرا فمن الضروري أن يقتنع الأمريكيون بالوزن الاستراتيجي لتونس ويجب أن تصبح تونس أولوية بالنسبة لهم لأن تونس البلد الوحيد في العالم العربي المتميز بتجربة ديمقراطية ناجحة. 

تونس بإمكانها تقديم نموذج ناجح للديمقراطية في العالم العربي وللتعايش بين الاسلاميين والعلمانيين وبصفة عامة بين مختلف الفرقاء والأحزاب والتيارات الفكرية. ولدى تونس فرصة لتقديم هذا النموذج الذي يجمع بين قيم الاسلام والديمقراطية ومن واجب الولايات المتحدة دعم التجربة التونسية بأكثر حماس وجدية.

هل تعتبر هذه الزيارة شكلية أم أنها ستنتج دعما ملموسا؟

أتوقع أن تكون هذه الزيارة فرصة لترسيخ العلاقة ولمزيد من الدعم. الأمريكيون يجهزون أنفسهم لتقديم جملة من الاقتراحات لدعم التجربة التونسية، الحكم على هذه المقترحات سيكون محل نقاش بعد الزيارة لكن الأكيد أن زيارة واحدة ليومين غير كافية ولا يمكنها تغيير الكثير...

هل يمكن القول أن للزيارة صبغة اقتصادية بالأساس؟

الدعم السياسي والاقتصادي مرتبطان ولا يمكن فصلهما. سياسيا خرجنا من الأزمة ووجدنا حلولا توافقية بين الأحزاب والنخبة والتحدي الأكبر في تونس الآن اقتصادي بالأساس لذلك فمن واجب الولايات المتحدة تقديم مساعدات اقتصادية وبدون دعم اقتصادي لا يمكن حماية الاقتصاد من الانهيار.

الولايات المتحدة لابد أن تفهم أن قوى الردة التي تعمل ضد الديمقراطية ستستغل تواصل التدهور الاقتصادي لتفشل الانتقال الديمقراطي في تونس وهذا ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وبناء على ذلك من مصلحتها دعم تونس.

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة الأمريكية تؤكد في جميع المناسبات دعمها للانتقال الديمقراطي فهل ترى ما تقدمه من دعم اقتصادي لتونس كافيا؟

 

في الماضي هذا الدعم كان ضعيفا وغير كافيا فالدعم الذي تحصلت عليه تونس في السنة الماضية قدر بحوالي 30 مليون دولار مثلا وهذا المبلغ يعتبر مسخرة ومهزلة مقارنة بحجم الولايات المتحدة...

كيف تفسر ضعف الدعم الأمريكي لتونس السنة الماضية؟

منذ الهجوم على السفارة الأمريكية خلال سبتمبر 2012 عرفت العلاقات التونسية الامريكية برودا وتخوفا أمريكيا من ظاهرة الارهاب والتطرف. الدعم قدر سنة 2012 بين 300 و400 مليون دولار أمريكي لكنه تراجع إلى حوالي 30 مليون دولار سنة 2013 بسبب الهجوم على السفارة الأمريكية.

السفارة بقيت شبه مغلقة لفترة طويلة وتم تقليص طاقمها كما أننا لم نوفر سفيرا في الولايات المتحدة لمدة سنة ونصف تقريبا.

تونس أيضا تتحمل مسؤولية البرود في العلاقات لأنها لم تعط الأولوية الكافية للعلاقات مع الولايات المتحدة. أتمنى أن تطور زيارة جمعة هذه الأيام العلاقات فالدعم الامريكي مهم نظرا لتأثير الولايات المتحدة في العالم.

ماهي أبرز أخطاء حكومتي الترويكا في علاقة بالولايات المتحدة الأمريكية؟

الخطأ الأول هو التسامح نوعا ما مع السلفية الجهادية وهي سلفية إرهابية وهم يعلنون انتماءهم لتنظيم القاعدة وهذا أكبر عدو للغرب والولايات المتحدة.

لا يمكن تطوير علاقات جيدة مع الغرب والولايات المتحدة وفي نفس الوقت فتح الباب أمام المنظمات الارهابية التي تريد نشر الفوضى والعنف فكان هذا أكبر خطأ ونتيجته الهجوم على السفارة الأمريكية.

الخطأ الثاني يتمثل في عدم إرسال سفير يعرف الولايات المتحدة والمجتمع الأمريكي بشكل جيد منذ البداية. فتونس أرسلت سفراء لا يعرفون شيء عن الولايات المتحدة ولم ترسل سفيرا لمدة سنة ونصف.أرسلنا سفيرا في مارس السنة الماضية ولكن أعدناه لتونس بعد 3 أشهر وهي خطوة فاجأت الأمريكيين كثيرا.

أما الخطأ الرئيسي في اعتقادي فهو أن تونس لم تعط العلاقة مع الولايات المتحدة الأهمية والأولوية التي تستحق حيث ركزنا فقط على علاقتنا بأوروبا والعالم العربي والدول القريبة.

