علاقة التنظيم المتطرّف بالمساجد يمكن وصفها بالغريبة أو المتناقضة فتارة يتمّ توظيفه كمنصّة لترويج الفكر الداعشي بهدف الإستقطاب و تارةً يتم تفجيره و ممارسة "الرذائل" داخل أسواره.

نشر موقع "الشروق" الجزائري الإخباري مقابلة مع أحد المسلحين التابعين لـ"لدولة الإسلامية"، والذي تم القبض عليه فى ليبيا، وروى للموقع الجزائري فظيعة من الفظائع الغير عادية والتي يقوم بها التنظيم مع أعضائه.

وتحدث الإرهابي الذي يبلغ من العمر 19 عاما، ويدعى " المسعود عبدالعظيم الشافي"، الذي شارك في 90 عملية للقضاء على أعداء "داعش"، عن عملية طباعة جوازات سفر مزورة والتحرش الجنسي والمضايقات التي يتعرضون لها من جانب قادتهم فى التنظيم الإرهابي.

واعترف المسعود بقتل الشيخ عبد السلام ضيف الله الحاسي، حيث قام بتلغيم سيارته بعد صلاة مشتركة في مسجد في بنغازي، وبرر فعلته بأنهم أجبروه على الإرهاب إما تحت تهديد السلاح، أو الاغتصاب الجنسي من قبل قادة المجموعة.

وأشار الإرهابي الشاب إلى أن قادة "داعش" أصبح لديهم عقيدة يستخدمونها ضد المقاتلين الشباب، وهي الشذوذ الجنسي، والذي أصبح مسموح لديهم.

وأوضح المسعود أنه، في يوم من الأيام، قرر الذهاب مع بعض أصدقائه المقاتلين، من العمر نفسه، إلى المسجد لقراءة القرآن. وعند دخول المسجد، فوجئنا داخل المسجد بوجود  جناح آخر للإمام، حيث كان يتواجد الإمام وعدد قليل من الزعماء الآخرين يقومون باغتصاب صبي صغير. ثم قام الإمام بتوجيه ألفاظ جنسية لمسعود وأصدقائه إذا قاموا باستخدام الكاميرا في هذا الجناح أو تصوير أي شئ. وعندما انتهت عملية اغتصاب الصبي الصغير، أبلغهم الإمام أنهم ينتمون قانونيا لهؤلاء الزعماء بناء على فتاوى "جهاد النكاح".

وقال الشاب الذي عانى من الاغتصاب أنه تعرض للتهديد إذا هرب أو لم ينفذ الأوامر، وسيتم نشر هذه التسجيلات على الإنترنت، مما سيصيبه بوصمة عار، ولذلك كان يتم إجباره دائما بقتل البشر وتلغيم السيارات.

وكان قد أصدر أئمة "داعش" في ليبيا فتاوى تجيز إقامة "الجنس والعلاقات الحميمة" مع الجهاديين الشباب، بسبب عدم وجود النساء لتلبية الحاجات الجنسية للجهاديين، بينما يقوم التنظيم في العراق بإعدام المثليين جنسيا عن طريق رميهم من فوق أسطح المنازل.

تفجير المساجد

تفخيخ المساجد بعبوات ناسفة لتفجيرها خلال أوقات الصلاة لإيقاع أكثر عدد ممكن من القتلى المدنيين، طريق جديد بدأ يسلكه الإرهابيون في مدينة بنغازي شرقي ليبيا خلال الفترة الأخيرة، في تطور نوعي وتحول خطير للهجمات الإرهابية التي باتت تستهدف الليبيين، خلّف تساؤلات كبيرة حول الجهة التي تقف وراءها.

فقد قتل شخص وأصيب 65 آخرون في شهر فبراير إثر تفجير وقع في مسجد "سعد بن عبادة" في منطقة "البركة" بمدينة بنغازي، بعد زرع عبوتين ناسفتين داخله، انفجرتا عند خروج المصلين من أداء صلاة الجمعة وخلفتا خسائر بشرية وأضرارا مادية بالمسجد.

وتأتي هذه الحادثة بعد نحو 3 أسابيع على تفجير استهدف مسجد "بيعة الرضوان" في منطقة "السلماني" في المدينة نفسها، بسيارتين مفخختين ليوقع 37 قتيلا من بينهم قائد أمني كبير في قوات الجيش الليبي، ويخلّف أكثر من ثمانين جريحا.

حوادث إرهابية متكررة داخل دور العبادة التي أضحت في مرمى نيران الإرهاب، في ظاهرة حديثة منذ بدء الإرهاب بليبيا، فسّرها الكاتب والمحلل السياسي فوزي الحداد، بـ "تنامي دوامة العنف التي تقف وراءها الجماعات الإرهابية خاصة بعد هزيمتها ببنغازي، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يمرّ دون تنفيذ أعمال انتقامية تعودت عليها هذه الجماعات".

