طرحت التطورات السياسية التي شهدتها تونس منذ الدخول في الطور الأخير من الانتقال الديمقراطي والقطع مع كل ما هو مؤقت عبر الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، نوعا من التجاذب بين الفرقاء السياسيين من مختلف التوجهات، إلى حدود أصبحت معها التصريحات السياسية أكثر سخونة وحدة مع اقتراب موعد إجراء الدور الثاني من الانتخابات.
ولعل وجود شخصيتين مثل الباجي قائد السبسي ومحمد منصف المرزوقي يعد أكثر العوامل التي أضفت حركية على المشهدين السياسي والإعلامي في البلاد، نظرا إلى الخصائص المميزة لكل منهما. وفي الوقت الذي أخذت فيه مجموعة من الأحزاب مواقف واضحة تجاه دعم أحد المترشحين، بقيت حركة النهضة الإسلامية في موقف الحياد، وخيرت الجبهة الشعبية الدعوة إلى المشاركة “البيضاء” ورفض المرشحين.

ومثلت تصريحات الرئيس المؤقت المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي، اتهاما بشكل مسبق لحركة نداء تونس التي رشحت خصمه الباجي قائد السبسي، بالتزوير المسبق للانتخابات، وأكد المرزوقي في تلك التصريحات أن “للباجي تاريخا في هذا”. وهو ما دعا حزب نداء تونس إلى الرد على تصريحات المرزوقي عبر مدير الحملة محسن مرزوق، والذي أكد خلالها أن “كلام المرزوقي مردود عليه وهو يقول كلاما خطيرا لأنه فاقد للثقة في نفسه”. وهو ما استدعى تدخل مدير الحملة الانتخابية للمرشح المنصف المرزوقي عدنان منصر ليقول إن “المرزوقي حريص على سلامة الانتقال الديمقراطي ونزاهة الانتخابات”.

وقال حزب حركة نداء تونس إن تصريحات المرشح المنافس في الانتخابات الرئاسية المنصف المرزوقي بشأن مزاعم حول تزوير الانتخابات تعد حثا على إدخال البلاد في فوضى. وقد صرح محسن مرزوق مدير الحملة الانتخابية للمرشح الباجي قائد السبسي بأن تصريحات المرزوقي تعد تشكيكا في مصداقية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كما تمثل تهديدا للسلم والأمن الاجتماعيين.

وأوضح مرزوق موقف حزبه من تصريحات الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي بـ”أن عدم القبول مسبقا بنتائج الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية يعتبر حثا على إدخال البلاد في الفوضى”.

ودعا الحزب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد هذه التجاوزات والتهديدات الخطيرة الصادرة عن شخص “من المفروض أن يكون الضامن الأول للوحدة الوطنية والسلم وسلامة العملية الانتخابية”.

ويتهم نداء تونس المرزوقي بتجنيد رابطات حماية الثورة المتهمة بإشاعة العنف وأيضا التحالف مع السلفيين المتشددين في حملاته الانتخابية، ودعا السلطات إلى حماية المحطة الأخيرة للمسار الانتقالي في البلاد.

وأضاف مرزوق شارحا خلفيات تصريحات رئيس الجمهورية المؤقت التي توقع فيها تزوير حزب نداء تونس للانتخابات قائلا أنه “إذا كان الرئيس واعيا بما قاله فهذا خطير، وإذا لم يكن واعيا فهذا أخطر”.

وأكد مرزوق أنه بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا من العمل كرئيس للجمهورية، فمن المفروض أن يكون منصف المرزوقي قد استوعب مفهوم الوحدة الوطنية والتحكم في تصريحاته التي يمكن أن تؤدي إلى مشاكل بين الناس، خاصة في فترة انتقالية حساسة وظروف أمنية صعبة يمكن أن تعكر صفو الهدوء السياسي وتعيد البلاد إلى مربع ما قبل انتخابات 2012 التي كانت الفوضى فيها تسود بشكل كبير.
وقال محسن مرزوق إن “تصريحات الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي مردود عليه، وتصريحاته تسيء إليه ولحملته بالدرجة الأولى".

