ألقت الأزمة السياسية في أوكرانيا –أحد أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم- بظلالها على أسواق الحبوب العالمية، حيث ارتفعت أسعار القمح أكثر من 15 بالمئة بعد الأزمة السياسية في أوكرانيا، وانفصال شبه جزيرة القرم عن اوكرانيا وانضمامها إلى روسيا من خلال الاستفتاء الذي أجرى الأسبوع الماضي ووافق فيه 96.6 بالمئة.

ومازالت هناك حالة من القلق والترقب في أسواق الحبوب العالمية انتظاراً لما ستسفر عنه الفترة المقبلة، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية والغرب رفضهم لنتائج استفتاء انفصال "القرم" وهو ما دفعهم للتهديد بفرض عقوبات على روسيا.

ارتفاع فاتورة الغذاء
تعتبر اوكرانيا مع روسيا وكازاخستان –دول البحر الأسود- من أكبر ثلاث دول مصدر للقمح والحبوب في العالم، حيث تمتلك الدول الثلاث حوالي 20 بالمئة من إجمالي صادرات القمح في العالم، مما ينذر بارتفاع كبير في أسعار القمح عالمياً بفعل الأزمة في أوكرانيا.

وخرجت تقارير دولية تؤكد ان فاتورة الغذاء العالمية سترتفع بسبب الأزمة الأوكرانية، وكدت تقارير منظمة "الفاو" – منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة- أن اسعار القمح والذرة ارتفعت من 19 إلى 25 بالمئة.

الأزمة السياسية في أوكرانيا أثرت سلباَ على سوق القمح العالمي وهذا التأثير لن يضر فقط الدول القريبة جغرافياً من أوكرانيا أو دول الاتحاد الاوروبي وحدها ولكنه سيلحق الضرر أيضاً بمصر باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم، وتعتمد على اوكرانيا وروسيا بشكل كبير جداً في استيراد القمح حيث تمتلكان 70 بالمئة من إجمالي الواردات المصرية من القمح.

تأثير كبير 
وعن تأثيرات الأزمة الأوكرانية على مصر وعلى إنتاج الخبز تحدث مصراوي إلى عدد من خبراء الاقتصاد لاستطلاع آرائهم في هذا الشان والتعرف على رؤيتهم للبدائل المتاحة أمام مصر في الفترة المقبلة:-

أوضح محمود العسقلاني المنسق العام لحركة مواطنون ضد الغلاء، أن مصر لا تعيش في جزيرة منعزلة عن العالم ولذلك فإن أي توتر يحدث في أي دولة بالعالم يمكن أن يؤثر على مصر سياسياً واقتصادياً، خاصة أن مصر تعتبر المعبر الرئيسي لحركة التجارة العالمية.

وأضاف "العسقلاني" في تصريحاته لمصراوي، أن واردات مصر من القمح قطعاً ستتأثر بشكل كبير بفعل الأزمة السياسية في أوكرانيا وقد يزداد الوضع سوءاً إذا تدخلت أمريكا بشكل يؤدي إلى اندلاع حرب في هذه المنطقة.

ولفت إلى أن اللواء محمد أبو شادي وزير التموين السابق، عمل خلال فترة تواجده في منصبه بالوزارة على تنويع مصادر استيراد القمح ولكن للأسف مازالت مصر تعتمد بشكل شبة كامل على القمح المستورد من أوكرانيا، وبالتالي ستتأثر إمدادات مصر بالقمح الوارد من أوكرانيا وروسيا بشكل واضح.

وتابع المنسق العام لحركة مواطنون ضد الغلاء "اتمنى ان تكون الحكومة قد اتخذت إجراءات سريعة لتقليل الضرر الذي قد يقع عليها في استيراد القمح، خاصة وان البلاد مقبلة على مواسم رمضان واعياد وتحتاج لزيادة مخزونها الاستراتيجي من القمح"، ولكنه أكد انه يشك في قدرات الدكتور خالد حنفي وزير التموين الحالي على تقليل الضرر الذي قد يقع على البلاد جراء هذه الأزمة.

