في الثامن من يونيو الماضي خرج نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق في ندوة صحفية باهتة للحديث عن زيارة قام بها قبل يومين إلى روسيا. بملامح غاضبة وبحديث متوتر أعطى معيتيق الانطباع في ذلك الوقت أن هوّة ما حاصلة داخل تركيبة الرئاسي وأن الخلافات بدأت تنحو منحى مخالفا عمّا يراد تصويره للعموم. معيتيق كرر في أكثر من مرة خلال تلك الإفادة الصحفية المقتضبة أن السراج مرجع كل القرارات في "الدولة" عسكريا وسياسيا، لكن يبدو أن الكلام فُهم على عكس ما أريد له، حيث أن القصد أقرب إلى اتهام لرئيس المجلس الرئاسي بالتفرّد بالقرارات وهذا ما أثبتته الأيام بعد ذلك حيث دخلت العلاقة بين الطرفين حالة من التوتر غير مسبوقة.

خلافات معيتيق والسراج التي بدأت تخرج للواجهة في الفترة الأخيرة، محورها الفساد. نائب رئيس المجلس الرئاسي اختار التصعيد بعد سنوات الود في مؤشر ينذر بتصدع داخل الوفاق، حيث عبر عن مساندته المطلقة للتحركات الشعبية الغاضبة من سياسة السراج في الخدمات العامة وفي مكافحة الفساد، مذكرا إياه أنه ليس رئيس وزراء بل هو جزء من مجلس رئاسي وبصلاحيات محدودة ليس له الحق في التعسف عليها بمنطق الفردانية.

كما نبه معيتيق إلى خطر حرمان الناس من التظاهر السلمي ورفضهم للتجاوزات الحاصلة والصمت عليها. وقال معيتيق في رسالة موجهة إلى وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا، الذي يبدو أن علاقته به أيضا ليست جيّدة إن ”خروج المواطن للتعبير عن غضبه على أداء حكومته في بعض الملفات، أمر منطقي، حتى يخرج كل المسؤولين لتوضيح جوانب في الملفات التي يتولوها وما هي أسباب التقصير بشفافية“. كما طالبه بـ“اتخاذ ما يلزم لحماية المتظاهرين، وضمان عدم خروج المظاهرة عن أهدافها والحفاظ على الأمن العام“.

وفي الإطار ذاته أكد نائب رئيس المجلس الرئاسي الغاضب، أن على الجميع الاستعداد للمحاسبة في قضايا الفساد، معلنا استعداده أن يكون جزءا من الشخصيات المحاسبة. ودعا معيتيق في رسالة نشرها على صفحاته بالتواصل، الشعب الليبي إلى المطالبة بفتح “تحقيق في الأموال التي صرفت وأين صرفت وأوجه صرفها”، بطريقة شفافة أمام كل باحث عن الحقيقة.


المؤسسة الليبية للاستثمار... الخلافات المخفية


المؤسسة الليبية للاستثمار هي صندوق الأموال السيادية الليبية، أسست في العام 2006 خلال حكم العقيد الليبي الراحل ضمن مشروع استراتيجي، لكي تكون صمام أمان لاقتصاد البلاد ثم تمت إعادة هيكلتها بقانون جديد العام 2010. وهي تدير عددا من الاستثمارات الخارجية في مختلف المجالات.

المؤسسة اليوم هي جزء من التصدّع الذي بدأت ملامحه تخرج إلى العلن من حومة طرابلس، حيث يرفض معيتيق أن تكون القرارات حولها محصورة في رئيس المجلس فائز السراج، المغتر بموقعه، بل من الضروري أن يكون لكامل المجلس أحقية التداول حولها. ودعا معيتيق من سماها الجهات الرسمية وإدارة الشؤون القانونية إلى "عدم اعتماد أي خطاب أو قرار يحمل اسم المجلس الرئاسي إن لم يكن ناتجا عن اجتماع للمجلس ككل وليس أحد أعضائه أو رئيسه".