وأوضح الحداد أن استهداف المدنيين "غاية هدفها استمرار حلقة الترويع والإعلان عن أن وجود الإرهابيين لم ينته بعد"، لافتا إلى أن "تصرفات بعض ضباط الجيش الذين يقلدون نفس أعمال القتل الإرهابية على متهمين بالإرهاب، زادت من حدة الاحتقان الداخلي والخارجي أيضا وجعلت هذه الجماعات تدبر أعمالا انتقامية ردّا على هذه التصرفات غير المسؤولة".

وخلص الحدّاد إلى أن "بنغازي تحتاج اليوم إلى زيادة الاهتمام بالأجهزة الأمنية، ورفدها بالخبرات والأدوات المعينة التي تكفل منع تكرار هذه العمليات خصوصا أنها باتت تستهدف الأبرياء الغافلين في مساجدهم وأسواقهم".

أما المحلل السياسي من مدينة بنغازي عبد العزيز الرواف، فرأى أن مسألة تفخيخ المساجد تعد "سمة إرهابية بامتياز في تاريخ الإرهاب بدول العالم"، ويستحضر في هذا الجانب، ما حدث بمصر عندما قتل حوالي 300 مصلٍ خلال عمل إرهابي على مسجد العريش شمال سيناء، محمّلا المسؤولية لما يحدث في مدينته بنغازي إلى "الخلايا الإرهابية الممولة من مخابرات خارجية والمدعومة من مليشيات موجودة في طرابلس ومصراتة"، خاصّة بعد أن "نظّف الجيش الليبي المدينة من العناصر الإرهابية وقضى على معسكراتها".

المسجد مجالا للتمدّد

أكد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة بدار الإفتاء المصرية أن مساجد ليبيا أضحت رهينة لدى تنظيم داعش لتتحول بدورها إلى أهم مورد تجنيدى للتنظيم فى ليبيا، وفى تقرير جديد بعنوان كيف استغل داعش المساجد فى ليبيا؟” أوضح المرصد كيف وظَّف التنظيم المساجد الليبية فى عملية التجنيد، فى مسعى منه للحصول على مزيد من المنتمين له خاصة داخل المدن الليبية التى خضعت تحت سيطرته، من أجل التمدد والتوسع بعد الخسائر التى تلقاها فى سوريا والعراق.

وأكدت الدراسة أنه منذ عمَّت الفوضى ليبيا واستحكمت سيطرة الجماعات المتطرفة على مناطق عدة هناك؛ شهد الكثير من المساجد عدة تغيرات سببها السيطرة التى خضعت لها من قِبل هذه الجماعات، ومن ذلك السيطرة على عقول الشباب عبر الخطب والدروس التى تقدم فى المساجد، موضحة أن قيام العوام بالخلط ما بين العامل والإمام الهاوى والإمام الكفء كان من أسباب تمدد أفكار تنظيم داعش عبر المساجد.

وأشارت الدراسة إلى أن التنظيم عندما دخل إلى ليبيا عمل على التسهيلات التى قدمها له مناصروه للاستعانة بهم فى عملية تجنيد الشباب عبر المساجد خاصة فى مدينة درنة، حيث تعد درنة المعقل التاريخى لكافة الجماعات المتطرفة، وكانت تعتمد عليهم ليس فقط لتجنيد الشباب بهدف التمدد فى ليبيا بل لإرسالهم إلى سوريا، مشيرة إلى أن التنظيم كان قد عمل على استغلال الشباب أصحاب الوعى الفكرى الضعيف والمترددين على المساجد حيث عمل التنظيم على استهداف المواطنين البسطاء فى المدن الليبية عبر المساجد والزوايا والخلوات، وأصبحت منابر لتجنيد الأطفال والشباب والتدريب على العمليات القتالية وطرق الذبح وغيرها.

وذكرت الدراسة أن التنظيم استعان بالعناصر التى تم تجنيدها فى المساجد للقيام بالعمليات الانتحارية ضد أهداف محددة، موضحةً أن تفجير المرفأ النفطى الذى وقع فى عام 2016 بالعاصمة طرابلس، تم من خلال أحد المراهقين الذين تم تجنيدهم داخل إحدى المساجد.

وبينت الدراسة أن تنظيم داعش عندما سيطر على المدن الليبية قام بتوزيع المنشورات على الأهالى المترددين على المساجد التى تروج له ولأفكاره، مشيرة إلى أن التنظيم استخدم المساجد ليس فقط فى الدعاية والترويج لأفكاره بل فى عمليات القتل والاغتيالات والتعذيب ضد معارضيه.

ورصدت الدراسة شهادات لأشخاص حول استغلال تنظيم داعش للمساجد فى المدن الليبية، حيث أفصحت إحدى الليبيات عن تجربة أبنائها مع التنظيم عبر أحد المساجد هناك، فقد تعرض ابنها إلى محاولة التجنيد من قِبل تنظيم داعش عبر المسجد والخطب والدروس التى أقامها نظام الحسبة، وذلك بعد أن قامت السيدة بإرسال أبنائها إلى المسجد من أجل حفظ القرآن الكريم خشية الانحراف والأمية، خصوصًا بعد توقف الدراسة فى مدينة درنة بسبب تردى الأوضاع الأمنية، إلا أن الأمر انتهى بانضمام أبنائها إلى التنظيم.