بعد أيام من مؤتمر باليرمو الدولي الذي عقد في مدينة صقلية الإيطالية لتعزيز الوضع في ليبيا، اجتمع في العاصمة السودانية الخرطوم وزراء خارجية دول الجوار، بحضور مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، وممثلين عن الاتحادين الأفريقي والأوروبي، بهدف تبادل وجهات النظر بين دول الجوار الليبى تجاه آخر مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية، واستعراض سبل دفع جهود التسوية السياسية.

وتتسارع الخطوات في محاولة لإنقاذ الوضع الراهن في الدولة الليبية وإعادة بناء مؤسساتها في أقرب وقت ممكن، وذلك من خلال الوصول الى تسوية شاملة وتوحيد مؤسسات الدولة لمجابهة المخاطر القائمة.

المصالحة

إلى ذلك، أكد البيان الختامى لوزراء خارجية دول الجوار الليبى فى الخرطوم، ترحيبهم بكل المبادرات التى تمت لجمع القيادات الليبية المدنية والعسكرية من أجل توحيد الوحدة الوطنية وإيجاد مخرج للأزمة الليبية.

وشدد المجتمعون على الحفاظ على وحدة وسيادة ليبيا وأراضيها، احترام الاتفاق السياسى الموقع فى الصخيرات فى 17 ديسمبر 2015 باعتباره إطارا لحل الأزمة والدفع نحو تطبيقه بواسطة الليبيية أنفسهم على أساس التمسك بالخيار السياسى، ورفض كل تدخل خارجى فى الشؤون الداخلية لليبيا.

واتفق المجتمعون على تكريس مبدأ التوافق دون إقصاء أو تهميش والالتزام بالحوار الشامل وإعطاء الأولوية للمصالحة الوطنية ورفض أى حلول عسكرية، وتشجيع الحوار بين الليبيين أنفسهم.

وأشاد الوزراء بتحسن الأوضاع الأمنية بالعاصمة طرابلس كما رحبوا بالإجراءات الإقتصادية التي بدأت تعطي ثمارها ، وأكدوا على ضرورة الاستمرار في الإصلاحات الإقتصادية والأمنية التي تقوم بها حكومة الوفاق الوطني و الكفيلة بالوصول إلى الإنتخابات و الانتهاء من المرحلة الإنتقالية. 

الجنوب الليبي

من جهة أخرى، كانت الأوضاع المتردية في الجنوب الليبي، حاضرة بقوة في البيان الختامى لوزراء خارجية دول الجوار الليبى، حيث شدد الوزراء على أهمية الالتفات إلى خطورة الوضع فى جنوب ليبيا وإيلادئه أهمية قصوى والدعوة إلى تكثيف التنسيق الفعلى بين الدول الاقليمية فى إطار محاربة الإرهاب والعنف والأنشطة الإجرامية.

وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا، أعلن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، عن تسرّب عناصر من المتطرفين من دولة النيجر أخيرًا، إلى الجنوب الغربي من ليبيا.

وأضاف سلامة، "وقعت عمليتان إرهابيتان كبيرتان في الجنوب الليبي، وتشير المعلومات إلى أن الذين قاموا بها هم من القادمين الجدد إلى الجنوب الليبي، وهذا مثار قلق لدينا"، دون تفاصيل إضافية.وتابع "بالنظر إلى صعوبة الوصول والتمركز بالنسبة إلينا في الأمم المتحدة في تلك البقعة الشاسعة في ليبيا، نود لفت الانتباه إلى خطورة الأمر".

وشن تنظيم "داعش"، مؤخرا هجوما عنيفا على مركز شرطة بواحة تازربو جنوب شرق ليبيا، مساء الجمعة الماضي، مما أسفر عن مقتل وجرح عدد من المدنيينوالأمنيين وخطف آخرين.وأعلن التنظيم المتشدد مسؤوليته في بيان عبر وكالة أعماق للأنباء التابعة له وقال إن 29 شخصا إما قتلوا وإما أصيبوا في الهجوم الذي وقع الجمعة.

