تتالى في تونس هذه الأيام ، والبلاد تستعد للاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة " الحرية والكرامة " حركات الاحتجاج الرافضة لسياسة حكومة الترويكا، التي تمسك بالحكم منذ أكثر من سنتين و تستعد للرحيل عنه شبه مطرودة ، حتى أن نسبة الراضين عن أداء الحكومة وعن الوضع بالبلاد تراجع الى مستويات دنيا بل أن نسبة الذين يحنون الى النظام السابق ارتفعت الى قرابة 36 بالمائة .

فلماذا ارتفع منسوب غضب التونسيين على حكم النهضة وما مصير هذا الحزب الإسلامي ، الذي ما انفك يقدم التنازلات تحت ضغط الشارع ، في وقت تراجع فيه حضور الإسلام السياسي في دول الربيع العربي ؟

ولفهم رد فعل التونسيين القوي ضد حكومتهم المنتخبة في 23 أكتوبر2011 يجب التأكيد أن هذا الانتخاب كان انتخابا عاطفيا من شعب مسلم رأى أن العهدين السابقين حاربا الإسلام عوض إقصاء الإسلاميين الذين كانوا يريدون الوصول الى السلطة بكل الطرق إضافة الى أن الناخبين ، الذين كانوا منتشين بالثورة ، تاهوا بين 100 حزب أو أكثر شاركت في الانتخابات فاختاروا الحزب الذي " يحاف الله " فيهم وفي ثورتهم ، وهو اختيار فيه عقاب للنظام السابق على استبداده وقمعه للإسلاميين .

خيبة أمل

وقبل أن تنهي حركة النهضة عامها الأول في الحكم اقتنع جزء مهم من التونسيين أنها تفتقد للخبرة وان جل سياساتها العامة كانت خاطئة وإنها ابتعدت عن أهداف الثورة وعن الوعود التي تعهدت بها قبيل انتخابها و لجأت الى حلول سهلة دفع  فيها المواطن الفاتورة باهضة بعد الترفيع في أسعار المواد المعيشية لتبلغ نسبة التضخم قرابة 10 بالمائة ولتتدهور القدرة الشرائية للتونسيين وتتوسع نسبة الفقر .

تردي الأوضاع المعيشية للتونسيين كشفتها نسبة مديونية العائلات التي ارتفعت لتضرب قرابة ثلث العائلات ، إذ بين أرقام البنك المركزي أن 700 ألف عائلة تونسية لديها قروض لدى البنوك و المؤسسات المالية بحجم تجاوز 13 مليار دينار لدى البنوك فقط ، والتي تعاني بدورها من أوضاع صعبة ومن ديون متعثرة .

وكشفت الأرقام الرسمية أن 50 بالمائة  من مداخيل الأسر تذهب الى تسديد الديون ، وأن البعض و نتيجة ارتفاع الأسعار سقطت في تسديد الديون بديون جديدة ، كما بينت الأرقام أن نسبة التداين لدى الموظفين بلغت 72 بالمائة ، وهو ما يعني أن التونسي أصبح لم يعد يقبل على القروض للكماليات أو الاستثمار في البناء و الرفع من مستوى عيش الأسرة بل لسد رمقها وتلبية حاجياتها الأساسية .

تفقير

ويتحدث الخبير الاقتصادي و المالي مراد حطاب عما جرى للتونسي بعد سنتي حكم النهضة فيقول إن مليونا و 900 ألف تونسي أي أكثر من 20 بالمائة من مجمع السكان ، يجدون صعوبة في الحصول على الغذاء الكافي وأن 570 ألف تونسي يعيشون حالات جوع لأنهم تحت عتبة الفقر.

وجاء قانون مالية 2014 ليدفع جزءا مهما من التونسيين الى الشوارع احتجاجا على سياسة تفقيره بالرفع من قيمة الضرائب الموظفة عليه و إحداث إتاوات جديدة أثقلت كاهله .

 ويخشى المراقبون من مزيد تفقير التونسيين خاصة وأن الأيام القادمة ستشهد زيادة في أسعار المحروقات ستنعكس على معاليم النقل إضافة الى الترفيع في معاليم الماء الصالح للشراب و الكهرباء .

وبرر الخبير مراد حطاب الزيادات المتكررة في الأسعار ولجوء الحكومة الى الرفع في الضرائب بكلفة الإرهاب الذي أكل 4 مليار دينار من قوت التونسي لم تكن مبرمجة في الميزانية .

صندوق الكرامة

عامل آخر ألّب التونسيين ضد حكومتهم يتمثل في تمريرها خلسة ل " صندوق الكرامة " لتعويض آلاف ضحايا الاستبداد ، وأغلبهم من أنصارها ، بعدما مكنت قواعدها من العمل في الوظيفة العمومية في إطار العفو التشريعي العام مع الحصول على الترقيات  في حين رفضت إنشاء صندوق لمساعدة المعطلين على الحصول على شغل وهو مطلب تقدمت به روابط الدفاع عن المعطلين بدعم من عديد مكونات المجتمع المدني .

ورغم سقطاتها المتعددة و استعدائها لعديد مكونات المجتمع المدني ، فان النهضة ستعود الى الحكم في المرتبة الأولى أو الثانية ، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي ، ويبدو أن خروجها من الحكم كانت اختيارا منها أيضا لتنقذ شعبيتها من مزيد الانحدار ، باعتبار أن كرسي يأكل صاحبه ، ولتمكن قواعدها من إعداد العدة للانتخابات القادمة معولة على آلاف من أنصارها التي عينتهم في أبرز مفاصل الدولة .