لماذا إذن يشاع عند جزء واسع من الطبقة السياسية أن الولايات المتحدة تدعم حركة النهضة الاسلامية في تونس والتي أمسكت بالحكم خلال الفترة التي تحدثت عنها ؟

هذه خرافة يروجها إما أعداء النهضة أو أعداء الولايات المتحدة الأمريكية فالولايات المتحدة لم تدعم النهضة في أي وقت من الأوقات وهي لا تريد ولا تستطيع دعم أي حزب في تونس. الولايات المتحدة تريد أن تدعم التجربة الديمقراطية في تونس. والنهضة هي جزء من التجربة الديمقراطية في تونس ومن غير الممكن أن نبني ديمقراطية ونستثني حزب النهضة كما لا يمكن استثناء أحزاب أخرى.

ما تدعمه الولايات المتحدة هو الديمقراطية في تونس أما التحول الذي عرفته السياسة الخارجية الامريكية خلال العشر سنوات الأخيرة فهو اقتناع صناع القرار فيها بحق الاسلاميين في المشاركة في اللعبة السياسية وبأنه من غير الممكن بناء نظام ديمقراطي في الدول العربية واستثناء الاسلاميين. فالنظام الديمقراطي يشمل كل التيارات السياسية والفكرية بما في ذلك تيار الاسلام السياسي.

أكيد أنك مطّلع على دراسات مراكز البحوث في أمريكا وآراء صناع القرار فما تقييمهم لتجربة حكم الاسلاميين في تونس؟

هم ينظرون بإعجاب شديد لتجربة حكم النهضة في تونس.طبعا هناك أخطاء فممارسة الديمقراطية ليست أمرا هينا بالنسبة لمجتمع خرج من عقود من الاستبداد والدكتاتورية. الأمريكيون يعتبرون أن النهضة أثبتت انها حركة ديمقراطية تقبل باللعبة السياسية وقدمت تنازلات كبيرة جدا لإنجاح التجربة الانتقالية ولكي لا تنفرد بالسلطة.

هل هذا نفس موقفهم من حركة الاخوان في مصر؟

التقييم في مصر يختلف...فالإخوان لم يقدموا نفس الجهود في تشريك غيرهم في اللعبة السياسية بل أرادوا الانفراد بالسلطة وإقصاء التيارات العلمانية هكذا يقول الامريكيون.

لكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة من انتقاد ما حصل في مصر رغم عدم تسميتهم ذلك صراحة بالانقلاب.

أعتقد أن السياسة الامريكية في مصر تتجه نحو أكثر وضوح في الفترة القادمة وذلك في اتجاه تصعيد انتقادهم وربما قطع العلاقات.

هناك حديث عن دعم الولايات المتحدة لتقارب بين حركة النهضة الاسلامية وحركة نداء تونس التي يقودها رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي؟

الديمقراطية تفرض أن يكون هناك مجال لجميع الاحزاب للعمل وحزب نداء تونس أصبح حزبا كبيرا في تونس، هو الان الحزب الاول أو الثاني في تونس حسب المؤشرات. وباعتباره يمثل مع حركة النهضة أكبر حزبين على الساحة فالتقارب أو التعايش بينهما سيدعمه الغرب بصفة عامة لتجنب الصراعات في الفترة القادمة وليكن الحكم في النهاية للشعب التونسي.

وزير الخارجية التونسي صرح مؤخرا أنه يتمنى عودة جمعة إثر الزيارة باتفاق تبادل حر كما هو الحال مع المغرب. ما رأيك في ذلك؟

هذا ممكن جدا مع العلم أن المفاوضات حول السوق التجاري أو السوق الحرة تتطلب 3 إلى 4 سنوات وليست بالسهلة بل تحتاج مفاوضات مطولة ولكن المهم البدء في الحوار حول هذا الموضوع الآن وانطلاق المفاوضات.

بيان رئاسة الحكومة الأخير تطرق إلى انطلاق حوار استراتيجي تونسي أمريكي خلال هذه الزيارة فماهي أهم مرتكزاته حسب رأيكم؟

انطلاق هذا الحوار دليل على أن العلاقات تحسنت مقارنة بالماضي وأعتقد أننا سنشهد في الأشهر والسنوات القادمة تطور العلاقة إيجابيا مع وجود ضوابط تحكمها فموازين القوى اختلفت الان.

في الماضي كان يحكمنا نظام استبدادي يبحث فقط عن مصلحة الحاكم ولا يبحث عن مصلحة شعبه لذلك يقبل بكل الاملاءات الخارجية. الآن نحن بلد ديمقراطي والحكومات فيه تخضع للإرادة الشعبية، العلاقة إذن تغيرت وصارت بين دولتين ديمقراطيتين حيث تلتقي المصالح في بعض النقاط وتتعارض في أخرى وعلى هذا الاساس سينعقد الحوار الاستراتيجي.