أطلق عدد من نشطاء المجتمع المدني بولاية الكاف، شمال غربي تونس، مؤخرا صيحة فزع و ناشدو السلط المعنية التدخّل العاجل لإنقاذ و حماية موقع «سيدي الزين» الواقع بمنطقة وادي الرمل جنوب المدينة ، بعد أن تمّ تحويله إلى مقطع لاستخراج الرمل، في تعد صارخ على تاريخ هذا المعلم المعروف عالميا بصفته أحد أقدم المعالم، وقد عاينه باحثون وعلماء آثار من تونس وعدة جامعات عالمية، وتم العثور به على عظام بشرية وأدوات بدائية يرجح أنها تعود إلى حوالي 150 ألف عام.

ويعتبر هذا الموقع وحيدا من نوعه في تونس بالإضافة إلى موقع مماثل في «القطار» بولاية قفصة جنوب غربي تونس، يضاف إلى ذلك موقع آخر عن آثار الإنسان الأول في مرتفعات سيدي منصور شمال مدينة الكاف، حيث توجد رسوم كثيرة ومتنوعة تركها الإنسان البدائي عندما سكن الكهوف المعروفة باسم «الغرف. « ورغم علم الجميع بأهمية هذه المواقع، والاتفاق مرارا على وجوب حمايتها ووضعها تحت سلطة الملك العام أو تصرف معهد الآثار، فقد ازداد وضعها ترديا خصوصا بعد الثورة، حيثتكررت حوادث سرقة المعالم التاريخية على امتداد تراب الجمهورية التونسية.فقد تعرّض موقع "تلمين" و هو من أعرق المناطق في تاريخ تونس، يقعبإحدى قرى ولاية قبلي الجنوب الغربي التونسي، إلى النهب و السطو و شهد عمليات تنقيب عشوائية وبحسب تقديرات المعهد الوطني للتراث فإن هنالك ما بين 5 إلى 10 حفريات تنقيب ضارة وخارجة عن السيطرةوتوجه اصابع الاتهام الى عصابات دولية مختصة في نهب وسرقة التراث التونسي.

إذ تم التفطن مؤخرا الى سرقة حوالي 200 قطعة نقدية ذهبية عمرها 15 قرنا من متحف باردو أحد أكبر المتاحف بالعاصمة تونس، ويؤكد مدير معهد التراث "عدنان الوحيشي" إن هذه القطع الأثرية اختفت ما بين سنة 2012 و2013 ، وبالتدقيق في الموضوع اتضح أنها سُرقت من المتحف سنة 2006. كما تمّ سرقت النصب النادر و الفريد "غانيماد" من متحف الفن المسيحي المبكر بقرطاج.ويعود تاريخ هذا النصب النادر من المرمر الابيض الذي يبلغ طوله 49 سنتمتر الى القرن الخامس بعد الميلاد.

وتتواتر من حين  الى اخر قضايا يتورط فيها تونسيون واجانب يشكلون عصابات دولية لسرقة القطع الأثرية ومخطوطات وتماثيل من مختلف الأشكال والأحجام واخزفة وقناديل وقطع نقدية رومانية وبيزنطية وإسلامية وأواني فخارية وأعمدة رخامية تمتد لفترات وحقب تاريخية مختلفة وقبور رومانية ومزهريات وحليّ وخواتمويقر مسؤولون بالمعهد الوطني للتراث أن متحف باردو مثلا تعرض إلى سرقة 87 قطعة أثرية من مخازنه في سنة واحدة.

ويطالب مختصون بحماية التراث بتطوير اجراءات مراقبة المداخل السياحية وتكثيف حماية المتاحف والمناطق الاثرية، غير أن إجراءات وزارة الثقافة و المحافظة على التراث، تبقى حبر على ورق، في ضل التوسّع العمراني و الذي يبرز كأحد أكبر الأخطار المحدقة بهذه المعالم التاريخية، سدود و بنايات و طرق سيارة ، شيّدت على أنقاض مدن رومانية قديمة، كما هو حال سد وادي الزرقة من ولاية باجة الشمال الغربي و الذي غطى عددا كبيرا من المساحات الأثرية الرومانية وكذلك الحصن الأثري "برج زوارة" الذي فقد هيبته وعراقته بعد أن أساء إليه التوسع العمراني، و أصبح مصبّا للفضلات ،مثال آخر هو "برج سيدي مسعود" بطبرقة الذي تحوّل إلى مصبّ للفضلات والأوساخ، وشدّدت قوات الجيش الحراسة على الحصن الجنوبي منه بعد تعرضه للنهب، ومنعت زيارته إلا بترخيص في الغرض من وزارة الدفاع.

