نشرت صحيفة ذا تلجراف البريطانية تقريرا انتقدت خلاله غياب بريطانية عن الساحة الليبية بالرغم من أن لندن كانت من الدول الرئيسية التي شاركة في الإطاحة بنظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
وقالت الصحيفة إنه بالنسبة لبلد كان أحد كبار قادة الداعمة لتغيير النظام في ليبيا، فأن صوت بريطانيا خافتاً بشكل غريب في الجهد العالمي لحل الحرب الأهلية المريرة التي اجتاحت البلاد منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي.
وأضافت الصحيفة صحيح أن بوريس جونسون كان حاضراً في قمة برلين التي عقدت في نهاية الأسبوع الماضي بهدف إنهاء القتال. ولكن فيما يتعلق بممارسة النفوذ على كيفية إنهاء النزاع فإن القوى الأخرى مثل روسيا وتركيا وألمانيا هي التي تطلق كل الجهود.
وتضوح ذا تليجراف أن موسكو برزت كلاعب رئيسي في ليبيا بعد قرارها دعم قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر في محاولاته للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة بقيادة فايز السراج. وقد دفع هذا بدوره تركيا إلى مساعدة حكومة الوفاق الوطني على أمل أن يؤدي ذلك إلى إنشاء حكومة إسلامية مؤيدة لأنقرة مماثلة لنظام الإخوان المسلمين الكارثي الذي سيطر لفترة قصيرة على السلطة في مصر المجاورة.
وفي الوقت نفسه فإن ألمانيا التي عارضت بشدة الحملة العسكرية لعام 2011 -التي قادها رئيس الوزراء البريطاني  ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي للإطاحة بالقذافي- تأمل  في ان يؤدي حيادها بشأن القضية الليبية وكذلك علاقة المستشارة أنجيلا ميركل الودية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وضع حد للأعمال القتالية.
وللمفارقة فأن ألمانيا -التي سعت بنشاط لتقويض الحملة العسكرية الأنجلو-فرنسية برفضها توفير ناقلات التزود بالوقود التي تشتد الحاجة إليها- تجد نفسها الآن اللاعب الرئيسي في ليبيا حيث لا يفتقد رئيس الوزراء البريطاني السابق كاميرون. وبصورة مشتركة مع بقية أعضاء الحكومة البريطانية عتقد رئيس الوزراء السابق أن الإطاحة بالقذافي ستؤدي إلى عصر جديد من الحكم الديمقراطي المستقر في طرابلس.
وبدلاً من ذلك فإن التفاقم الكارثي للصراع الذي لا ينتهي في ليبيا أدى بالحكومات البريطانية المتعاقبة إلى غسل أيديها في هذا البلد المنكوب. وكانت النتيجة أن أمثال روسيا وتركيا قد ملأت الفراغ في هذه المنطقة الرئيسية في جنوب البحر الأبيض المتوسط  مع كل ما يترتب على ذلك من آثار على الأمن الأوروبي في المستقبل.
وليس من الصعب فهم دوافع روسيا في الوقوف إلى جانب المشير حفتر الذي يستفيد من دعم ما يقدر بنحو 1500 من المرتزقة الروس من مجموعة فاجنر المرتبطة بالكرملين.
وفي بؤرة نجاحه في سوريا يعتقد بوتين أنه قادر على إنشاء موطئ قدم حيوي آخر في العالم العربي مع ميزة إضافية تتمثل في الوصول إلى ثروات ليبيا النفطية الهائلة. وعلاوة على ذلك من خلال الانحياز إلى مصر في القتال ضد قلب ليبيا الإسلامي حول طرابلس يأمل بوتين في أن يؤدي التدخل الروسي إلى توثيق العلاقات مع القاهرة وهي دولة رئيسية أخرى في شمال إفريقيا تشعر أنها أهملت من قبل حليفها البريطاني السابق.
إن قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتقديم المساعدة إلى حكومة الوفاق الوطني المحاصرة هو أيضاً جزئياً بدافع من المخاوف المتعلقة بالطاقة إذ وقّعت أنقرة مؤخرًا اتفاق تعاون مع حكومة الوفق الوطني لحماية اكتشافات الغاز التركية الجديدة في شرقي البحر المتوسط. بالإضافة إلى ذلك يتيح نشر القوات التركية في طرابلس لأردوغان الحفاظ على دعمه للميليشيات الإسلامية العديدة العاملة في المنطقة التي تتمتع بالفعل بفوائد سخاء أنقرة.
وأصبح المشهد المعقد للغاية للصراع الليبي أكثر صعوبة بسبب الانقسامات العميقة التي نشأت بين اللاعبين الأوروبيين الرئيسيين. فإيطاليا -القوة الاستعمارية السابقة التي لها مصالح نفطية مهمة يجب حمايتها في ليبيا- ألقت بكل ثقلها خلف حكومة الوفق الوطني،  في حين أن فرنسا -التي تتمثل أولوياتها في منع الجماعات الإسلامية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها من التخطيط لمزيد من الهجمات الإرهابية على البر الرئيسي الفرنسي- تزعم  أن رجل عسكري قوي فقط مثل المشير حفتر يمكنه إبقاء المسلحين الإسلاميين في وضع حرج.
وفي مثل هذه الظروف قد يجرى مسامحة جونسون للاعتقاد بأن مصالح بريطانيا تخدم بشكل أفضل من خلال الابتعاد عن المستنقع الليبي. ومع ذلك فإن المشكلة في هذا النهج هي أنه ما لم يتم اتخاذ إجراء عاجل لوقف التصعيد المثير للقلق الأخير في الأزمة الليبية فقد يرى رئيس الوزراء أن ليبيا وليس إيران ، تبرز كأول اختبار رئيسي للسياسة الخارجية لرئاسته للوزراء.
لذلك بدلاً من السماح لموسكو وأنقرة وبرلين بالقيام بكل ما في وسعها لحل النزاع الليبي، يجب أن تعمل بريطانيا مع واشنطن للضغط على الأطراف المتحاربة للاتفاق على وقف لإطلاق النار فضلاً عن اتخاذ تدابير لتنفيذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.، والذي ينبغي أن يضع حدا لتدفق الأسلحة إلى ليبيا من موسكو وأنقرة.
وهذا هو نوع من صنع السياسة الجريئة والحازمة التي يجب أن تحدد رؤية جونسون لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وان تصبح بريطانيا كما يزعم دولة العالمية لديها القدرة على التصرف بشكل مستقل عن بقية أوروبا صوتًا مميزًا في القضايا العالمية الحيوية .
ولا يمكن للحكومة البريطانية أن تتجاهل الالتزام الأخلاقي العميق المتمثل في جلب بعض مظاهر الاستقرار إلى ليبيا بعد كل الاضطرابات التي حدثت في العقد الماضي. وبعد أن ساعدنا –يقصد بريطانيا- في خلق هذه الفوضى في المقام الأول مع قرار حكومة كاميرون غير المدروس بالإطاحة بالقذافي، فإن أقل ما يمكننا فعله هو محاولة إنهاء الفوضى.