في أحدث تقرير له بـ"The New York Review of Books" تحدّث الكاتب والخبير المختص في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي Frederic Wehrey فريديرك ويري، الذي  ترتكز أبحاثه على الحكم والصراع والأمن في ليبيا وشمال إفريقيا والخليج العربي، عن زيارته للمركز الوطني للأرصاد الجوية في ليبيا موضحا التأثيرات المناخية المحدقة بالبلاد.


في مكتب ضيق مضاء بالفلورسنت في طرابلس، يعمل مسؤول في منتصف العمر رفقة موظفيه على أهم بحث للأجيال القادمة من الليبيين. إنه مركز قيادة من نوع ما، شاشات كمبيوتر وامضة على المكاتب، وكابلات في كل مكان، وخرائط الأقمار الصناعية على الحائط.

 المعركة داخل هذا المركز،ليست ضد خصم عسكري، كالذي تفعله العديد من الجماعات المسلحة وداعميها السياسيين الذين يقاتلون من أجل السلطة والغنائم الاقتصادية في هذه الدولة الغنية بالنفط منذ الإطاحة بمعمر القذافي خلال ثورة 2011 المدعومة من حلف شمال الأطلسي. 

هذا هو المقر المؤقت للمركز الوطني للأرصاد الجوية في ليبيا، وهو مبنى "غريب" من الخرسانة المصبوبة على طريق قرجي، سمي على اسم قبطان بحري عثماني كلف أيضا ببناء مسجد مزخرف في المدينة القديمة القريبة. يستقبلني مدير المركز اللطيف والنحيف علي سالم الدين معتذرا عن المساحات الضيقة، لقد اضطر إلى الانتقال من جزء آخر من العاصمة بسبب اشتباكات الميليشيات العنيفة، وهي قصة نزوح قصري يعرفها الكثير من الليبيين جيدا.

المركز الوطني للأرصاد الجوية-الصفحة الرئيسية

ومع ذلك، يواصل على سالم الدنجال، مدير ادارة البحوث والدراسات بالمركز، وفريقه العمل بجد لمراقبة وتحليل وتوقع والإبلاغ عن مجموعة من البيانات المقلقة التي يختبرها معظم الليبيين بالفعل بشكل مباشر. فالبلاد تزداد سخونة، وجفافها أكثر حدة وطولا، وهطول الأمطار أكثر ندرة، وعواصف الرمال والتراب أكثر قوة وتواترا.

 وقد تجلت الظاهرة الأخيرة بشكل واضح في مارس وأفريل/أبريل، عندما هبت عاصفة ثلجية من الجسيمات الصحرواوية وغطت طرابلس والمنطقة المحيطة بها.  حيث أدى الضباب بلون "السلمون" إلى تعليق الرحلات الجوية من مطار المدينة. كما أثار تحذيرا من بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا بأن سلطات البلاد بحاجة إلى معالجة الآثار الحالية والوشيكة لتغير المناخ.

إنه تحذير لا يحتاج الدنجال، الذي كتب أطروحة دراساته العليا حول تغير المناخ، إلى تأكيده.  فلسنوات كان يتنبأ بالآثار المدمرة للاحترار العالمي البشري المنشأ على بلده الذي يعاني من الإجهاد المائي والذي يبلغ عدد سكانه ما يقارب سبعة ملايين نسمة. وهي الآثار التي ستتفاقم بسبب سنوات من الصراع والفساد وتدهور البنية التحتية والتدهور البيئي. 

ويرتفع متوسط درجة الحرارة السنوية في ليبيا، إلى جانب جنوب البحر الأبيض المتوسط بأكمله، بوتيرة أسرع من بقية العالم، ومن المتوقع أن يزيد درجتين مئويتين بحلول عام 2050. ويتناقص هطول الأمطار سنويا بمعدل سريع مماثل، في حين ترتفع مستويات سطح البحر على طول الساحل الليبي الطويل بما يصل إلى ثلاثة ملليمترات سنويا.


ففي بلد صحراوي حيث يقيم غالبية سكانه في قطعة ضيقة من الأراضي بالقرب من البحر، ستكون هذه التغييرات كارثية مع تأثير الحرارة والجفاف وانعدام الأمن الغذائي على المناطق الداخلية في ليبيا، فإن البنية التحتية للخدمات والصرف الصحي الضعيفة أساسا في المدن والمناطق الشمالية سوف تنهار في ظل تدفق الليبيين من المناطق النائية، للإنضمام إلى آلاف المواطنين النازحين بسبب الحرب. كذلك المياه الصالحة للشرب، التي يتم استغلال ثمانين في المائة منها من طبقات المياه الجوفية الأحفورية في عمق الصحراء بواسطة نظام من خطوط الأنابيب يسمى النهر الصناعي العظيم، سوف تتضاءل بسبب تبخر الخزانات المفتوحة والاستخراج غير المستدام.

ومع إرتفاع درجات الحرارة يأتي أيضا المزيد من الطلب على الكهرباء، مما سيدفع الشبكة المثقلة بالأعباء إلى نقطة الفشل المحتوم، مع عواقب تهدد الحياة على الصحة والأمن الغذائي. وفي الوقت نفسه، ستهب العواصف على أنظمة الصرف الرديئة، وستتعرض بعض المناطق الساحلية، مثل مدينة بنغازي الساحلية الشرقية، لأضرار بالغة وربما ستغمرها المياه.