عام كامل مر على اندلاع المواجهات في جنوب السودان والتي اتسعت بسرعة البرق لتمتد إلى مختلف ولايات البلاد مخلفة نحو 50 ألف قتيل، وفق تقديرات منظمة دولية.

المواجهات التي انطلقت شرارتها، ليلة الخامس عشر من ديسمبر (كانون الثاني)، وصفها حينها الرئيس سيلفاكير ميارديت بأنها "محاولة انقلابية"، وحمل نائبه المقال ريك مشار المسؤولية عنها بتدبير مع مجموعة من القيادات السياسية والعسكرية.

وسرعان ما تحولت الأزمة، التي بدأت في أروقة حزب الحركة الشعبية الحاكم (عقب إقالة مشار من منصبه كنائب للرئيس)، إلي حرب شاملة ومواجهات عسكرية بين الجيش وعسكريين منشقين أعلنوا ولائهم لمشار، وراح ضحية تلك الاشتباكات عشرات الآلاف من المدنيين في العاصمة جوبا وبقية المدن والولايات التي شهدت معارك عنيفة وأبرزها (بور بجونقلي، بانتيو بولاية الوحدة، وملكال عاصمة أعالي النيل).

الغريب في الأمر أن الحكومة لم تعر تلك الذكرى أي اهتمام رسمي يذكر، فلم تنكس الأعلام ، ولم يصدر أي تصريح رسمي بشأن تلك الاحداث، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة من الحكومة بعدم وضع نفسها محل اتهام ومسؤولية في قضية مقتل المدنيين بمناطقهم السكنية في ضاحية "المنقتين" غربي جوبا، ومنطقة 107 التي تقطنها مجموعة من قبيلة "النوير" التي ينتمي لها زعيم المتمردين ريك مشار.

وحدها الكنائس هي التي اهتمت بالمناسبة، حيث خرج المصلون في مسيرات صامتة جابت شوارع جوبا حدادا علي أرواح الضحايا الذين سقطوا طوال العام السابق، وأقيم قداس موحد بكاتدرائية القديسة تريزا بحي كتور بجوبا، وكانت الصلوات من أجل السلام والرحمة هي الفعالية الوحيدة التي شهدتها المدينة وهي تتذكر شهر الآلام.

كما أصدرت عدة منظمات مجتمع مدني بالبلاد بيانا، حصلت وكالة الأناضول علي نسخة منه، وحمل عنوان "تسمية الأشخاص الذين فقدناهم في أحداث ديسمبر" حيث سعت المجموعة الي جمع أسماء الضحايا والمناطق التي تم قتلهم فيها عبر معلومات من أسرهم وأخبار منشورة بالصحف وتقارير دولية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وحصرت المنظمات، في بيانها، نحو 500 اسم للضحايا، في الوقت الذي تتحدث فيه تقديرات منظمة "امنستي انتشرناشونال" الدولية، عن سقوط 50 ألف قتيل.

وأعربت المنظمة، في بيان لها أمس، عن قلقها البالغ حيال عدم وجود إحصاء لقتلى الصراع في دولة جنوب السودان.

وقالت كايسي كويلاند، الباحثة لدى مجموعة الأزمات الدولية، : "إنه أمر يثير الصدمة في (2014)، وفي بلدة تنتشر فيها أهم بعثات حفظ السلام التابعة إلى الأمم المتحدة، أن عشرات الآلاف يمكن أن يقتلوا، دون أن يقوم أحد بإحصاء القتلى - على الأقل -"، وأضافت "من الممكن بذل مزيد من الجهود؛ لمعرفة ما إذا كان الرقم أقرب إلى 50 ألفاً".

وقادت الأزمة في جنوب السودان إلي تفاقم الأوضاع الإنسانية، حيث فر ما يقارب الـ30.000 مناطقهم في إقليم أعالي النيل واتخذوا من مقرات بعثة الأمم المتحدة ملاذا لهم.

كما غادر أكثر من مليون ونصف المليون مواطن بلادهم ليصبحوا لاجئين لدي دول الجوار (كينيا، أوغندا، إثيوبيا، والسودان)، إلى جانب مليون مواطن يواجهون فجوة غذائية في ظل استمرار الحرب وعدم التوصل لاتفاق سلام.

ورغم أن أصوات المطالبين بمحاسبة الجناة والمسؤولين عن تلك الأحداث لم تتوقف طيلة هذا العام، لكنها أخذت في الارتفاع مع حلول الذكرى السنوية الأولى لاندلاعها.

ويقول شان ديل، صحفي ومحلل سياسي،: "مر عام وشعب جنوب السودان يعيش في أوضاع غير مستقرة، فلا يزال الموت والتشرد يلاحق العزل بعد تلك الأحداث التي بدات من داخل مدينة جوبا، وفي الوقت الذي يمر فيه العام الأول من المجزرة نأمل بشدة أن يحل السلام والاستقرار حتي يعود مواطنو أعالي النيل الي ديارهم من دون خوف".

ويضيف "هذا العمل لن يأتي الا بالتزام الطرفين بضرورة حل الخلافات لمصلحة تحقيق السلام لشعب جنوب السودان الصبور، ومن ثم نسعي أن يعمل الطرفين لتقديم مرتكبي الجرائم للعدالة ومحاسبتهم والتي أري أنها لن تحدث إلا عبر ضغوطات دولية".

فيما يقول "لام اكول اجاوين"، رئيس حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان – التغيير الديمقراطي" المعارض، لوكالة الأناضول، :"حالنا الآن يدعو للقلق، فقد أصبح شبح التدخل الأجنبي المباشر في بلادنا واقعا لا تخطئه العين، بعد عام من المساعي الحثيثة لأصدقاء جنوب السودان لاحلال السلام في ربوعه وسعيهم لاقناع طرفي الصدام المسلح بايقاف الحرب".

ويضيف "لم يظهر حتي الآن ما يدعو للاطمئنان، فمازالت كل مقترحات الحل ترتطم بصخرة العناد والمواقف المتصلبة".

ويري صموئيل جلال، كاتب صحفي ومحلل سياسي، إن الدروس التي تعلمها جنوب السودان خلال الأزمة لا تُحصي، "فمن المؤكد أننا عرفنا كيف كان هذا النسيج الاجتماعي هش للغاية، وأبسط المشكلات تستطيع ثقبه أو تمزيقه نهائيا، وعرفنا خلالها مدى جهلنا بمعاني الوطن والوطنية والى أي حد نحن قبليون بامتياز، وكيف يمكننا الإطاحة بالوطن من أجل الإبقاء علي مصالحنا الضيقة، وتعلم الشعب منها أهمية التداخل والتعافي الإجتماعي وضرورية الأمن والسلام".

وخلال العام الماضي بدأ الطرفان مباحثات سلام، برعاية منظمة "إيغاد" (تضم دول شرق أفريقيا) ، لكنها لم تستطع وضع حد لمعاناة آلاف المدنيين الذين شردوا من ديارهم بفعل الحرب في جنوب السودان.

وفشلت الحكومة والمتمردين في الالتزام باتفاقيات وقف إطلاق النار العديدة التي وقعا عليها.

وباتت المواجهات العسكرية تتسيد الموقف، ولا تزال فرص السلام معدومة حتي الآن نسبة لتباعد المواقف التفاوضية بينهما.