حال الأطباء في مصر يسوء يوما بعد أخر فبعد الدراسة لمدة 7 سنوات يصرف خلالها الطالب ألاف الجنيهات حتى يتخرج ويصبح طبيب ذو شأن كبير وصيت واسع، لكنه بعد تخرجه سرعان ما يكتشف الخدعة الكبرى وهو تعيينه في مكان مهجور يبعد ألاف الكيلو مترات عن سكنه ويتقاضى راتب شهري لا يتعدى مئات الجنيهات القليلة التي لا تكفي حتى أجرة مواصلاته اليومية، فيصبح الطبيب أمامه حل من اثنين أما أن يعمل بمستشفى استثماري وهذا ليس بالشيء السهل أو أن يهاجر إلى أي بلد عربي أو أجنبي حتى يستطيع تكوين نفسه وتحقيق حلم أهله بعدما صرفوا عليه مئات الآلاف ليصبح طبيبا مشهورا، ويقول الطبيب حسام الغمري لبوابة أفريقيا نيوز "نفسى أمشى من البلد من دلوقتي، حيث أنني أعمل في مجرد مركز لطب الأسرة، ويأتي لي كل يوم حوادث إطلاق نيران وجروح ولا أستطيع تقديم أي شيء لهم، حيث لا يوجد معي سوى سماعة وجهاز سكر من التبرعات"، كما أكد أن خريجي الطب هم "كبش فداء" لوزارة الصحة بعد التخرج لسد حاجاتها فى المحافظات، فمن جانب هم مجبرون على العمل حتى لا يضيع عليهم التعيين في الوزارة حتى يستطيع تسجيل رسالة الماجستير معها، وبالتالي تكون أقل تكلفة فأغلب الخريجين لا يستطيعون التكفل بنفقاتهم على حسابهم، ومن ناحية أخرى لا يستطيع أن يعمل دون أن يحصل عليها.

وأضاف حسام أنه لا يوجد أى خريج طب لا يفكر فى الهجرة، لكن يجب أن يستمر لمدة 6 أشهر حتى يستطيع الحصول على إجازة بدون مرتب، وهو يدرس حاليا الهجرة إلى كندا أو ألمانيا أو أستراليا، لأنه على الأقل عندما يتعب هناك سيستطيع تكوين مستقبله لكن هنا بالحوافز مرتبه لا يزيد عن 1100 جنيه، ويضيع نصفه على المواصلات والباقي على الأكل.

من المفترض أن يكون التكليف فترة اختيارية لخريجى كليات الطب وفقا للقرار 197 لعام 2012 الذي يعطى الطبيب الحق فى رفض التكليف، إلا أنه فى الوقت ذاته يجعله غير قادر على استكمال دراسته مع وزارة الصحة، حيث يصبح طبيبا حرا ينفق على استكمال دراسته المتخصصة بالكامل، وهو أمر لا يستطيع القيام به سوى عدد قليل من الخريجين، فيصبح قبوله إجباريا لعدم قدرة أغلبية الأطباء المادية على ذلك، لتتحول الفترة التي من المفترض أن يكتسب فيها الطبيب الخبرة العملية إلى كتلة من المواقف القاسية التى ينسى معها كل ما سبق، ولا يجد أمامه سوى عمل إداري بوحدة نائية بإمكانيات ضعيفة تجعل مهمتهم الطبية الوحيدة وصف أدوية برد وكحة و"سخونية" أو صرفها والتوقيع على حالات ولادة أو وفيات والتطعيم، أما غير ذلك فيحولها إلى أقرب مستشفى عام، عامان يرضى فيهما الطبيب بأي عمل خاص حتى ولو برواتب متدنية حتى لا ينسى ما تبقى من سنوات الدراسة فى ذاكرته.

والطبيب مجبر على الغربة وألا يرى أسرته إلا مرتين شهريا، وأكد حسام أن الوزارة لا تعطيه مقابل ذلك، وبالتالي أغلب أطباء التكليف يبحثون عن "النيابة الملحة" التي تعرضها الوزارة حتى ولو كانت فى تخصص لا يريده، وألا يبقى سجين الأمور الإدارية التي أودت بصديقه الدكتور الشاب إلى النيابة بسبب عجز فى جرد الصيدلية التي من المفترض أنه مسئول عنها، وهو أمر يستغربه حسام قائلا: "نحن نعمل فى الوحدة كل حاجة، حتى إذا كان معنا عدد كبير من الموظفين الذين كل دورهم إنهم يجلسوا فى الوحدة حتى مواعيد العمل الرسمية ثم الرحيل".وأنهى حسام كلامه قائلا أن الهجرة أو الإعارة هي حلم كل خريجي كلية الطب في مصر حتى يجدوا مستقبلا لهم بدلا من أن ينتهي بهم الحال مثله وأن يظلوا عمرهم كله في وحدة صحية في منطقة نائية ينسى فيها كل ما درسه بالجامعة.