بينما بدأت الأوضاع تعود إلى طبيعتها في العاصمة الليبية طرابلس بعد سيطرة قوات مصراتة وحلفائها على المدينة ومطارها الدولي، علمت «الشرق الأوسط» أن الخلافات بدأت تظهر للسطح في صفوف هذه القوات التي أجبرت ميليشيات الزنتان وجيش القبائل المتحالف معها على الانسحاب من منطقة مطار طرابلس الدولي. وكشفت مصادر ليبية مطلعة النقاب، لـ«الشرق الأوسط»، عما وصفته بـ«حرب خفية» وتكالب للسيطرة على المقرات التي تركتها كتائب الصواعق والقعقاع في مدينة طرابلس، مشيرة إلى محاولة قوات «فجر ليبيا» ومصراتة السيطرة على كل المرافق السيادية داخل المدينة. وأضافت المصادر «يجري الآن طرد واحتلال المواقع التي يسيطر عليها ثوار طرابلس ممن لم يشاركوا أو تأخروا في الالتحاق بعملية فجر ليبيا، والكلمة الآن في غرب وجنوب ووسط طرابلس لقوة أبو سليم المتمثلة في عبد الغني الككلي (غنيوة)، وميليشيا صلاح البركي الإسلامي المتعاطف مع الجماعة الليبية المقاتلة بقيادة عبد الحكيم بلحاج، وطارق درمان أحد قادة المقاتلة وآمر كتيبة الإحسان التابعة لما يعرف بالحرس الوطني سابقا والمسؤول عليه خالد الشريف وكيل وزارة الدفاع المقال من منصبه». وتابعت «يأتي في المرتبة الثانية من حيث النفوذ والاستمتاع بالغنائم الفرقة الرابعة صلاح الميرغني في قصر بن غشير، وكتيبة شهداء بن عاشور وأمراؤها، وشهداء العاصمة وآمرها عادل جعبور وكتيبة السعداوي، وكل هؤلاء ولاؤهم لمصراتة ويسيرون بأمرها».

وروت المصادر لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل الخلافات السرية بين القوات المتحالفة مع مصراتة، مؤكدة أن خلافا نشب أول من أمس بين هؤلاء الأتباع، حيث كان طارق درمان وصلاح البركي يريدان الإعلان عن إشهار مجلس جديد يحمل اسم «مجلس شورى ثوار طرابلس»، على غرار ما حصل في بنغازي، لكن سرعان ما حصل الانقسام والتضارب الذي امتد للتشابك والسب، وتم إلغاء بيان كان من المزمع إذاعته. وأوضحت المصادر أن ثوار طرابلس وسوق الجمعة وتاجوراء، غير المنضوين تحت عملية «فجر ليبيا» من أول يوم، تم طردهم من المواقع التي احتلوها بعد خروج كتائب الزنتان، مشيرة إلى أن شائعات ترددت أمس حول رغبة مصراتة وأتباعها في السيطرة على ميناء طرابلس ومقر وزارة الصحة، مما أدى إلى تحرك قوات النواصي وسوق الجمعة ووسط طرابلس وتطويقها الميناء بالكامل، كما تم تشديد الحراسة على مقر وزارة الصحة لمنع اقتحامه. ونفى المكتب الإعلامي لعملية «فجر ليبيا» ما يشاع عن وجود اتفاق سري مع كتائب القعقاع والصواعق يقضي بانسحابهم من المطار حقنا للدماء. واعتبر المكتب في بيان لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الأكاذيب تستهدف التغطية معنويا أمام ما تبقى من عناصر هاتين الكتيبتين. كما نفى قيام قوات تابعة لمدينة مصراتة بالدخول لمخيم نازحي تاورغاء وإطلاق نار في الهواء وإرعاب النازحين.

وكانت غرفة عمليات «فجر ليبيا» قد وجهت أمس الدعوة لجميع المؤسسات التابعة للدولة خاصة العسكرية والأمنية، لضبط الأمن وإعادة الاستقرار وتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية للمواطن، وذلك بعد تحرير المنشآت والمؤسسات التي كانت مغتصبة من بقايا النظام السابق في العاصمة، مؤكدة استعدادها للمساهمة في توفير الأمن مع الجهات المختصة. وأوضحت الغرفة في بيان تلاه المتحدث باسمها أن تحرير المنشآت والمؤسسات في العاصمة طرابلس شارك فيه «ثوار فبراير» الشرفاء الذين قضوا على نظام الظلم والاستبداد الذي كان بؤرة خطيرة لدعم الإرهاب العالمي واستهداف الأمن والسلم الدوليين. وادعت الغرفة نبذها الإرهاب والتطرف وأنها لا تنتمي إلى أي تنظيمات متطرفة، وزعمت الاحترام الكامل للدستور والتداول السلمي على السلطة، وأن مناط الاعتراف بمجلس النواب هو احترامه للشرعية الدستورية ومقتضيات الديمقراطية، فلا شرعية لمن لا يلتزم بالشرعية الدستورية. ودعا البيان كل السفارات والبعثات الدبلوماسية لاستئناف أعمالهم، مع تعهد قوات وكتائب الثوار بتقديم الدعم والمساندة للجهات الأمنية المختصة في حماية الرعايا الأجانب وضمان أمنهم. وندد البيان بما قام به النواب المجتمعون في طبرق باتخاذهم قرارات غير شرعية واستدعائهم للتدخل الأجنبي ووصفهم للثوار الشرفاء بالجماعات الإرهابية، داعيا برناردينو دينوني، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بليبيا، للحضور إلى طرابلس للوقوف على حقائق الأمور ومجريات الأحداث في طرابلس عن قرب.