وانتقد "العسقلاني" أداء وزير التموين الحالي، حيث يرى أن الوزير الدكتور خالد حنفي جاء لينفذ أجندة خاصة لصالح كبار التجار ولا يبالي بمصالح الشعب المصري وفقرائه، مشيراً إلى أن اسعار السلع زادت اليوم 40 بالمئة، وهو ما يؤكد أنه جاء في منصبه للحفاظ على مصالح التجار فقط - على حد قوله.

زيادة عجز الموازنة
ويرى الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي، أن الازمة السياسية في أوكرانيا سيكون لها تأثير سلبي واضح في الفترة المقبلة على الاقتصاد المصري، وذلك لأن مصر أكبر مستور للقمح في العالم وأغلب احتياجاتها توفرها من روسيا وأوكرانيا.

وأضاف في تصريحاته لمصراوي أن واردات مصر من روسيا وأوكرانيا لن تتضرر وحدها ولكن ستتأثر أيضاً واردات مصر من القمح الوارد من بعض دول الاتحاد الأوروبي لأن هذه الدول أيضاً قد تأثرت اقتصادياً بالفعل بالأزمة الأوكرانية الراهنة.

وكشف عبد العظيم أن شحنات القمح التي تصل مصر الآن تصل بالسعر القديم لأنها تعاقدات سابقة أجريت منذ فترة بالأسعار القديمة، أما الأسعار الجديدة سيتم تطبيقها في التعاقدات الجديدة أي أن مصر ستحصل في جميع الصفقات الجديدة من اوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي على القمح مرتفع السعر، مما يزيد من فاتورة الدعم الموجهة للخبز بما يثقل كاهل الموازنة العامة للدولة ويزيد عجز الموازنة.

وعن قدرة الموازنة العامة للدولة على تحمل هذه الزيادة في دعم الخبز، أكد الخبير الاقتصادي أن هذه الزيادة في الموازنة تكون في صورة ديون من خلال طرح الدولة لسندات الخزانة ونظراً لأن الدولة لن تستطيع تحريك أسعار الخبز في الوقت الراهن ولذلك ستستدين لتزيد ميزانية دعم الخبز في الموازنة لتبقي على الأسعار كما هي، متوقعاً ارتفاع أسعار الخبز في الأفران الخاصة.

البدائل المطروحة
أما بالنسبة للبدائل المطروحة أمام مصر لتفليل الضرر الذي سيقع عليها جراء ارتفاع اسعار القمح الوارد من أوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي، فيرى الدكتور حمدي عبد العظيم أن مصر بحاجة لتنويع مصادر استيراد القمح ويمكن اللجوء إلى الهند وبلغاريا والمجر كما أعلنت هيئة السلع التموينية في وقت سابق.

وأضاف أن مصر لابد أن تتجه للتوسع في الانتاج الزراعي من القمح وأن تستعين بسلالات جيدة لزيادة غلة الفدان، كما ان عليها أن تزيد أسعار التوريد لتشجيع الفلاحين على توريد القمح للدولة.

وكانت هيئة السلع التموينية قد اعلنت أنها تدرس استيراد القمح من الهند وبلغاريا والمجر، في إطار سياسة الهيئة لتنويع المصادر التي يتم الاستيراد منها لتفادى أى أزمات قد تطرأ فى الأسواق العالمية.

بينما صرح الدكتور خالد حنفي وزير التموين، بأن الأزمة الأوكرانية لن تؤثر على استيراد مصر للقمح وأنه تم تحويل التعاقدات مع أوكرانيا إلى مصادر أخرى بنفس الكميات والتكلفة بسبب الأحداث التي شهدتها أوكرانيا.

وأكد الوزير أن مخزون القمح في مصر يكفي حتى يونيو المقبل، وانه تم زيادة أسعار شراء القمح المحلي من الفلاحين لتشجيهم على التوريد.

* هبه محسن: