حسمت اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس أمر تأجيل تكليف الحزب الفائز بالانتخابات البرلمانية بتشكيل حكومة جديدة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، لتقطع مع حالة الإرباك التي حاول الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي الدفع باتجاهها.

أعلنت اللجنة الرباعية للحوار الوطني، أمس السبت، عن التوصل إلى اتفاق رسمي بين الأطراف السياسية لتأجيل عملية التكليف بتشكيل حكومة جديدة إلى ما بعد الدور الثاني للانتخابات الرئاسية.

وقال المتحدث الإعلامي للاتحاد العام التونسي للشغل أحد المنظمات الراعية للحوار الوطني بين الفرقاء السياسيين، أمس، إنه تم الاتفاق على أن يكلف الرئيس الفائز في الانتخابات الرئاسية مرشحا عن الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية بتشكيل الحكومة المقبلة.

وذكر المتحدث غسان القصيبي أن “رباعي الحوار الوطني كان كلف رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي بالتوسط لحل الأزمة وعلى ضوئها قبل الرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي بتأجيل عملية التكليف للرئيس المقبل”، موضحا أن “”الاتفاق أصبح رسميا ونهائيا الآن”.

وكان رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي قد أعلن في وقت سابق أنه نجح في إقناع الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي بالتراجع عن خطواته التصعيدية ضد خصمه السياسي حزب نداء تونس وزعيمه المرشح الأوفر حظا للفوز في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية التونسية.

ويرى مراقبون أن تدخل النهضة في تغيير موقف المرزوقي ليس إلا تغييرا في استراتيجيتها، خاصة وأنها باتت تخشى على نفسها من ارتدادات مواقف المرزوقي واندفاعاته وهي التي حرصت خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية على دعمه الأمر الذي مكنه من الوصول إلى الجولة الثانية من هذا الاستحقاق.

ويسمح الاتفاق القائل بتأجيل عملية تكليف الحكومة الجديدة بتجاوز الأزمة التي حاول المرزوقي افتعالها، مستغلا التأويلات المتعددة بشأن الفصل 89 من الدستور حول أيّ رئيس يملك صلاحية التكليف، الرئيس المؤقت الحالي المنتهية ولايته أم الرئيس المقبل المنتخب مباشرة من الشعب، رغم وجود اتفاق مسبق.

وكانت دعوة المرزوقي للحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية بتشكيل حكومة جديدة قد أثارت ضجة كبيرة، وزادت من حدة التوتر القائم في تونس.

واعتبر عبدالوهاب الهاني رئيس حزب المجد في تصريحات لـ”العرب” أن الخطوة كانت مناورة انتخابية من الرئيس المؤقت القصد منها إرباك الباجي قائد السبسي وحملته الانتخابية في حين أن الحوار الوطني قد ضمن هذا الجانب في اتفاقاته واعتبر الأمر محسوما”.

وأضاف الهاني أن المرزوقي لم يرد من وراء ذلك تحقيق إجراء دستوري بريء، حيث كان بإمكانه انتظار أسبوعين حتى تتبين نتائج الرئاسية ويتم الانطلاق في تشكيل المشهد التنفيذي القادم للبلاد”.

وشهدت تونس خلال الفترة الأخيرة حالة ارتباك نتيجة الحرب الكلامية القائمة بين السبسي والمرزوقي الذي عمل على اللعب على وتر الجهويات وعلى التحريض ضد زعيم نداء تونس في مناطق الجنوب، الأمر الذي أدى إلى خروج العشرات في محافظة مدنين في مسيرات احتجاجية، سرعان ما تحوّلت إلى مواجهات بينهم وقوات الأمن التونسي .

وفي تصريح تلفزي له قال الأزهر العكرمي، القيادي بحزب نداء تونس إن زعيم حزبه (قائد السبسي) لم يقل عن المليون ومائة ألف تونسي الذين انتخبوا المرزوقي إنهم متطرفون وجهاديون، مؤكدا أن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي أسسه المنصف المرزوقي، هو من يعمل على مغالطة التونسيين والتقوّل على قائد السبسي بما لم يقله.

واستظهر الأزهر العكرمي بوثائق قال إن حزب المؤتمر يوزعها على أهالي الجنوب فيها تحريف لما قاله قائد السبسي وذلك بغية تأجيج الأوضاع وخلق أزمة سياسية وانتخابية وتقسيم البلاد.

وإزاء هذا الوضع المتشنج دعا بيان للجنة الرباعية للحوار الوطني إلى تفادي كل خطاب من شأنه المساهمة في التوتر السياسي وعدم الانسياق وراء دعوات التفرقة وحثّ السياسيين والمجتمع المدني ووسائل الإعلام على العمل على نشر ثقافة التسامح.

وطالب البيان المرشحين إلى الدور الثاني إلى التهدئة والتنافس على قاعدة البرامج والتصورات وفي إطار القانون والاحترام المتبادل وحق الاختلاف.

ويخشى العديد من أن يؤدي المسلك الاستفزازي والتحريضي الذي عمد إليه المرزوقي في حملته الانتخابية إلى إجهاض المسار الديمقراطي في تونس وإلى إثارة الاضطرابات في البلاد في ظل منطق الجهوية الذي يستخدمه المرزوقي في وجه منافسه على كرسي قرطاج.

وكان رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة قد صرّح في دكار حيث يحضر قمة المنظمة الدولية للفرنكوفونية، أن تجربة تونس مهد الثورات العربية “ليست نموذجا بل أملا” للدول المتطلعة إلى الديمقراطية.

ولم تحدد هيئة الانتخابات بعد موعد إجراء الدور الثاني للانتخابات الرئاسية لكن يرجّح أن يكون في آخر شهر ديسمبر إذا ما تمسك المرزوقي بتقديم طعون ضد نتائج الدور الأول وعددها ثمانية.

لكن في حال تأكد سحب الطعون وهو ما أعلن عنه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي فإنه يتوقع إجراء الدور الثاني يوم 14 أو 21 كانون أول/ديسمبر.

وسيتنافس في هذه الجولة زعيم نداء تونس الباجي قائد السبسي وهو الأوفر حظا للفوز بها والرئيس المؤقت المنصف المرزوقي.

*نقلا عن العرب اللندنية