فتح سقوط نظام الرئيس التونسي الاسبق،زين العابدين بن علي،شتاء العام 2011 ،الباب واسعا أمام التيار السلفي بكل مدارسه و فصائله للانخراط  في العمل العام و تصدر المشهد في البلاد بعد سنوات من العمل السري و القيود الامنية  التي فرضتها الدولة على التيار منذ نشأته نهاية سبعينات القرن الماضي في شكل تكتلات دعوية و تربوية صغيرة مستقلة او داخل حركات اسلامية أخرى كحركة النهضة ذات التوجهات الاخوانية أو حزب التحرير الاسلامي و حتى داخل جماعة الدعوة و التبليغ .

و كان لعودة"السلفيين" للنشاط أثر كبير على الساحة السياسية في تونس،فقد تصاعد الاستقطاب بينهم و بين بقية الفرقاء السياسيين ،خاصة مع التيارات "العلمانية ،اليسارية و القومية" و اتساع هوة التباين بينهم و عودة الجدل في قضايا ثقافية وفكرية متصلة بشكل الدولة و مسائل الاحوال الشخصية و التحديث و النظام المدني و الاسلامي و قضايا التعليم والمرأة،جدل تطور حتى وصل الى تصاعد خطاب"التكفير" و "الاغتيال السياسي" و تنامي تيارات العنف.

غير أن هذا الاستقطاب بين التيارات السلفية و خصومها من "العلمانيين" لا يعكس أبدا تجانسا داخل التيار السلفي ذاته ،بل ان "السلفيين التونسيين" يعيشون حالة مخاض كبرى في أعقاب "موجة الحرية العارمة" و اختلاف المنهاج بينهم في مسائل "التنظيم و المنهج الحركي "و خاصة في قضية "العنف و الجهاد و رفع السلاح في وجه الدولة " و "قتال الطائفة الممتنعة"و مسألة"العلاقة مع بقية الفصائل الاسلامية ،الاخوانية منها على وجه الخصوص"،اختلاف انعكس على الخارطة السلفية في البلاد والمتشكلة أساسا من ثلاثة فصائل كبرى :

السلفية العلمية

أحد فصائل التيار السلفي ،واسعة الانتشار بتونس ،وهي فصيل "لا عنفي" يحمل أطروحة دعوية وعضية بالأساس ويركز دعاتها على الجوانب الفقهية والعقائدية وطلب العلوم الشرعية وهم في ذلك متقيدون بالمراجع السلفية العلمية في الخارج كمصر و المملكة العربية السعودية . ظهر هذا التيار في نهاية الثمانينات و بداية تسعينات القرن الماضي بعد قدوم مجموعة من الطلبة التونسيين تخرجوا من الجامعة الإسلامية بالمدنية المنورة إلى تونس و نشروا "العقيدة السلفية " في صفوف وازداد انتشارهذا الفصيل بفضل الفضائيات "السلفية ،خاصة تلك التي كانت تبث من مصر" وشبكة الانترنت.

أما عن موقفهم من السلطة فان "السلفيون العلميون" في تونس يحرمون الخروج عن الحاكم،كما يحاولون الابتعاد على الاشتغال بالسياسة و الاقتصار على العمل التربوي و الاجتماعي من خلال "المدارس الدينية" و الجمعيات الاسلامية والجمعيات الخيرية و الاغاثية، اما موقفهم السياسي من السلطة القائمة اليوم فيغلب عليهم الموقف المؤيد لحركة النهضة الحاكمة، حتى إن أحد رموز هذا التيار, و هو الشيخ البشير بن حسن، قد كفر كل معارض لها في أحد خطبه المنبرية.

وهذا التيار منتشر تونس في أواسط الشباب خاصة  وله أتباع كثيرون ويطلق عليهم اختصارا "السلفيون" لكن ليسوا منظمين داخل جماعة أو حركة تنظيما هرميا متماسك مثل بقية فصائل الحركة الإسلامية كالنهضة أو حزب التحرير بل يغلب عليهم التفرق لمجموعات يتبع كل منها مسجدا أو جهة او تتحلق حول شيخ او طالب علم ،يكون عادة من الذين طلبوا العلم عن احد المراجع السلفية البارزة في المشرق.

