منذ بث تنظيم داعش، منتصف الشهر الجاري، تسجيلا مصورا لذبحه 21 مسيحيا مصريا في ليبيا، ورد مصر في اليوم التالي بغارات جوية على ما قالت إنها أهداف للتنظيم بمدينة درنة شرقي البلاد، تتزايد المخاوف من تحول ليبيا إلى نقطة استقطاب استراتيجي للمقاتلين الأجانب الراغبين في الالتحاق بـ”الدولة الاسلامية”، مستغلين ما تعانيه البلاد منذ أربع سنوات من فوضى أمنية دموية، وتوافر عوامل لوجستية وجغرافية تسهل الانضمام لهذا الفرع من التنظيم، بحسب خبراء مغاربة استطلعت وكالة الأناضول آراءهم.

فبحسب الخبير الأمني الجزائري، علي زاوي، فإن “آلاف الجهاديين من منطقة المغرب العربي، الذين ينشطون ضمن الدولة الاسلامية بكل من العراق وسوريا من المحتمل أن يشكلوا خزانا كبيرا للتنظيم في حال قرروا التوجه إلى ليبيا، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على المنطقة”.
زاوي، وهو عسكري سابق، تابع بقوله للأناضول إن “هؤلاء الآلاف من المقاتلين يتوقع عودتهم في هجرة عكسية إلى ليبيا، التي أضحت أرضا خصبة لما يسمى الجهاد بسبب هشاشة الوضع الأمني والسياسي”.

وعما تدعو إليه بعض العواصم والأطراف من تدخل عسكري في ليبيا لمواجهة الجماعات المسلحة، ولا سيما “الدولة الاسلامية”، حذر الخبير الجزائري من أن “هذا التدخل سيكون أكبر محفز لعودة الجهاديين لدعم فرع الدولة الاسلامية في ليبيا، تحت غطاء مواجهة الحملات الصليبية كما يسمونها”.

وبشدة، تتخوف دول جوار ليبيا الستة، وهي الجزائر وتونس ومصر والسودان وتشاد والنيجر، من تضرر أمنها بالوضع في ليبيا. وخلال جلسة لمجلس الأمن، مساء الأربعاء الماضي، دعت مصر إلى رفع حظر تصدير السلاح عن حكومة عبد الله الثني، التي تعترف بها المؤسسات الدولية، وتتبع مجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق (شرق)، الذي قضت بحله المحكمة العليا في العاصمة طرابلس (غرب).

بينما دعت كل من الجزائر وتونس، خلال الجلسة، إلى دعم الحوار بين الفرقاء الليبيين لحل الأزمة سياسيا. وتتصارع حكومة الثني على السلطة في ليبيا مع حكومة عمر الحاسي، في طرابلس، المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام، وهو مجلس منتهية ولايته عاد للانعقاد.
ومضى زاوي قائلا إن “تقارير أممية تفيد بأن 150 جهاديا جزائرياً يقاتلون في صفوف الدولة الاسلامية بسوريا والعراق، لكن حصة الأسد للمقاتلين التونسيين والمغاربة والليبيين، حيث يتجاوز عددهم العشرة آلاف مقاتل في البلدين”.

واستدرك موضحا أن “عودة هؤلاء إلى ليبيا لا يشكل خطراً في مجال زيادة التوسع العددي للتنظيم فحسب، وإنما خطر هؤلاء أيضا من كونهم اكتسبوا خبرات كبيرة في القتال والتدريب، وهو ما يشكل خطراً كبيراً على منطقة المغرب العربي وأفريقيا عموماً”.

وحذر الخبير العسكري الجزائري من أن “توافر السلاح في ليبيا بكميات كبيرة وحدودها المفتوحة مع دول الساحل الأفريقي، التي تزحف نحوها جماعة بوكو حرام، يشكل خطراً كبيراً على القارة الأفريقية عموما، خاصة وأن احتمال التحالف بين التنظيمين، الدولة الاسلامية وبوكو حرام، يجعل المنطقة أخطر بؤرة إرهاب في العالم”.

وكان العقيد السابق في الجيش الجزائري، رمضان حملات، قال للأناضول في وقت سابق، إن “تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا ينتشر بسرعة كبيرة هناك على غرار ما حدث في سوريا والعراق خلال عامي 2013 و2014، مستغلا فرصة الصراع الداخلي، وأصبحت لديه طموحات أكبر في السيطرة على مناطق جديدة”.

حملات زاد بأن “الدولة الاسلامية عمل على تجنيد نحو 1000 جهادي جديد في ليبيا، منهم مهاجرون سريون أفارقة، باعتبار ليبيا منطقة عبور نحو الضفة الأخرى للبحر المتوسط باتجاه أوروبا”.

في الاتجاه نفسه سار عبد الرحمن مكاوي، الخبير المغربي في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، بقوله إن “الدولة الاسلامية يتجه إلى فتح جبهات مواجهة جديدة في حربه ضد التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بهف التخفيف من حدة المواجهة مع قوات التحالف داخل مراكز نفوذ التنظيم الأساسية في كل من العراق وسوريا”.

