أعلنت النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية التونسية، التي نشرتها وسائل إعلام عدّة نقلا على مراكز إحصائيات وسبر للآراء، أنّه لا مناص من المرور إلى دور ثان حاسم، سيجمع وفق ذات الإحصائيات بين الباجي قائد السبسي الذي جاء في المرتبة الأولى وملاحقه المنصف المرزوقي. دور ثان سيشتدّ فيه التنافس، حسب مراقبين، بين المتشرحيْن، وستخلط فيه أوراق التحالفات من جديد، رغم أنّ أغلب المؤشرات مازالت تفيد بوفرة حظوظ السبسي في الفوز بكرسي قرطاج.

تبيّن الخيط الأبيض من الأسود في الدّور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية، التي أجريت دورتها الأولى أوّل أمس الأحد، غير أنّ ذلك لم يمنع ورود العديد من الملاحظات التي سجلها عدد من المتابعين قبل أن تبدأ عملية تشكيل التحالفات في الدور الثاني، يتعلّق أهمّها بتحقق “نبوءة” الاستقطاب الثنائي، ليظهر تنافس جديد بين حزب النهضة الإسلامي والتيار الحداثي العلماني الذي يمثله حزب نداء تونس ومرشحه الباجي قائد السبسي، وبالنتيجة التاريخية التي حقّقها اليسار التونسي لأوّل مرّة في تاريخه.

كيف تمت قراءة النتائج؟

وفي هذا السياق، قال القيادي في حزب نداء تونس ناجي جلول في تصريح لـ “العرب”: “إنّ النتائج التي أعلنت عنها الانتخابات تبدو عادية ومنطقية بالنسبة لنداء تونس، خاصّة وأنّ البعض من المنتمين إلى العائلة الديمقراطية الحداثية اختاروا منذ مدّة التصويت لفائدة مرشح الجبهة الشعبية حمّة الهمامي وكذلك لصالح مرشح الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي”، مشدّدا على “أنّ حزبه حافظ على النواة العريضة لناخبيه، من خلال تحصيله لنتائج قريبة جدّا ممّا حدث في التشريعية”.

من جهة أخرى، اعتبر جلول “أنّ نسبة 32 بالمئة من التونسيين الّذين صوتوا للمنصف المرزوقي لم يصوتوا لشخصه، بقدر ما صوّتوا ضد الباجي قائد السبسي”، مشيرا إلى “أنّ حمة الهمامي (مرشّح الجبهة الشعبية اليسارية) استفاد من فئة الشباب أساسا، لكنّ شريحة من الأصوات التقليدية الّتي تحصّل عليها الهمامي ستكون بالضرورة من نصيب مرشح النداء في الدور الثاني”.
من جهته اعتبر القيادي بالجبهة الشعبية، أحمد الصديق، أنّ الأجواء الّتي حصلت فيها الانتخابات تعدّ مرضية عموما، رغم تسجيل عديد من التجاوزات والأجواء المتشنجة التي انساق إليها أنصار المرشحين الفائزين بالمرتبتين الأولى والثانية”.وأوضح قائلا: “بالنسبة لنا في الجبهة الشعبية، فقد خضنا هذه الانتخابات بحملة نظيفة وعميقة المضامين تحصّلنا من خلالها على 10 بالمئة من أصوات الناخبين على قاعدة البرامج والتصوّرات، بعيدا عن منطق التخويف والتخويف المضاد الذي قاد المترشحيْن اللّذيْن عبرا إلى الدور الثاني”، مضيفا بالقول: “ما يهمّنا في هذه النتيجة الأوليّة هو أنّنا أعطينا إلى هذه الانتخابات نكهة المقاومة وطعم الحرية ونفس الوعي المواطني البعيد عن عقلية التجييش، وهو ما أسهم في صعود الجبهة الشعبية وتبلورها كقوة ثالثة حقيقية تستقطب الشباب والنساء والكادحين، وهي بالتالي قوة مستقبل نراهن على تنميتها وتوسيع رقعتها في عقول الناس وقلوبهم ونفوسهم.

ماهي الدروس المستخلصة؟

بالنسبة لأستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، فإنّ الملاحظات الخاصة بالانتخابات الرئاسية تتلخص في خمس نقاط، وفق رأيه، هي الآتي:

* أولا، أنّ النتائج التي تمّ الإعلان عنها حتى الآن، كانت متوقعة لدى قطاع واسع من المتابعين للشأن السياسي التونسي.

* ثانيا، يتعلق بصدمة المشاركة الضعيفة التي تمّ تسجيلها في الاستحقاق الانتخابي، حيث تراجعت النسبة في الرئاسية عن نظيرتها في التشريعية بقرابة 500 ألف صوت، والأهم من ذلك هو عزوف الشباب التونسي عن العملية برمّتها.