وكثّف التنظيم الإرهابي من هجماته على جنوب ليبيا، الذي يعاني حالة غير مسبوقة من الفوضى والتهميش، بسبب الانقسامات السياسية والصراعات القبلية على النفوذ والمصالح.ويقول مراقبون إن داعش حوّل وجهته نحو جنوب ليبيا مع هزائمه في شرق البلاد وغربها، وفي كل من سوريا والعراق على وقع الضربات التي يتلقاها هناك.

وتعانى مدن الجنوب الليبى، من انتشار جماعات التطرف والعصابات التشادية التى تسيطر على عدد من مدن الجنوب الليبى، وسط غياب شبه كامل للمؤسسات العسكرية والأمنية الليبية التى تركز على مناطق شرق وغرب ليبيا، وهو ما يهدد أمن واستقرار المنطقة الجنوبية التى تمثل أحد أهم المناطق الاستراتيجية فى البلاد.

كما تتنافس الدول الغربية على النفوذ فى مدن الجنوب الليبى التى تتمركز بها غالبية ثروات الشعب الليبى وخاصة اليورانيوم والذهب والغاز، فضلا عن الموقع الجغرافى المتميز لتلك المدن والتى تعد بوابة الدخول إلى دول الساحل والصحراء.

توحيد الجيش

كما رحب جدد الوزراء بكل المبادرات التى تمت لجمع القيادات الليبية المدنية والعسكرية من أجل تحقيق الوحدة الوطنية وإيجاد مخرج للأزمة الليبية، بما فى ذلك جهود توحيد المؤسسة العسكرية.

انطلقت مشاورات واجتماعات عديدة حدثت في العاصمة المصرية القاهرة منذ حوالي السنة بين ضباط من القيادة العامة للجيش الليبي وضباط من غرب البلاد حول مسألة توحيد المؤسسة العسكرية، التي يعتبرها الكثيرون نقطة البداية للخروج من الأزمة الشائكة. 

وصرح المستشار أحمد حافظ، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أن وزير الخارجية سامح شكري، استعرض خلال كلمته أمام الاجتماع الوزاري الثاني عشر لآلية دول جوار ليبيا، تطورات المسار الذي ترعاه مصر لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، بهدف توفير دعامة أمنية لا غنى عنها للعملية السياسية وضمانة لتنفيذ مخرجاتها بما في ذلك خلق الظروف المهيئة لعقد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في ليبيا، وبما يسمح بتفرغ الجيش الوطني الليبي للقيام بدوره الأصلي في الحفاظ على أمن البلاد ومكافحة الإرهاب.

وفي هذا السياق، أبرز شكري، أن مصر قد استضافت منذ يونيو 2017 ست جولات للحوار بين العسكريين الليبيين الذين يمثلون مختلف مناطق ليبيا، وتم التوصل إلى عدد من الوثائق التفصيلية ولم يتبق سوى التوقيع عليها واعتمادها من قبل القيادات الليبية.

كما أعرب وزير الخارجية، عن ثقته بأن مشروع توحيد الجيش الليبي، والذي يحظى بتوافق الأطراف الليبية والدعم الأممي باعتباره جهداً وطنياً ليبياً خالصاً، هو محل اهتمام وتأييد متواصل من قبل دول الجوار؛ بما يسمح بالإسراع في تنفيذه، ويعود على دول وشعوب المنطقة بالخير والنفع والاستقرار.

ونجح العسكريون الليبيون فى الوصول لاتفاق حول كافة الملفات الخاصة بملف توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وذلك بعد عقد سلسلة اجتماعات ولقاءات احتضنتها القاهرة خلال أكثر من عام، وينتظر الليبيون التوقيع النهائى على الاتفاق وحسم الجدل حول منصب القائد الأعلى للجيش الليبى.

ويرى مراقبون أن الحل الوحيد للأزمة الليبية الراهنة يتمثل بتوحيد المؤسسات السيادية فى البلاد وخاصة مؤسسة الجيش الوطنى الليبى، موضحين أن أيا من الأطراف المتصارعة لن ينجح فى إبرام أية تحالفات مع قوى إقليمية أو دولية من دون توحيد المؤسسة العسكرية الليبية التى تحتاج إلى الكثير من الدعم والتأهيل والتدريب للوصول إلى درجة الاحترافية التى تمكنها من مكافحة الإرهاب.