مكاوي رأى، في حديث مع وكالة الأناضول، أن “التحولات التي شهدتها موازين القوى العسكرية خلال الفترة الماضية في كل من العراق وسوريا، دفع الدولة الاسلامية إلى العمل على نقل معاره من الشرق الأوسط باتجاه الشمال الأفريقي، وخاصة الأراضي الليبية التي تعيش حالة كبيرة من الفوضى تقترب فيها الدولة من الانهيار والفشل”.

متحدثا عما اعتبرها “عوامل إستراتيجية”، تابع الخبير المغربي أن “ثمة عوامل تتوافر في ليبيا دفعت الدولة الاسلامية إلى دعوة مناصرين له من الشباب للتوجه إلى هذا البلد، بينها قرب ليبيا من الحدود الأوروبية الجنوبية، التي لا يفصلها عن ليبيا سوى البحر المتوسط، ومن الممكن العبور بين الضفتين بقوارب صغيرة وفي وقت لا يتجاوز بضعة ساعات.. كما تتوافر مساحات حدودية شاسعة لليبيا مع عدد من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ما يسمح لأفراد التنظيم بحرية حركة أكبر وبتمديد مناطق نفوذه”.

ورأى مكاوي أن “الدولة الاسلامية يعمدُ أيضا إلى فتح جبهة إضافية في حربه مع التحالف الدولي داخل بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وذلك عبر إعلانه عن تنسيق وتعاون وثيق مع جماعة بوكو حرام في نيجيريا، التي تخوض بدورها مواجهة مفتوحة مع عدة دول أفريقية، منها النيجر وتشاد والكاميرون”.

وللتوزيعة الديموغرافية وطبيعتها دور في تحديد أي مناطق ليبيا ربما تصبح أكثر جذبا للمقاتلين الأجانب، فبحسب رافع الطبيب، وهو أستاذ جامعي في جامعة منوبة بتونس العاصمة، فإن “بعض المناطق الليبية، التي تشهد خللا امنياً وخللا في النسيج الاجتماعي، مثل سرت وبعض مناطق الوسط مثل الجفرة والمناطق الخالية جنوب غربي ليبيا وبشكل أقل منطقة جفارة المحاذية لتونس، من المرجح أن تتحول إلى مراكز استقطاب لجماعة الدولة الاسلامية على خلاف المناطق المعروفة بالتمركز القبلي الكبير فيها وبتماسكها المجتمعي”.

الطبيب، وهو خبير في الشأن الليبي، مضى قائلا لوكالة الأناضول إن “ليبيا لطالما كانت منطقة عبور سواء من بلدان عربية أو أفريقية باتجاه أوروبا، وهي محطة لتَكوين الجماعات الإرهابية لتوفر عوامل لوجستية وعسكرية وأمنية، وحتى اقتصادي فيما يخص السيطرة على حقول النفط وموانئ التصدير وتشغيلها، ويوجد لدى الدولة الاسلامية مختصون ومهندسون للقيام بهذه المهام”.

وحذر من أنه “بعد تضييق الخناق على الدولة الاسلامية في كل من سوريا والعراق، وحالة التململ من قبل سكان هاتين الدولتين من وجود التنظيم في ظل التضييق والتعليمات الصارمة التي يفرضها عليهم، فضلا عن ضربات التحالف الدولي المكثفة، تدعو قيادة الدولة الاسلامية للتوجه إلى ليبيا لتكون معقلاً إضافيا ونقطة استقطاب استراتيجية للمقاتلين الراغبين في الانضمام إلى التنظيم من أفريقيا وبلدان المغرب العربي”.

هو الآخر، يرى الباحث التونسي في العلاقات الدولية، بشير الجويني، أن “ليبيا قد تصلح لأن تكون مركز استقطاب استراتيجي لالدولة الاسلامية في ظل ما تعيشه من ظروف وأزمات”.

موضحا، تابع الجويني بقوله، لوكالة الأناضول، إن “الدولة الاسلامية وأمثاله من التّنظيمات المسلحة تتغذى من حالة تفكك الدولة، ووجوده في ليبيا هو نتاج حالة التشرذم الموجود في البلاد وتضارب المصالح والصراعات الداخلية”.

ورأى أن “أن تسليط الضوء نحو ليبيا، وزيادة المخاوف من خطر الدولة الاسلامية، تحركه دوافع اقتصادية، فكما هو معروف فإن الاقتصاد هو عصب السياسة، وكل ما يجري في ليبيا تحركه مصالح اقتصادية، وإلا فبماذا نفسر يقظة المجموعة الدولية بحجة محاربة الارهاب، وهي تعرف جيّدا أن الإرهاب موجود في عديد البلدان، ومنها ليبيا منذ التسعينات” من القرن الماضي.

ومنتقدا دولا غربية، ختم الجويني بقوله إن “القوى الدولية دعمت عددا من الجَماعات المسلحة، التّي كان دورها الأساسي شن حروب بالوكالة في مناطق معينة، لتكبر طموحات هذه الجماعات بشكل أصبحت فيه تلك القوى غير قادرة على السيطرة عليها، ما أنهك أجهزة تلك القوى، إلا أنها بقيت هي الرابح الأكبر، سواء من صفقات بيع أسلحتها أو من استفادتها من تدني أسعار النفط”.