كما أكد معيتيق أن رئاسة مجلس أمناء مؤسسة الاستثمار وفق اتفاق الصخيرات هي لرئاسة مجلس الوزراء، حيث قال إنه “بمطالعة المادة الثالثة من القانون رقم (13) لسنة 2010م بشأن إنشاء المؤسسة الليبية للاستثمار التي نصت على تشكيلة مجلس الأمناء وقررت رئاسة هذا المجلس لأمين اللجنة الشعبية العامة سابقًا الذي هو رئيس الوزراء وفق المسمى الدستوري الوارد بالإعلان الدستوري، ورئيس مجلس الوزراء وفق اتفاق الصخيرات هو المجلس الرئاسي، وليس رئيس المجلس الرئاسي، الذي لا يمتلك وحده إلا اختصاصات محددة وحصرية”. هذا الحديث بالقدر الذي يحاول فيه معيتيق اللعب على خيط القانون والشرعيات بقدر ما هو "إعلان حرب" على خصم يعتبر مراقبون إنه بدأ يكسب نزعة التفرّد التي لن تكون تبعاتها مفيدة للمجلس وتهدد تماسكه مستقبلا.

وذكر نائب المجلس الرئاسي، بأن "رئاسة الأمناء تكون لمجلس رئاسة الوزراء، هذا المجلس الذي يختص باختصاصات رئيس الوزراء"، و“وفقًا للاتفاق السياسي يستوجب أن تكون رئاسة مجلس الأمناء للمؤسسة الليبية للاستثمار متمثلة في رئاسة مجلس الوزراء، المتكونة من رئيس ونواب ووزراء الدولة". والرسالة هنا أن الاختصاص يكون لكامل المجلس وليس لشخص السراج وصفته، وهذا عبر عنه أيضا النائب الثاني عبد السلام كاجمان.
 

الفساد... أكبر الملفات وأعقدها في ليبيا


ملف آخر في خلاف عضوي المجلس الرئاسي ويبدو الأكثر إشكالا في حكومة طرابلس التي تلحقها الاتهامات من جهات مختلفة، هو ملف الفساد. الفترة الأخيرة أصبح حديث الناس في الشارع الليبي. ربما كان في السابق موجودا ولكن مسكوتا عنه لاعتبارات مختلفة لعل أبرزها تخوف المواطن الذي تحاصره أسلحة المليشيات المخرطة في مظاهره والمنتفعة منه.

أن تتحدث عن الفساد في طرابلس، فذلك يعني أنك عرّضت نفسك للخطر بالنظر إلى من هم رموزه، لكن أن يخرج معيتيق وحتى غيره من كبار المسؤولين في الوفاق، فذلك يعني فتح الباب أمام الجميع للتظاهر والاحتجاج بسببه، باعتباره يمثل إلى جانب الأمن عائقا أمام انفراج الاقتصاد.
  

الصحوة الجديدة حول ملف الفساد سارعت بتحريك عدد من المسؤولين، وهذا اعتراف ضمني بأن الظاهرة موجودة، بدأها وزير الداخلية فتحي باشاغا الذي أكد أن وزارته ستبدأ حملة يكون على رأسها المسؤولون الكبار ولن يُستثنى أحد، وقد وقع اتفاقية مع لجنة غسيل الأموال ومع محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير

ومن بين مظاهر الفساد التي بدأت تخرج في الأيام الأخيرة، هو ما خلصت إليه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي أثبتت وجود 7000 عمل مزدوج في انتهاك صارخ للقوانين وفي صورة تعبّر عن عدم المسؤولي من المسؤولين في الدولة. كما أكدت الهيئة وجود الكثير من حالات تضارب المصالح في مستوى بعض المسؤوليات مركزيا ومحليا.

وأمام حالة الضغط الشعبي والخلافات الداخلية التي كشفها أحمد معيتيق خرج فائز السراج ليعلن بداية الحرب على الفساد، وبدأ العمل مع مسؤولي الأجهزة الرقابية والمحاسبية على عدد من الملفات التي تخص المال العام، معلنا "دعمه لهذه الأجهزة لإجراء عمليات التحقيق والتفتيش في جميع الملفات المتعلقة بالفساد وإهدار المال العام."

وفي مقابل ذلك خرجت أصوات من طرابلس تريد تخفيف الضغط على السراج معتبرة أن يعيش تحت الضغط ويتعرّض إلى حملات حول أدائه الحكومي. كما أن الاعتبارات المناطقية لها دور في الجدل الحاصل خاصة أن معيتيق رأس الخلاف اليوم مع السراج من مصراتة التي يُعتقد أنها أصبحت تفكر في توتيرالأجواء بهدف القيام بتغييرات على رأس المجلس الرئاسي.وفاق، فذلك يعني فتح الباب أمام الجميع للتظاهر والاحتجاج بسببه، باعتباره يمثل إلى جانب الأمن عائقا أمام انفراج الاقتصاد.