و من أبرز قادة هذا التيار الشيخ بشير بن حسن و كمال بن محمد بن علي المرزوقي (أبو جهاد) و الذي حاز على تكوين شرعي على يد مجموعة من مشائخ السلفية في مصر و تكوين أكاديمي في جامع الازهر  وقد أصدر في الآونة الأخيرة العديد من البيانات على موقعه الالكتروني وأطلق "حملة الدفاع عن هوية تونس المسلمة" ضد ما أسماه "مطالبة بعض الأصوات بعلمنة الدولة وأحداث قطيعة دستورية مع الهوية الإسلامية للبلاد".

السلفية الحركية

يجمع الفصيل الحركي داخل التيار السلفي بتونس بين الاشتغال بالسياسة ،و ذلك على عكس السلفية العلمية،و بين تبني الفكر السلفي كاطار يحكم به تعاطيه مع الواقع السياسي و الاقتصادي و التربوي و الاجتماعي،أي انه يحاول ايجاد اطار سياسي حزبي/جماعي للفكرة السلفية القائمة على "الاسترشاد بالسلف عقيدة و منهجا".

و يرتبط هذا الفصيل السلفي التونسي تاريخيا بتيار "الصحوة الإسلامي" وهو التيار الذي برز بقوة خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين في المملكة العربية السعودية هذا التيار السلفي العقيدة الاخواني المنهج تبلورت أفكاره على يد الشيخ محمد سرور زين العابدين بن نايف الذي قدم من سورية إلى السعودية في منتصف ستينات القرن الماضي وعمل أستاذا في معهد بريدة العلمي بمنطقة القصيم بعد انسحابه من جماعة الإخوان المسلمين. وكان من رموز هذا التيار أنذاك، الشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي والشيخ ناصر العمر والشيخ محسن العواجي و الذين عرفوا فيما بعد بــ"السروريين" وقد امتدت السلفيـــة الحركية إلى عديد الدول العربية فتأسست الحركة السلفية بالكويت وفي مصر الحركة السلفية لإصلاح (حفص)والحركة السلفية في السودان ولبنان والجزائر.

و يعود تأسيس أول حركة سلفية في تونس الى العام 1988 تحت اسم "الجبهة الإسلامية التونسية" وترأسها يومها محمد خوجة ومحمد علي حراث وعبدالله الحاجي،و هي قريبة فكريا وسياسيا وتنظيميا من الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية المحظورة،و قد صنفتها وزارة الخارجية الامريكية كإحدى "المنظمات الإرهابية العالمية" متهمة اياها بدعم "الجماعة المسلحة الجزائرية"و قد تلاش الهيكل التنظيمي لهذه الحركة بعد هجرة أغلب قادتها الى المنفى و اعتقال البعض الاخر في تونس خلال عقد التسعينات بتهمة "الارهاب".

كما أعتقل أحد قادتها ،و هو عبد الله الحاجي سنة 2002من قبل الأمن الباكستاني في بيشاور و الذي سلمه للولايات المتحدة الأمريكية ليتم إيداعه بمعتقل غوانتنامو حيث قضى خمس سنوات تم ترحيله إلى تونس على متن طائرة عسكرية أمريكية في يونيو/حزيران 2007ليحاكم  أمام القضاء العسكري  وقد وجهت له تهمة "وضع النفس على ذمة منظمة إرهابية زمن السلم" وفقا لقانون الإجراءات والعقوبات العسكرية وقد سبق لهذه المحكمة أن أصدرت عليه حكما غيابيا بالسجن ثماني سنوات من أجل التهمة نفسها ولكن الحاجي أنكر خلال محاكمته انتمائه لــ"الجبهة الإسلامية التونسية".

