عادة ما يكون لدور التكنولوجيا والإنترنت نصيب وافر في أي حديث عن التعليم في الوقت الراهن، لكن مجرد تشغيل الحواسب يُعد أمراً صعباً في مناطق كدول جنوب الصحراء في القارة الأفريقية.

ففي أوغندا لا تتوافر في معظم مدارس المناطق الريفية شبكات للكهرباء يمكن الاعتماد عليها أو مصدر آخر للطاقة، ما يحول دون مواكبة طلابها للسباق العالمي.

لذلك تحاول مؤسسة «مانديليو» التعليمية الخيرية التعامل مباشرة مع المشكلة، والاستفادة من أشعة الشمس القوية المتوافرة أغلب العام حتى في الطقس الغائم، لتوفير الطاقة الكهربية لفصول دراسية متنقلة باستخدام ألواح شمسية محمولة، وهو ما لا يعد حلاً جديداً تقنياً بقدر ما يعكس محاولة لعلاج فجوة التكنولوجيا الواسعة.

وتمتلك «مانديليو» سيارتين، تتوجه كلٌ منهما للمدارس النائية في رحلة تمر بطرقات متربة غير ممهدة، تعج بزحام القرويين ومركباتهم والماشية، وتحيطها الزراعات الخضراء، وتحمل كل عربة ألواحاً شمسية على السقف، وبداخلها إمكانات تسمح بإعداد فصل دراسي في الهواء الطلق؛ فتحمل معها خيمة ومقاعد قابلة للطي، وحواسب محمولة، وأسلاك، وجهاز مُوجِه «راوتر» للاتصال بشبكة الإنترنت، ما يكفي لدرس حاسب يستمر ساعات عدة.

وتزور كل عربة لمؤسسة «مانديليو» خمس مدارس أسبوعياً، وتصل خدماتها لنحو 2000 تلميذ، وبمجرد أن تتصل الحواسب المحمولة ببطاريات الطاقة الشمسية يتجه الأطفال للألعاب التعليمية تماماً كأقرانهم في أي مكان آخر من العالم.

وأشار المدرب المتعاون مع المشروع، جون والسيمبي، إلى أهمية دروس الحاسب في حصول الأطفال في المناطق الريفية مستقبلاً على فرص للعمل، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الحواسب المحمولة واللوحية في أوغندا، إلى جانب الكلفة العالية للاتصال بالإنترنت، رجح والسيمبي أن تنخفض أسعارها، وتتوافر بكلفة ميسورة كما هو الحال مع الهواتف المحمولة.

ويُعتبر الجانب المتعلق بدور دروس الحاسب في مستقبل الأطفال محورياً، خصوصاً مع احتمال انتقال نسبة غير قليلة منهم إلى المدن للحياة والبحث عن عمل، يُضاف إلى ذلك أهمية التعرف إلى مهارات استخدام الحواسب للحياة في مجتمع محلي يفتقر بشدة إليها.

واعتبرت المُؤسسة المشاركة في مشروع «مانديليو»، آسيا كاموكوما، أنه حين يُغادر الأطفال في أوغندا المدارس ويتجهون كشباب للبحث عن عمل، فسيتعين عليهم التنافس مع الناس من مختلف أنحاء العالم.

وقالت كاموكوما: «دون تمهيد ضروري لهذه الأجهزة سيكونون خائفين، لن يكون لديهم مكان ليبدؤوا»، مشيرة إلى أن «المؤسسة تُؤهل الجيل التالي ليعرف كيف يستخدم الحواسب».

وتُركز أهداف «مانديليو» على إنشاء خدمات حاسب إنتاجية توفر المعلومات الضرورية وتكمل النظام التعليمي القائم بما يدعم الاقتصاد المحلي.

وحلت المؤسسة، التي يعني اسمها «التقدم» باللغة السواحيلية، ضمن القائمة النهائية العام الماضي في مسابقة جوائز التعليم الدولية في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم «وايز»، التي تنظمها مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.

وأشارت كاموكوما إلى أن «أهمية الأمر لا تتوقف على طلاب المدارس في أوغندا والمدارس؛ فتساعد التكنولوجيا والإنترنت المجتمعات المحلية في تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير المعلومات حول أمور يعتبرها آخرون من قبيل المسلمات».

وتعمل مؤسسة «مانديليو» أيضاً على توفير معلومات زراعية على الإنترنت للمزارعين باللغات المحلية لتحسين مهاراتهم، وتلقى دعماً من منظمة «المعلومات الإلكترونية للمكتبات» غير الهادفة للربح، التي تتيح المعلومات الرقمية للبلدان النامية.

وتكتسب مبادرات «مانديليو» ومثيلاتها أهمية كبيرة لدورها في توفير المهارات لتعداد سكاني يتزايد بمعدل مذهل؛ فحين حصلت أوغندا على استقلالها عام 1962، بلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة، وتضاعف هذا الرقم أربع مرات ليصل إلى 34 مليون في عام 2012، ووفقاً للمعدل الحالي من النمو، يُتوقع تضاعف العدد أربع مرات مجدداً ليصل إلى 130 مليون نسمة بحلول عام 2050، ما يمكن تشبيهه بالتحول من تعداد بلد كسويسرا إلى تعداد المملكة المتحدة وفرنسا مجتمعين.

ويطرح عدد السكان أسئلة حول الفرص المتاحة لهم مستقبلاً في ضوء السمات العمرية للسكان ووضع التعليم؛ فتتجاوز أعداد من تقل أعمارهم عن 18 عاماً عدد البالغين في البلاد، كما يصل واحد من كل أربعة أطفال إلى المدرسة الثانوية، وتكتظ العاصمة كمبالا بالعائلات الشابة التي تسكن أكواخاً مؤقتة في محاولة لبدء حياتها.

وبشكل عام، يُسهِم وجود ملايين الأشخاص ممن يفتقرون إلى التعليم الجيد والمهارات اللازمة للعثور على فرص عمل ملائمة في تأثيرات واسعة في المجتمعات، تطول الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية والصحية ومناخ الاستقرار السياسي.

لذلك، لا يُعد حديث كاموكوما من مؤسسة «مانديليو» وأمثالها عن اضطرار الشباب المحلي للتنافس مع غيرهم ضمن «القرية العالمية» من قبيل البلاغة الخطابية، ومن الآن تتضح ملامح التأثيرات الخارجية، سواء في المصانع الصينية أو إعلانات الهواتف المحمولة أو قمصان الدوري الإنجليزي لكرة القدم، وتتنافس ثقافات متباينة في بلدٍ يحمل ملعبه الرياضي اسم زعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا، في حين سُمي أحد المساجد الرئيسة في العاصمة باسم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

ما يدفع البعض للاعتقاد أن تعامل الأطفال مع حواسبهم المحمولة، التي تعمل بالطاقة الشمسية، قد تمكنهم من أن يقرروا أفضل لمستقبلهم.