حمم سياسية مرتقبة في بعض البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.. فعلى أبواب الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة في هذه الدول تتقلّص خيارات حكّامها بطرق أبواب القصور الرئاسية من جديد، جراء العقبات القانونية التي تطرحها بعض المواد الدستورية بشأن الحدّ من الولايات الرئاسية.
إنها ضرورة تفرضها القوانين، بيد أنّ حكام تلك الدول لا يزالون يناورون من أجل إقرار تحوير دستوري يجزم المراقبون بأنّه سيكون القنبلة الموقوتة التي ستنفجر في أيّ لحظة بوجه من سيتشبّث بالحكم في 2015، وفقا للمحلّل السياسي السنغالي سيرين عثمان باي.
وينطلق أستاذ جامعة داكار في تحليله اعتمادا على حقيقة أنّ “التعديلات الدستورية في بلدان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء تهدّد استقرار القارة بأسرها، لتنضاف بذلك إلى لائحة طويلة من الملفات الساخنة التي تعاني منها هذه المنطقة، مثل المواجهات الدامية ضدّ المتمرّدين الأوغنديين في الكونغو الديمقراطية، وتنامي المدّ الجهادي في الشمال المالي، وانتشار فيروس إيبولا القاتل في الجزء الغربي للقارة السوداء”.
وأضاف باي أن “ما حدث في بوركينا فاسو أواخر أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي، حين اضطرّ الرئيس البوركيني السابق بليز كمباوري للاستقالة تحت ضغط شعبي عارم، اندلع بسبب قرار الأخير تعديل المادة 37 من الدستور والتي تقف عقبة أمام ترشّحه لولاية رئاسية ثالثة، كان بمثابة الرجّة التي زلزلت الأرض تحت أقدام جميع حكام بلدان المنطقة الذين كانوا يواجهون العقبة ذاتها”.
وتابع “أمّا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فما تزال غيوم عدم اليقين تلبّد سماء هذا البلد فيما يتعلّق برئاسيات العام 2016، رغم تأكيد المتحدّث باسم الحكومة الكونغولية (لمبارت موندي) في التاسع من مارس (آذار) 2014 على أنّ انتقال السلطة سيكون بطريقة متحضرة من رئيس مغادر إلى آخر قادم”.
ومضى بالقول “غير أنّ الكونغو لا تزال تخشى تعديلا دستوريا من شأنه أن يبتر ذلك الحاجز الذي يمنع ترشّح الرئيس الحالي، أو تأخيرا في موعد الانتخابات، وكلّ السيناريوهات تبقى واردة بما في ذلك إلغاء العمل بالنصّ الدستوري المحدّد للدورات الرئاسية لفترة مؤقتة”.
“الدوامة ذاتها تعيش على وقعها الكونغو برازافيل، فالمادة 57 من الدستور تقصي الرئيس الكونغولي الحالي دينيس ساسو نغيسو من لائحة المترشّحين لرئاسية العام 2016.. والأمر سيّان في بوروندي حيث ترتفع، منذ فترة، أصابع الاتّهام بوجه الرئيس بيير نكورونزيزا، بمحاولة التمرّد على الدستور الذي يحدّ الولايات الرئاسية في بوروندي باثنتين، والترشّح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها هذا العام”، بحسب باي.
وقال المحلّل السياسي السنغالي إن “قنبلة أخرى قد تنفجر بين لحظة وأخرى في توغو، فدستور البلاد تضمّن تحديدا للفترات الرئاسية، وذلك بمقتضى استفتاء أجري العام 1992، غير أنّه تمّ التراجع عن ذلك عقب إقرار تعديل دستوري من قبل البرلمان سنة 2002 يقضي بإلغاء ذلك التحديد”.
وتابع أنه “في فبراير (شباط) 2009، أنشأت السلطات التوغولية الإطار الدائم للحوار والتشاور وهو هيكل يعنى بالنظر في الإصلاحات المؤسّساتية، والتي اقترحت في سنة 2011 تعديلا دستوريا يقضي بتحديد الفترات الرئاسية بولايتين فقط، مع تجريد القاعدة القانونية الجديدة من أثرها الرجعي، وهذا ما يفسح المجال واسعا أمام فور غناسينبي المنتخب تباعا سنتي 2005 و2010 للترشّح لولاية ثالثة ورابعة في 2015 و2020″.
وعن بنين، قال المحلّل السنغالي “تعهّد الرئيس بوني يايي إبّان فوزه في الانتخابات الرئاسية لسنة 2011 بعدم المساس بالدستور من أجل الحصول على ولاية ثالثة، ما يعني أنّ عليه الرحيل بحلول مارس (آذار) 2016 موعد الانتخابات الرئاسية القادمة ما يعني أنّ عدم الإيفاء بوعده، ومحاولة تعديل الدستور قد يلقيان به تحت وطأة غضب شعبي يستمدّ نقاط قوته بالأساس من نجاح الانتفاضة البوركينية”.
وقال عثمان باي، “في فجر القرن الحادي والعشرين، اكتسبت الشعوب الأفريقية نوعا من الوعي أو النضج بفضل تقنيات التواصل الحديثة، وظهور منظمات ناشطة في المجتمع المدني ومعارضة تموقعت بقوة على المشهد السياسي في بلدان جنوب الصحراء”.
وتابع “جملة من العوامل كان لابدّ أن تحظر استعباد الشعوب، وأن تشكّل درسا لرؤساء بلدان هذه المنطقة، والاتعاظ، على وجه الخصوص، من الثورات العربية.. عكس ذلك، قد تنفجر تلك القنابل الموقوتة في أيدي الحكام، تماما كما حصل في بوركينا فاسو”.
وتوصل المحلل السنغالي إلى أنه “في حال تشبّث حكام البلدان المذكورة آنفا بالحكم رغم الحواجز الدستورية، فمن المنتظر أن تنهال الحمم من تلك المنطقة في اتجاه القصور الرئاسية، مندّدة بعدم احترام إرادة الشعوب، والمواثيق العليا للبلدان، وستكون ردّا على طموح مبالغ فيه بالاحتفاظ بمقاليد الحكم مدى الحياة”.
وختم بالقول “من أجل إبقاء هذه المنطقة الأفريقية بمنأى عن الفوضى يجب اتّخاذ مبادرات جريئة لمنع وتذكير رؤساء الدول المعنية بضرورة الالتزام بمقتضيات دساتير بلدانهم، بدل القيام بخطوات قد لا يمنحهم التاريخ الوقت ولا المجال لرأب الصدع الذي قد تلحقه بمنطقة بأسرها”.