وقال مدير الحملة الانتخابية للباجي قائد السبسي إنه عندما تم إرساء الهيئة العليا للانتخابات لم يكن نداء تونس أو أحد زعاماته الآن في الحكم، أو في أي دائرة من دوائر السلطة في الدولة، وبالتالي فإن نظرية تأثير حزب نداء تونس أو شخصية الباجي على الهيئة أو إدارة من إداراتها هي نظرية مغلوطة والقصد من ورائها إرباك الناخب ووضعه في زاوية اختيار واحدة تعكس حب المرزوقي للسلطة بأي ثمن.
عدم القبول مسبقا بنتائج الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية يعتبر حثا على إدخال البلاد في الفوضى
كما أكدت عديد الوجوه القيادية في حركة نداء تونس، أن مراقبي حزبهم قد رصدوا العديد من الإخلالات في الانتخابات التشريعية الماضية وأيضا في الدور الأول للانتخابات الرئاسية، لكن الحزب “خير عدم التشهير بالمنافس، وعدم انتهاج الطريقة التي انتهجها المنصف المرزوقي وهي التحريض”.
وقد أكد محسن مرزوق مدير الحملة الانتخابية للمرشح الباجي قائد السبسي، المحسوب على التيار العلماني المدني في تونس، أن سياسة المرزوقي في الحملة الانتخابية واعتماده تشويه الخصوم وتأليب الرأي العام ضدهم لكسب مزيد من الأصوات دليل على إحساسه بالفشل وخطوة استباقية لتبرير هزيمته، “فمن يتكلم عن التزوير فقد سخر 12 سيارة من إدارة المراسم الرئاسية التي هي ملك الشعب التونسي واستغل فريقا من مصوري التلفزة الوطنية التونسية لتغطية حملته الانتخابية في ولاية زغوان (شمالا)، وهو ما يعتبر استغلالا للأموال العمومية وأملاك المجموعة الوطنية ويدخل ضمن تزوير البيئة الانتخابية برمتها”، حسب قوله.

وقد أكد مرزوق أن هذه التصرفات الصادرة عن المرزوقي إنما تؤكد ضعف شخصيته وخوفه من الهزيمة وتمهيدا للرأي العام لأي تصرف ربما يقوم به في حال هزيمته أمام الباجي قائد السبسي.

وقال المرزوقي: “سيكون يوم الانتخاب يوما من أيام الحسم، يوما من أيام العرب ويوما من أيام تونس، سنذهب إليه بعزيمة ونية المنتصرين وبأعين يقظة، لا مكان للطيبة والغفلة والسذاجة لأننا نقاوم آلة تعودت على التزييف واستعمال كل الوسائل غير الشريفة كي تربح”، وذلك في إشارة إلى حزب نداء تونس الذي يعتبره المرزوقي وأنصاره جزءا من النظام السابق نظرا إلى احتواء قواعد النداء على أعضاء سابقين في الشعب الحزبية التابعة لحزب التجمع المنحل الذي حكم البلاد أثناء صعود بن علي إلى السلطة.

يشار إلى أن حالة الاستقطاب بين المرشحين الرئيسيين للمنصب الرئاسي قد بدأت منذ الدور الأول، وبلغت ذروتها خلال الحملات الانتخابية مع تصاعد النعرات الجهوية بين أقاليم البلاد، وأعقبتها خطابات تهدئة من الطرفين لإخماد احتجاجات متفرقة بدأت تندلع في بعض الجهات بالجنوب التونسي.

وقد أكد عدنان منصر مدير الحملة الانتخابية لمحمد المنصف المرزوقي والمستشار الرئاسي الخاص به أن “تصريحات المنصف المرزوقي تأتي في سياق حرصه على الأجواء الانتخابية النظيفة والتي لا تعتمد فيها الأساليب السابقة التي عهدها الشعب التونسي في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي”.

وأوضح عدنان منصر أنه قبل دعوة رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من أجل لقاء الباجي قائد السبسي والاتفاق على جملة من القواعد لإدارة الحملة الانتخابية بما يضمن أن تكون سلسة ومتحضرة. وقال المرزوقي في هذا الصدد: “ليس المهم من ينتصر، ولكن بالنسبة إلى الشعب يجب أن تكون انتخابات حرة ونزيهة”.

وقد أكد عدنان منصر في العديد من المداخلات والندوات الصحفية أن الباجي قائد السبسي مرشح نداء تونس ينزع دائما إلى الحديث عن المنصف المرزوقي بطرق سلبية ولا تنظر إلى الإنجازات والتطورات التي حدثت في تونس في مجال الديمقراطية والحقوق في الفترة التي تولى فيها المرزوقي الحكم في قصر قرطاج، مضيفا أنه “في معظم الحالات عندما يقع الحديث عن محمد المنصف المرزوقي، يقعُ الحديث عنه في غيابه أو في غياب من يمثله، في حين يحتكر منافسنا (قائد السبسي) بعض الفضاءات الإعلامية”.

تصريحات المنصف المرزوقي تأتي في سياق حرصه على الأجواء الانتخابية النظيفة والتي لا تعتمد فيها الأساليب السابقة مثل التزوير
وقد عرج منصر في جملة انتقاداته على أداء البعض من وسائل الإعلام التونسية خاصة، وقال إنها تهول بعض التصريحات التي تقتطع من سياقها، أو تلك التي تصدر بعفوية عن الرئيس (يقصد بعض تصريحات المرزوقي التي يقول أنها فهمت بغير ما قصده).