بعد سقوط نظام الرئيس التونسي الاسبق،زين العابدين بن علي،في 14 يناير/كانون الثاني 2011 ،و التغير الجذي في الوضع السياسي للبلاد عاد"السلفيون الحركيون التونسيون" الى المشهد من خلال تأسيسي أحزاب سياسية تؤمن بــ"الدولة المدنية" و "الانتخابات" و "ارادة الشعب" ،بحسب برامجهم الحزبية و تصريحات قيادتهم في الاعلام ،و هذا يعتبر تحول جذري في الخطاب السلفي الحركي خاصة في الموقف من "الدولة المدنية و الديمقراطية"،مع المحافظة على مطالبهم التاريخية كــ"تضمين الشريعة في الدستور" و "نزعات أسلمة المجتمع في قطاعات التعليم و البنوك و الاوقاف و المسألة النسوية" ،حتى أن خبراء وصفوا الخطاب السلفي الحركي الجديد في تونس "بديمقراطية بطعم الشرعية"،تدعوا لها أحزاب منها :

حزب جبهة الإصلاح ، وهو أول حزب ذي مرجعية سلفية يحصل على ترخيص للعمل السياسي في تونس, ويُعرف الحزب نفسه بأنه "حزب سياسي أساسه الإسلام ومرجعه في الإصلاح القران والسنة بفهم سلف الأمة"، ويترأسه محمد خوجة،و تعتبر "جبهة الاصلاح السلفية" سليلة أو نسخة متطورة من "الجبهة الإسلامية التونسية" سالفة الذكر

حزب الرحمة،كان قد حصل على رخصة العمل القانوني في يوليو/تموز 2012 و يرأسه الشيخ سعيد الجزيري،ويعرف نفسه بأنه "حزب سياسي وطني إسلامي أساسه الرحمة والمودة والعدل والمساواة بين جميع أفراد الشعب حسب تعبيره مشيرا إلى أنّ الحزب مبني أساسا على شريعة الله ورسوله".

حزب الأصالة كان قد حصل على رخصة العمل القانوني في مارس/أذار 2012. و يعرف نفسه بأنه "حزب سياسي، مرجعه إسلامي، خطابه إسلامي ومشروعه إسلامي لا يتنافى مع المدنية" و يرأسه الشيخ مولدي علي المجاهد.

و على منوال نظيرتها المصرية، تعيش "السلفية الحركية" في تونس حالة هجرة نحو العمل السياسي بعد أن كانت ترفض في السابق الديمقراطية كفكر والانتخابات كمنهج ،و تبقى مواقف الأحزاب السفلية حتى الان متماهية تماما مع مواقف السلطة بقيادة حركة النهضة الاخوانية خاصة في الموقف من المعارضة العلمانية والمنظمات النقابية  مع اختلاف واضح في الموقف من تيارات العنف و الحل الامني.

السلفية الجهادية

يعتبر فصيل "السلفية الجهادية" الفصيل الأكثر جذرية داخل التيار السلفي من جميع القضايا السياسية والشرعية سواء تجاه بقية المكونات السياسية الغير إسلامية أو تجاه الأنظمة الحاكمة وحتى تجاه الحركات الإسلامية سلفية كانت أو من مدارس أخرى،وهذا ما ظهر جليا في الايام الاخيرة من خلال الصدام بين السلطة،ممثلة في حركة النهضة الاسلامية و تنظيم أنصار الشريعة ،ذي التوجهات السلفية الجهادية.

و تستمد "السلفية الجهادية في تونس" منهجها الفكري من مصادر مختلفة، فهي خليط بين تيارات إسلامية عديدة ، تأخذ من فكر سيد قطب في العديد من المسائل و خاصة "طروحاته الانقلابية الثورية" ومن أفكار السلفية العلمية في مسائل العقيدة والأمور الشرعية ومن فكر جماعة الإخوان المسلمين على المستوى الحركي ومن تكتيكات "تنظيم الجهاد المصري" ،ولكن هذا الفصيل  بدأ يبرز كتيار مستقل عن "السلفية التقليدية" بعد عودة "الافغان العرب" و تشكل مجموعة من الشباب التونسي ذي الخبرة القتالية اكتسبوها في معسكرات أفغنستان ابان الحرب ضد الاتحاد السوفياتي و في الحرب ضد الصرب في البوسنة بداية تسعينات القرن الماضي.

