أكد الكاتب والأكاديمي السعودي علي العنزي في مقال نشر على موقع صحيفة الحياة اللندنية أنه منذ سقوط نظام القذافي عام 2011 أصبح في ليبيا  دولة رسمية و"دولة مليشيات مسلحة"، إذ بدأت هذه "المليشيات" تتقاتل في ما بينها، وتستعين الحكومة الليبية ببعضها لحفظ الأمن ومواجهة "مليشيات" أخرى، لذلك يبدو مستقبل الشعب الليبي في ظل هذه الأوضاع في غاية القتامة.وأوضح أن من هذا المنطلق لا بد من تحليل المشهد الليبي الحالي واستعراض أهم "المليشيات المسلحة" ودورها في الحياة السياسية الليبية، وأكد أنه بالنظر إلى خريطة "المليشيات" في ليبيا نجد أن هناك أكثر من 1500 جماعة مسلحة تختلف مسمياتها ما بين "كتائب" و"مليشيات" و"دروع " وغيرها، لكن أهمها وأكثرها قوة حوالى تسع جماعات مسلحة تتوزع في ليبيا كالآتي:

جماعات

أولا "درع ليبيا"، وهي تحالف "مليشيات" الزاوية ومصراتة، وقد استُعين بها في العاصمة بطلب من المؤتمر الوطني العام؛ لمواجهة ضغوط "مليشيات" الزنتان، ويتبع لها "غرفة عمليات ثوار ليبيا"، ثم كتائب مصراتة، وهي قوة عسكرية تنحدر من مدينة مصراتة الصحراوية، وأيضا "اللجنة الأمنية العليا" في شرق ليبيا، وتقوم بمهام مواجهة الزنتان في العاصمة طرابلس.

أما الرابعة فهي "مليشيات" الزنتان، وهي قوية عسكرياً، ويتبع لها لواء "القعقاع"، ثم جماعات سلفية اشترك العديد من مقاتليها في حرب أفغانستان والعراق مع تنظيم "القاعدة"، ومتهمة بقتل السفير الأمريكي في بنغازي، و"مليشيات" مؤيدة لنظام فيديرالي في برقة، وتطالب بحق الفيديرالية لشرق ليبيا.

وهناك أيضا "لواء شهداء 17 فبراير" في شرق ليبيا، ويمثل أكبر "ميليشيات" شرق ليبيا، ويتألف من 12 كتيبة على الأقل ويملك مجموعة كبيرة من الأسلحة ومراكز التدريب، ويتراوح أفراده بين 1500 و3500 فرد، ونفذت العديد من المهام الأمنية في شرق وجنوب ليبيا.

ثم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وعملية "كرامة" ليبيا، وهي قوات عسكرية من الجيش أيدت حفتر في محاربته "المليشيات" المسلحة، باسم "عملية الكرامة".

وأخيرا هناك "سرايا راف الله السحاتي"، كانت سابقاً كتيبة في لواء "شهداء 17 فبراير"، إذ تتقاسم هذه المجموعات النفوذ والقوة وحتى الثروة في ليبيا، وأصبحت تمثل دولة داخل دولة، بل أقوى من سلطة الدولة، على حد تعبير كاتب المقال.

تقسيم

وأوضح العنزي أن ليبيا تتكون تاريخياً من ثلاث مناطق؛ برقة في الشرق وفزان في الجنوب وطرابلس في الغرب، والمكون الرئيس لغالبية المجتمع الليبي هو القبيلة، حتى قام الملك السنوسي بتوحيد الأقاليم الثلاثة بمسمى المملكة الليبية.

وبين أنه منذ انهيار نظام القذافي وبروز "المليشيات" مكوناً رئيساً في الحياة السياسية الليبية، بدأت تطالب العديد من هذه "المليشيات" بالعودة إلى نظام الفيديرالية أو الانفصال، وقد ظهر انتشار "المليشيات" والمجموعات المسلحة وترعرعها، بسبب الإخفاق السياسي ومناخ عدم الثقة في أجهزة الدولة، لاسيما الأجهزة الأمنية التي كانت في نظر من شارك في الثورة أنها أداة للقمع في ظل النظام السابق، ويمكن أن تتحول هذه الأجهزة إلى القمع مرة أخرى بيد السلطة.