وكانت قيادات «فجر ليبيا» قد نفت تورط قواتها في عمليات نهب وسرقة وحرق بيوت، وقالت إن هذه المزاعم لغرض تشويه بطولاتها ونسبتها للإرهاب. وزعم المكتب الإعلامي لـ«فجر ليبيا» في بيان له أمس أن هناك مجموعات مارقة تنتحل سيارات «فجر ليبيا» وتدخل لمناطق غوط الشعال والحي الإسلامي والدريبي وتقوم بحرق بعض بيوت الآمنين المدنيين تحديدا من أبناء الزنتان. وطالب البيان كل سكان تلك المناطق وغيرها بأخذ كل التدابير الأمنية للقبض على هؤلاء وتسليمهم إلى أقرب وجود لقوات «فجر ليبيا» إلى حين تباشر مراكز الشرطة أعمالها. كما أكد المكتب الإعلامي لعملية «فجر ليبيا» أن قواتها ستباشر ما وصفه بحملة واسعة داخل العاصمة طرابلس للقبض على المجرمين الفارين من العدالة لينالوا عقابهم وفق قانون العقوبات الليبي. لكن الحكومة الانتقالية التي يقودها عبد الله الثني اتهمت في بيان رسمي ما يسمى بقوات «فجر ليبيا»، التي تضم مقاتلين من مصراتة، وحلفاءها من الجماعات المتطرفة، بالاعتداء مساء أول من أمس على منزل الثني بالعاصمة طرابلس والعبث بمحتوياته ومن ثم حرقه وطرد سكانه. وقالت الحكومة في البيان الذي بثه موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت إن هذه الميليشيات قامت أيضا باستهداف العديد من المنازل التي تخص عددا من الوزراء والمسؤولين ونشطاء المجتمع المدني والمواطنين بالسلب والحرق. وخرجت طرابلس بدرجة كبيرة من تحت سيطرة الحكومة المركزية، حيث يعمل المسؤولون الكبار من طبرق في أقصى الشرق التي انتقل إليها البرلمان الجديد هربا من العنف في طرابلس وبنغازي.

وكانت فصائل مسلحة من مدينة مصراتة الواقعة شرق طرابلس قد تمكنت من السيطرة قبل يومين على منطقة مطار العاصمة طرابلس وطردت فصيلا منافسا من مدينة الزنتان الغربية إلى خارج المطار الرئيس بعد شهر من القتال الذي عبر عن الانقسامات العميقة في البلاد. وقاتل أبناء الزنتان ومصراتة جنبا إلى جنب في 2011 للإطاحة بنظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي، لكن الخلافات اشتعلت بينهما بسبب التنافس على السلطة واستغلال الموارد النفطية لليبيا. من جهته، دعا تنظيم «أنصار الشريعة» المتطرف والموالي لتنظيم القاعدة، والذي تعتبره السلطات الليبية والولايات المتحدة بمثابة «جماعة إرهابية»، قوات «فجر ليبيا» التي تضم ميليشيات مصراتة وحلفاءها في الغرب الليبي، للانضمام إليها، مع تصاعد الفلتان الأمني وتعمق الخلافات بين الإسلاميين والتيار الوطني. وتابع في بيان أصدره أمس «أعلنوا أن قتالكم من أجل الشريعة الإسلامية لا من أجل الشرعية الديمقراطية حتى يجتمع الجميع تحت راية واحدة وتزداد قوة أهل الحق وتضعف قوة أهل الباطل». وتأتي دعوة تنظيم «أنصار الشريعة» إلى الإسلاميين بعد التقدم العسكري الذي أحرزته الميليشيات الإسلامية أمام ميليشيات الزنتان والتيار الوطني، وإعلانها السبت الماضي السيطرة على مطار طرابلس بعد معارك عنيفة. وبثت قناة النبأ المحلية المقربة من الإسلاميين صورا من قاعة في المطار وقد التهمها حريق ونحو عشر طائرات تخص شركات ليبية لحقتها أضرار بسبب المعارك.، في لقطات بدت وكأنها تؤكد سقوط المطار بين أيدي الإسلاميين.

 

الشرق الاوسط