و يمكن الجزم بأن التيار الجهادي التونسي قد تشكل فعليا  في "معسكرات الأفغان العرب" ثم تطور في المنفى وفي شوط الجهاد الأفغاني الثاني مع الطالبانبعد الغزو الامريكي خريف العام 2001، و على الرغم من تواجدهم تحت حماية حركة طالبان إلا أن "الأفغان التونسيي"ن كان هدفهم العودة بتنظيمهم الجهادي  إلى تونس،بحسب ما ذكر أبو مصعب السوري القيادي في تنظيم القاعدة ،وقد ساعدوا طالبان في التخلص من خصمها القوي زعيم " تحالف الشمال" ، احمد شاه مسعود و الذي اغتيل على يد خلية جهادية تونسية قادمة من بلجيكا تحت غطاء صحفي أياما قليلة قبل الحرب الأمريكية على أفغانستان سنة 2001 إلا أن "أخدود سبتمبر" و ما تبعه لم يمهل الجهاديين  التونسيين  للعودة إلى تونس بل فرض عليهم القتال على قمم "طورا بورا" , هذه المعركة التي أتت على أكثرهم نظرا لقلة عددهم أصلا .

كما نفذ التيار الجهادي بعض العمليات الفردية خلال حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي,مثل عملية تفجير الكنيس اليهودي بواسطة سيارة مفخخة بجزيرة جربة جنوب شرق البلاد في أبريل/نيسان 2002و راح ضحيتها عدد من السياح الالمان ،والمواجهات مع الجيش التونسي بالضاحية الجنوبية نهاية العام 2006 و التي تعرف بـــ"أحداث سليمان" نفذها تنظيم سمى نفسه بــ"جند أسد بن الفرات" والتي راح ضحيتها عناصر من الجيش التونسي وأعقبتها حملة اعتقلات واسعة شملت المئات من الجهاديين ،كانت الاكبر في تاريخ البلاد.

بعد سقوط نظام الرئيس التونسي الاسبق،زين العابدين بن علي،في 14 يناير/كانون الثاني 2011 ، عاد "السلفيون الجهاديون" إلى تأثيث الخارطة السياسية في البلاد كلاعب لا يحتكم لقواعد اللعبة و لا يعترف بها أصلا بل و يكفر أصحابها فهم لا يعترفون بالديمقراطية التي تعبر في أدبياتهم "صنم العصر وإفراز من افرازات المجتمع الجاهلي" و لا يعترفون بالدساتير و لا بالقوانين فهي "طاغوت لا يجوز التحاكم إليه"،و  كان أول ظهور عملي لهذا التيار بعد الثورة في شهر مايو /أيار 2011 في ملتقي "أنصار الشريعة" الذي ضم اغلب الطيف الجهادي التونسي و الذي انتظم تحت شعار "اسمعوا منا و لا تسمعوا عنا " و أعقبته ندوة صحفية بجهة وادي الليل بحضور القيادات الجهادية التونسية كسيف الله بن حسين،المكنى بأبي  عياض، و أبو أيوب التونسي احد القيادات الشابة إلى جانب القيادة الشرعية ، الشيخ الخطيب الإدريسي السجين السابق على خلفية أحداث الضاحية الجنوبية و قد رفض أصحاب الملتقي التقدم بطلب رخصة العمل القانوني معتبرين أنهم لن "يطلبوا التأشيرة إلا من الله" .

من بين من حضروا المؤتمر وادي الليل الصحفي برز  أبو عياض التونسي ليكون الاسم ترددا من بين قيادات التنظيم الى الحد الذي دفع البعض الى اعتباره اميرا للسلفية الجهادية في تونس. وابو عياض  اسمه الحقيقي  سيف الله بن حسين ولد في تونس العاصمة  سنة 1965، انتمى إلى الحركة الإسلامية التونسية في ثمانينات القرن الماضي،خرج من تونس سنة 1991 بعد انطلاق الحملة الأمنية ضد الإسلاميين متوجها إلى المغرب الأقصى حيث درس الحقوق . تابعته السلطات التونسية في المغرب فاضطر للخروج إلى لندن وتقدم بطلب اللجوء السياسي في 10 فيفري 1994 وبقي ينشط في السرّ هناك ولم يتلق الإجابة عن طلب اللجوء إلا في العام 2002 عندما كان متخفيا في باكستان وكان الرد بالرفض القطعي إضافة إلى عدم إمكانية الاستئناف، حيث اعتبر خطرا محدقا بالأمن القومي البريطاني.