* ثالثا، سقوط القيادات التاريخية للتيار الديمقراطي، خاصة كل من أحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر.

* رابعا، النجاح النسبي للغوغائية الانتخابية، ممثلة في كلّ من سليم الرياحي والهاشمي الحامدي في الفوز بما يعادل 10 بالمئة من الأصوات.

* خامسا، الفوز الكبير الّذي حققه اليسار لأوّل مرّة في تاريخه السياسي بتونس، حيث احتل المرتبة الثالثة في الرئاسية والرابعة في التّشريعية، وهو ما يفتح أفقا واسعا أمام العائلة اليسارية لتحقيق ما هو أفضل.

كيف سيتم التعامل في الدور الثاني؟

في ما يتعلّق بالدور الثاني، قال ناجي جلول "إنّه من مصلحة الباجي قائد السبسي ومن ورائه حزب نداء تونس أن يتمّ المرور إلى دور انتخابي ثان، لأنّ هذه المحطات تعدّ فرصة لجلب المزيد من القيادات الوسطى والقاعدية للأحزاب التي هي في طور البناء".

من جهته قال لزهر العكرمي، الناطق الرسمي باسم حزب نداء تونس، وفي تصريح لـ “العرب”: “إنّ القوى الديمقراطية لن تدعم المنصف المرزوقي رغم دعوته لها عقب الإعلان الأوّلي عن النتائج الانتخابية، لأنّه يحمل خطابا يحثّ على العنف، ولهذا السبب لن تكون القوى الديمقراطية في نفس الطريق معه”، وفق تعبيره. كما شدّد العكرمي على أنّ الخطاب الخاص بحزبه وطريقة الحملة الانتخابية سيحافظان على نفس الآليات مع تحسين الشروط طبقا لمقتضيات الأيّام القادمة وتطوّراتها، لافتا إلى أنّ مرشح حزب النداء في طريق مفتوحة، وهو أقرب بكثير إلى الفوز بالانتخابات الرئاسية.

هل حسمت الجبهة أمرها؟

في سياق آخر، وفي ما يتعلق بموقف الجبهة الشعبية من مساندة أحد المترشحين، قال محمد الجمور، القيادي في الجبهة الشعبية، “إنّ الجبهة لن تدعم الرئيس المنصف المرزوقي في الدور الثاني من انتخابات الرّئاسة، لكن ذلك لا يعني أنّها اتخذت قرارا بدعم مرشح حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي”. وأضاف الجمور "أنّ الجبهة لم تحدد موقفها بعد، وأن مجلس أمنائها سيجتمع قريبا، وسيدرس الوضع وفق للنتائج التي آلت إليها الرئاسيات، وسيتخذ قريبا قرارا يتماشى مع ما تتطلبه مصلحة البلاد". كما تابع قائلا إنّ “النتيجة التي حصل عليها مرشح الجبهة الشعبية حمة الهمامي تعتبر إيجابية، باعتباره لم يتلق مساندة من أحزاب ومكونات سياسية أخرى سوى من أنصار الجبهة، على عكس المنصف المرزوقي الذي تلقى مساندة من أطراف أخرى”.

في ذات السياق اعتبر أحمد الصديق، أنّ دعم الجبهة لأحد المترشحين مازال موضوعا مطروحا للتداول والنقاش صلب هياكل الجبهة الشعبية التي ستحدد موقفها بشكل ديمقراطي تصاعديّ، وفي النهاية سيتّخذ مجلس الأمناء القرار النهائي.

كما أشار إلى أنّ “موقف الجبهة سيستند بعد قراءة النتائج النهائية إلى مسألتين رئيسيّتين وهما مراعاة مصلحة الوطن العليا وبرنامجها الانتخابي الّذي صوت بموجبه الناس لصالح مرشّحنا. ونعتقد أنّ أيّ توجه أو قرار سنتخذه في ما يتعلق بالدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، لن يكون معزولا عن رؤيتنا لتموضع الجبهة وتحالفاتها المقبلة في مفاصل السلطة بما فيها التشكيل الحكومي المرتقب ومكتب رئاسة المجلس النيابي، مشيرا إلى “أنّ الخيارات تظلّ مفتوحة أمام الجبهة وستُناقش تلك الخيارات بروح المسؤولية الوطنية ووفق العقد الّذي يربطها بناخبينا على قاعدة أرضيتها السياسية ومبادئها وخطها السياسي العام وبرنامجها”.

تجدر الإشارة إلى أنّه، ووفق إحصاءات غير رسمية من مصادر متعدّدة، فقد تأكدت إقامة دور ثان للاستحقاق الرئاسي التونسي في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر المقبل بين السبسي الّذي حصل على حوالي 42 بالمئة من الأصوات والمرزوقي الحاصل على حولي 32 بالمئة.

*نقلا عن العرب اللندنية