لذلك، يوضح الكاتب، رأت هذه المجموعات أن الاحتفاظ بالسلاح ضمان لها، أو استمرأت اللجوء إلى السلاح لضمان مصالحها ومنافعها، إضافة إلى المزايا المادية الكبيرة التي يتحصل عليها المنتسبون إلى هذه الجماعات المسلحة من الدولة، وهو ما جعل تخلي هذه المجموعات عن أسلحتها أمراً مستحيلاً، لاسيما في ظل وجود حكومة ضعيفة وهشة، علماً أن هذه "المليشيات" بدأت تتقاسم النفوذ في ما بينها، سواء في المدن أم في المصالح الاقتصادية الأخرى كالنفط والموانئ والمطارات، فمثلاً في العاصمة الليبية طرابلس، تتقاسم "مليشيات" مصراتة والزنتان النفوذ في ما بينهما، وقس على بقية أراضي ليبيا كلها.

"مليشيات"

وأوضح العنزي أن المحللين والمتابعين يرون أن الحكومات الانتقالية التي قامت غداة سقوط القذافي -بضعفها وعدم مقدرتها على السيطرة على مقدرات الدولة، وعلى هذه المليشيات، وكذلك عدم وجود مشروع سياسي انتقالي واضح لديها.

هذا إضافة إلى ضعف المؤسسة العسكرية، وصورتها أنها كانت حامية النظام- بجعل هذه "المليشيات" تظهر بمظهر المنقذ، وصورة الثائر على الظلم والاستبداد، فرفضت تسليم أسلحتها، وزاد من الطين بلة، أنها أصبحت "مشرعنة" من قبل الدولة، من خلال، الاستعانة رسمياً، بكثير من هذه الجماعات المسلحة أو الكتائب العسكرية من قبل وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية للحماية والأمن ، وأصبحت تتبع رسمياً لها.

 ويحصل أعضاء هذه الكتائب على رواتب من خزانة الدولة، إلا أنها لا تتقيد بأوامرها طوال الوقت ولم تنضوِ تحت لواء وزارتي الداخلية والدفاع، وكأنها أصبحت "مليشيات" رسمية من قبل الدولة الليبية.

وقال : لذلك يرى المواطن الليبي أن بعض هذه "المليشيات" تقدم خدمات تتعلق بحفظ الأمن والنظام في مناطقها، وتقوم مليشيا أخرى بالاستفادة من التجارة غير المشروعة كتهريب المخدرات، والاتجار بالبشر، وبيع النفط، وعمليات الخطف من أجل الابتزاز، وعمليات الاعتقال والسجن بشكل غير قانوني، أي أن هناك دولاً عدة في دولة، ناهيك أن بعض هذه "المليشيات" ترتبط بدول أو جماعات خارجية، والدولة في ليبيا لا حول لها ولا قوة، بل في الكثير من الأحيان يُعتدى على مؤسساتها ومسؤوليها من قبل هذه "المليشيات" المسلحة.

وبيّن أن حادثة احتجاز رئيس الوزراء السابق علي زيدان، واقتحام مقر المؤتمر الوطني العام مؤشرات على انفلات الأمن ونفوذ هذه المجموعات المسلحة.

قانون القوة

وأكد الكاتب أن صوت السلاح والفوضى و"المليشيات" المشرعنة في ليبيا الآن، أقوى وأكبر من صوت القانون والقضاء وكل أجهزة الدولة، لذلك وصل الوضع في ليبيا إلى نقطة في غاية الخطورة، خوفاً من الانزلاق إلى حرب أهلية وتقسيم البلد لتصل إلى "مرحلة الصوملة" وتتحول إلى دولة فاشلة ينعكس استقرارها سلباً على دول المنطقة، بل على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل، وتصبح خزاناً للمتطرفين والأسلحة والمقاتلين، ووجهة لمن يريد أن يذهب ويتدرب ويقاتل في أية مكان، وكأننا نرى صوملة لليبيا، وهو خطر يجب التحذير منه، بل أخطر لوجود ثروات وموارد في ليبيا.

وقال إن دول الجوار الليبي، لاسيما مصر والجزائر، يجب أن تلعب دوراً كبيراً وحاسماً، في استقرار ليبيا، وإبعاد شبح التقسيم وشبح الدولة الفاشلة عنها، فالتأثير المباشر للصوملة الليبية سيطول مصر والجزائر أولاً، ومن ثم ينتقل إلى بقية الدول العربية، لذلك لا بد للدول العربية من أن تتدخل بأي طريقة؛ لإنقاذ ليبيا بعد أن بدأت "الميليشيات" تعبث بها وتنخر في جسد الدولة، مهددة وجودها وكينونتها، على حد تعبيره.