تشهد العاصمة الليبية طرابلس وقف إطلاق نار حذر بين الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق،وذلك تجاوبا مع مبادرة جديدة لانهاء الصراع الليبي.

لكن تطورات ميدانية قد تعكس هشاشة الهدنة، لا سيما وأن حكومة الوفاق لا تمتلك أي سلطة على المليشيات المسلحة، التي قد تحاول استغلال الهدنة لشن هجمات من شأنها إعادة الوضع الى ما كان عليه.

وأعلن الجيش الوطني الليبي، عبر الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، أحمد المسماري، السبت 11 يناير 2019، وقف إطلاق النار في المنطقة الغربية اعتبارًا من منتصف ليل السبت الأحد، شريطة التزام الطرف الآخر  بالهدنة، متعهدًا بأن الرد سيكون قاسيًا على أي خرق لهذه الهدنة.




وأعطى الجيش الليبي فرصة للجهود الدولية الرامية إلى إيجاد حل للأزمة الليبية،حيث تزامن اعلانه وقف اطلاق النار مع تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أعربا خلالها عن أملهما باحتواء التصعيد قريبا في ليبيا مع عقد مؤتمر برلين للسلام الذي ترعاه الأمم المتحدة.

وقالت ميركل في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو السبت "نأمل في نجاح الجهود المشتركة لروسيا وتركيا وسنرسل قريبا دعوات لمؤتمر في برلين.وأكدت ميركل على أن المحادثات ستقودها الأمم المتحدة إذا عقد الاجتماع في برلين وأنه سيتعين على الأطراف المتحاربة في ليبيا القيام بدور كبير للمساعدة في التوصل إلى حل.

ومن جهته عبر بوتين عن دعمه لهذه الخطوة قائلا إنها فكرة "صائبة" وضرورية لإنهاء الصراع في ليبيا.وجاء لقاء فلاديمير بوتين والمستشارة أنجيلا ميركل بعد أيام قليلة من دعوة أطلقتها كل من تركيا وروسيا للأطراف المتصارعة في ليبيا بضرورة إعلان وقف إطلاق النار الأحد 12 يناير/كانون الثاني الجاري.

وبالرغم من الترحيب الذي لاقته الهدنة من عدة أطراف محليا ودوليا فان المخاوف من تجدد القتال تواصلت خاصة في ظل التطورات الميدانية.فلم تمضي على اعلان الجيش الليبي وقف اطلاق النار حتي تجددت هجمات المليشيات في أكثر من محور بكل أنواع الأسلحة بما فيه المدفعية، ودارت اشتباكات عنيفة بالقرب من خزانات النفط بطريق المطار، ومحور صلاح الدين جنوبي طرابلس، وكذلك في منطقتي عين زارة والزطارنة جنوب العاصمة.

وقال آمر عمليات المنطقة الغربية بالجيش الوطني الليبي المبروك الغزوي أن "الميليشيات قامت بخرق الهدنة في أكثر من محور بكل أنواع الأسلحة بما فيها المدفعية ونحن ما زلنا ملتزمين بالبلاغ الصادر لنا قبل منتصف الليلة من القيادة العامة لغرفة المنطقة الغربية وننتظر أي تعليمات جديدة منها".

وأعلنت الكتيبة 128 مشاة التابعة للجيش الليبي، الأحد 12 يناير، إسقاط طائرة تركية مسيرة في جنوب طرابلس.




وقالت الكتيبة عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "إن الطائرة كانت تحمل قذائف الهاون، مما يعد اختراقا للهدنة، وتم اسقاطها من قبل سرية الشهيد عبدالله العتيري التابعة للكتيبة 128 مشاة"، بحسب قولها.

وقال النقيب سالم الجدايمي، من سرية الدفاع الجوي التابعة لعمليات المنطقة الغربية والمتمركزة جنوب العاصمة، إن "الطائرة التي أسقطت كانت مزودة بقذائف هاون".

ونقل موقع "ارم نيوز" عن الجدايمي تاكيده أن "الطائرة من الحجم الصغير الذي يستعمل عادة في أعمال الاستطلاع، غير أنه تم تحويرها لتحمل قذائف هاون".

وتنخرط تركيا في الصراع الليبي عبر قواتها في المعارك الدائرة في طرابلس بعد قرار أردوغان والبرلمان التركي دعم حكومة الوفاق التي يقودها فايز السراج.وتسعى أنقرة إلى تعزيز نفوذها في ليبيا واستمرار نهب ثروات البلاد عبر حلفائها.وتزيد التدخلات التركية في ليبيا في تأجيج النزاعا كما سيسهم هذا التدخل العسكري المباشر في اثارة التوترات الاقليمية وإطالة امد الحرب.

وفي مشهد آخر يعكس استمرار خرق الهدنة،قال المكتب الاعلامي للكتيبة 155 مشاة التابعة لقيادة الجيش الليبي العامة، إن "قوات الوفاق بمساندة مجموعة متشددة يقودها القيادي في تنظيم أنصار الشريعة زياد بلعم نفذت هجوما على قوات الجيش بمحور عين زارة مستعملة مدفعية متوسطة وقذائف الهاون العشوائي".