بعض الجوامع التاريخية العريقة مهدّدة أيضا بالاندثار و الغلق بعد غياب الصيانة و الترميم، كجامع عقبة بن نافع بالقيروان الوسط التونسي، حيث يعانى كثيرا من الإهمال، ويحتاج إلى صيانة مستعجلة، فقد بانت في بعض جنباته الشقوق وأصبح رواده يشتكون من تسرّبالمياهولا ننسى جامع الزيتونة الذي أصبح مهدّدا بالسقوط رغم أنه مصنف ضمن التراث العالمي والإنساني باليونسكو منذ سنة 1979.

ظاهرة أخرى برزت إلى الواجهة ما بعد ثورة 14 يناير و مع صعود حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم، ظاهرة استهدفت الذاكرة التونسية بالدرجة الأولى و حاولت طمس معالمهاالأثرية، حيث تواترت حوادث الاعتداء ، حرق و نهب و تكسير و تهشيم للزوايا و الأضرحة من هذه المقامات والزوايا نذكر زاوية سيدي بوسعيد الباجي وزاوية السيدة المنوبية وسيدي عبد القادر الجيلاني وزاوية سيدي يعقوب.

وتنوّعت هذه الاعتداءات وتعدّدت ولعلّ أهمّها تلك التي انطلقت بهدم الجزء العلوي لقبة الولي الصالح سيدي المحارب الكائن بمنطقة "الفالاز" المطلة على شاطئ البحر بولاية المنستير، واعتداءات سابقة على مقامي وليين صالحين من خلال النبش عن رفاتهما، وهدم قبة زاوية سيدي يعقوب بمنطقة مطماطة الجديدة التابعة لولاية قابس بالجنوب التونسي، وهدم ضريح الولي الصالح سيدي عسيلة في بادرو بالعاصمة، وحرق مقام الولي عمر السماتي الموجود بمقبرة في ضواحي مدينة سبيبة من ولاية القصرين بالوسط الغربي.وذكرت وسائل إعلامية محلية خلال الفترة الاخيرة أن جماعات "سلفية وهابية" قامت بهدم أضرحة صوفية في عدد من مناطق البلاد ودعت المواطنين إلى الكف عن زيارتها لأن في ذلك "شرك بالله"..

وتنتشر في مختلف أنحاء تونس الزوايا والمقامات الصوفية التي يعتقد كثير من السكان في بركتها. وتجتذب هذه المقامات الزوار الذين يأتون إليها للتضرع بالدعاء أو لنحر القرابين وتقديم النذر.وقال المفكر ورجل الدين التونسي مازن الشريف ، "أنصار الفكر الوهابي وراء هذه العمليات، وسيتمرون في اعتداءاتهم ولن يتوقفوا أبدا لأنهم أعلنوا الحرب على تونس الثقافة وتونس الاعتدال والتسامح "، وأضاف " الوهابيون سيواصلون حرق المقامات الصوفية لأنهم مولعون بذلك، وحصيلة المقامات التي تمّ الاعتداء عليها فاقت 150 مقاما".

وقد اتهم عمر عمران نائب رئيس اتحاد الصوفية بتونس الحركة الوهابية بالوقوف ووراء عمليات الاعتداء على الزوايا ومقامات الأولياء الصالحين و حمل الحكومة التونسية مسؤولية عدم حماية هذه المقامات من تعرضها للحرق خلال الأشهر الأخيرة"تراث نهب، تراث يسترجع" كان عنوان معرض الأول من نوعه بعد الثورة نظّمته وزارة الثقافة و المعهد الوطني للتراث بتونس، عرض خلاله حوالي 100 قطعة أثرية تعود جلها إلى القرون الرومانية والفينيقية وإلى القرن الأول والثاني والثالث بعد الميلاد، هي قطع أثرية استرجعت من قصور الرئيس المخلوع و قصور أصهاره ، آثار تحمل جزء ضئيلا من تاريخ البلاد و من الذاكرة التونسية التي مازالت تتعرض و إلى حدود اليوم إلى حرب مدمّرة.