وصرح عدنان منصر بأن منافسهم الباجي قائد السبسي يحتكر عددا من وسائل الإعلام التي تركز على تصريحاته ونشاطه فقط ولا تتبع أسلوبا موضوعيا في نقل الصورة إلى المواطن التونسي كما هي، وأضاف: “الإعلام الصحيح ليس هذا. ألا يلاحظ الإخوة الصحفيون أن ما تقوم به بعض وسائل الإعلام (التونسية) يثير التخوفات حول مستقبل الخبر الصحيح والخبر الموضوعي في الفترة القادمة. ماذا لو قُدِّر على شخص واحد أو حزب واحد أن يسيطر على كل وسائل الإعلام”.

وفي هذا السياق، قال عدنان منصر إن محمد المنصف المرزوقي مازال يطالب، إلى حدود اللحظة، بتنظيم مناظرة بينه وبين منافسه الباجي قائد السبسي على الملأ تبث في التلفزيون، ولكن المنافس يفضل دائما “التهرب من هذه المناظرة وهو أمر ليس جيدا بالنسبة إلى الديمقراطية، وفيه عدم احترام للناخب”.

الجبهة الشعبية تحسم أمرها بقطع الطريق أمام المنصف المرزوقي

تونس- دعت الجهبة الشعبية التي حل مرشحها حمة الهمامي ثالثا في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية، إلى “قطع الطريق” على الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي معتبرة أنه “المرشح الفعلي” لحركة النهضة الإسلامية، من دون أن تعلن مساندتها لمنافسه الوحيد الباجي قائد السبسي. وقال حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة، وهي ائتلاف أحزاب يسارية وبعثية وقومية، خلال مؤتمر صحفي إن “الجبهة الشعبية تدعو عموم الشعب التونسي إلى قطع الطريق أمام عودة المرشح الفعلي لحركة النهضة وحلفائها، محمد المنصف المرزوقي، إلى رئاسة الجمهورية”.

ومن المنتظر أن تنظم الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم 21 ديسمبر ويتنافس فيها قائد السبسي (88 عاما) والمرزوقي (66 عاما) اللذان حصلا على التوالي على 39،46 بالمئة و33،43 بالمئة من إجمالي الأصوات في الدورة الأولى في 23 نوفمبر الماضي.

وقد حلّ الهمامي ثالثا في الدورة الأولى بنسبة 7،82 بالمئة، كما حصلت الجبهة التي ينتمي إليها على 15 من إجمالي 217 مقعدا في البرلمان الجديد حاصلة على المرتبة الرابعة في الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 26 أكتوبر الماضي.

وأضاف حمة الهمامي أن تونس “اكتوت وشعبها زمن حكم المرزوقي بنار الاغتيالات السياسية والإرهاب”.

يجب قطع الطريق أمام المنصف المرزوقي لأنه مرشح حركة النهضة المسؤولة عن انعدام الأمن الذي ضرب البلاد
وذكر في هذا الصدد باغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وهما قياديان بارزان في الجبهة الشعبية حيث اغتيلا في 2013 في عمليتين نسبتهما السلطات إلى إسلاميين متطرفين. واتهم قياديون في الجبهة الشعبية حركة النهضة باغتيال هذيْن القياديين فيما نفت الحركة ذلك.

وتحدث حمة الهمامي عن “ارتهان المرزوقي لحزب حركة النهضة وارتباطه المفضوح بروابط العنف الإجرامية، والمجاميع السلفية المارقة على القانون والمحرضة على الفتنة والتكفير والتقسيم، وعلاقاته الخارجية بمحاور إقليمية لا تريد الخير لتونس والوطن العربي عموما”.

ورغم أن الهمامي حثّ التونسيين على “المشاركة المكثفة في إنجاح الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية” إلا أنه لم يدع إلى التصويت للباجي قائد السبسي مرشح حزب نداء تونس (يمين الوسط).

وحذر المتحدث من “إمكانية عودة منظومة الاستبداد والفساد القديمة بآليّات وطرق وتحالفات جديدة” لأن حزب نداء تونس الذي أسسه الباجي قائد السبسي في 2012 “يضم في صفوفه وضمن أغلبيته النيابية ومسانديه، العديد من رموز النظام القديم”. وقال الهمامي إن قائد السبسي “لم يوضح بعد مشروع حكمه في ما يتصل بعلاقته بحركة النهضة وإمكانية إشراكها في الحكم، مما ستكون له انعكاسات سلبية على ملفات لا تقبل المساومة عندنا، وأهمّها ملف الاغتيالات السياسية ومكافحة الإرهاب”.

ودعا الهمامي في تصريحاته “الأحزاب الديمقراطية والتقدمية والقوى المدنية والاجتماعية إلى الالتقاء مع الجبهة الشعبية حول فضاء يؤمّن قطع الطريق أمام عودة المشروع الإخواني الرجعي إلى الحكم، والتهيؤ منذ الآن للتصدي لأي إمكانية لعودة الاستبداد والفساد”. وتعتبر الجبهة الشعبية حركة النهضة الإسلامية التي حكمت تونس من نهاية 2011 وحتى مطلع 2014 تنظيما “إخوانيا” نسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين.

عن « العرب » اللندنية