وأشار مكتب الإعلام في الكتيبة عبر صفحته الرسمية على "الفيسبوك" أن "هذا الاستهداف يأتي استغلالا لفرصة الهدنة لاستعادة مواقعهم التي فقدوها يوم السبت".وأوضح مكتب إعلام الكتيبه 155 مشاة أن "هذا الأمر يعد خرقًا واضحًا للهدنة"، مؤكدًا أن "الكتيبة لازالت ملتزمة بوقف النار حسب تعليمات القائد العام للقوات المسلحة".

وتزيد خروقات الهدنة من احراج حكومة الوفاق التي لا تملك أي سيطرة على المجموعات الموالية لها وهو ما أكده رفض بعض القيادات التابعة لحكومة السراج الاستجابة للهدنة الا بشروط.وأكدت كتيبة المرسى بقيادة صلاح بادي،رفضها لأي هدنة أو وقف لإطلاق النار ما لم تخرج قوات الجيش الليبي من العاصمة وتعود إلى تمركزاتها قبل 4 إبريل الماضي.

وبدوره أعلن عبد المالك المدني، المتحدث الإعلامي باسم عملية بركان الغضب، التابعة لحكومة الوفاق، بأن قواتهم لن توقف إطلاق النار إلا بعد عودة قوات الجيش إلى مواقعها قبل الرابع من أبريل الماضي.وكتب المدني في تغريدة على حسابه بموقع تويتر جاء فيها:"لن نخذلكم كونوا واثقين في ذلك.. وبإذن الله سنحاربهم حتى نهايتهم ولن نرضى بوقف إطلاق النار إلا بعد عودة الغزاة إلى أماكنهم السابقة قبل 4/4.. والله.. لن نتخلى على الرجال".

ويبدو واضحا عجز حكومة الوفاق أمام سطوة المليشيات المتحكم الفعلي في السلطة في طرابلس وتأكد ذلك جليا من خلال بيانات رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج،المرتبكة ففي بيانه الأول رحب السراج بوقف إطلاق النار اعتبارا من يوم الأحد، مطالبا بالشروع فورا في إرسال اللجان العسكرية المقترحة من الطرفين لإعداد الإجراءات الكفيلة بوقف إطلاق النار تحت رعاية وإشراف الأمم المتحدة.لكن السراج وبعد ساعات أصدر بيانا ثانيا، أضاف فيه ضرورة انسحاب قوات الجيش إلى مواقعها قبل 4 أبريل الماضي.

 وأمام تواصل الخروقات طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، اليوم الأحد،في بيان لها، بعثة الأمم المتحدة لدعم في ليبيا، بالعمل على وضع آليات لمراقبة وقف إطلاق النار، وذلك لضمان الالتزام بتطبيقه على النحو الأمثل، وألا يستهينوا بهذه الخروقات، ويمنعوا حدوثها مجددا، وللحيلولة دونما انهيار إعلان وقف إطلاق النار وسط تبادل للاتهامات بخرقها.

ودعت اللجنة جميع أطراف النزاع باحترام إعلان وقف إطلاق النار والالتزام الكامل به،مشيرة الى أن وقف إطلاق النار والتهدئة يشكل عنصر أساسي لتوفير المساعدات الإنسانية الضرورية لأهالي المناطق المتضررة من الاشتباكات وتأمين ممرات إنسانية أمنة لإجلاء المدنيين العالقين بمناطق النزاع.

من جهتها أعلنت سفارات فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وبعثة الاتحاد الاوروبي لدى ليبيا، مساء اليوم الأحد، ضم صوتها إلى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في ترحيبها بقبول الأطراف في ليبيا وقف إطلاق النار يوم 12 يناير، والإعلان بأنّ كلاّ من حكومة الوفاق والقوات المسلحة الليبية ستوقفان عملياتهما العسكرية.

وحثت المجموعة في بيان مشترك، جميع الأطراف على اغتنام هذه الفرصة الهشة لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيسية التي تكمن وراء الصراع، قائلة "انطلاقًا من روح مؤتمر برلين، ما زلنا ملتزمين بسيادة ليبيا وسلامة تُرابها وأن تظلّ حرّة من التدخلات الخارجية غير المبرّرة. ونحن على استعداد لدعم الأطراف الليبية في تحقيق وقف طويل الأمد للأعمال العدائية وتسوية سياسية من شأنها أن تمكّن جميع الليبيين من التمتّع بمستقبل أكثر سلاما وازدهارا".

وكانت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا قد رحبت بإعلان وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية من قبل الأطراف في ليبيا.وقالت البعثة في بيان: إن "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ترحب بإعلان وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية من قبل الأطراف في ليبيا".وأضافت بعثة الأمم المتحدة في البيان: "مستعدون لتسخير كل الإمكانيات للمساعدة في إيجاد حل سلمي ونهائي للأزمة الليبية".

وتشهد العاصمة الليبية طرابلس منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق وذلك في أعقاب اطلاق الأول لعملية "طوفان الكرامة" العسكرية بهدف تحرير العاصمة من سطوة المليشيات والعناصر الارهابية.ويرى متابعون للشأن الليبي أن انهاء وجود المليشيات المسلحة يمثل ضرورة ملحة لانهاء الأزمة التي تعصف بليبيا منذ العام 2011 جراء التدخلات الخارجية التي اغتالت الأمن والاستقرار في هذا البلد.