في لندن تتلمذ  ايو عياض على يد المنظر الجهادي أبو قتادة الفلسطيني ،حيث كانت لندن يومها قاعدة إعلامية خلفية للجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية وتصدر فيها نشرية "الأنصار" بإشراف أبو قتادة و أبو مصعب السوري القيادي في تنظيم القاعدة ، انتقل بعدها إلى أفغانستان إبان حكم الطالبان و استقر هناك حتى اندلاع أحداث سبتمبر 2001 و أسس تجمع الجهاديين التونسيين في جلال أباد سنة 2000،و التقى في هذه الفترة زعيم القاعدة أسامة بن لادن في مقره في قندهار في سبتمبر 2000،ليخرج  من أفغانستان في فبراير/شباط 2001 ويتنقل بين عدة دول وكانت آخر محطة هي تركيا أين وقع اعتقاله في 3 فبراير/شباط 2003. بعد شهر من اعتقاله في تركيا تم تسليمه للسلطات التونسية ليحاكم بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة  والى تنظيمات إسلامية مختلفة، لتكون جملة الأحكام في حقه 68 سنة قضى منها 8 سنوات قبل أن يتم الإفراج عنه في  مارس 2011 بعد الثورة.

كما عقد التنظيم مؤتمره الثاني في مايو/أيار 2012 في مدينة القيروان وحضره زهاء 5000 شخص، ﻭتخلله استعراض ﻟﻠﺮﻳﺎﺿﺎﺕ ﺍﻟﻘﺘﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎلأﻳﺪﻱ ﻭﺍﻟﻌﺼﻲ والسيوف،في حين منعت وزارة الداخلية التنظيم من عقد مؤتمره الثالث ربيع العام 2013 بدعوى "عدم الحصول على رخصة قانونية".

بعد الثورة اصبح ابو عياض اميرا على تنظيم "انصار الشريعة" واتخذت السلفية الجهادية تسمية انصار الشريعة على نسق تنظيمات اخرى حملت نفس الاسم في  اليمن وليبيا، و مصر إلى المغرب. بعد أن تبنّت الجماعات الجهادية الجديدة نفس الاسم في الأشهر الأخيرة. هل كل ذلك مجرد صدفة؟ سؤال إنكاري تبادر إلى ذهن هارون ي. زيلين الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى -أحد مراكز الأبحاث التي تعتمد عليها الإدارة الأمريكية في صياغة سياسته الخارجية .

سؤال يطرح الكثير من الريبة و يفتح أفق التأويل.هل كل ذلك مجرد صدفة؟ يحاول زيلين الإجابة عن سؤاله مؤكدا أن :"اتجاها جديد يكتسح عالم الجهادية. فبدلاً من تبني أسماء متفردة، تفضل الجماعات على نحو متزايد أن تسمي نفسها “أنصار"، وفي العديد من الحالات تسمي نفسها "أنصار الشريعة" الإسلامية حيث تؤكد بذلك رغبتها في إقامة دول إسلامية.  غير أنه برغم حقيقة أن تلك المجموعات تتشارك في الاسم والأيديولوجية إلا أنها تفتقر إلى هيكل قيادة موحد أو حتى قائد واحد مثل القيادة المركزية لـ تنظيم "القاعدة" (أو ما تبقى منه) والذي يُعتقد أن مقره في باكستان. وتحارب هذه التنظيمات في أراضي مختلفة باستخدامها وسائل متنوعة لكنها جميعاً تتحِد في الغاية، وهو النهج الذي يتناسب أكثر مع التقلبات التي تولدت عن الانتفاضات العربية."

و أكد زيلين أن : "أحد أبرز المنظرين الجهاديين العالميين وهو الشيخ أبو المنذر الشنقيطي قد وضع ختم موافقته على الموجة الجديدة لجماعات "أنصار الشريعة".وكان الشنقيطي ذو الأصل الموريتاني قد نشر مقالة في منتصف جوان بعنوان "نحن أنصار الشريعة" داعياً فيها المسلمين إلى إقامة جماعاتهم الدعوية المسماة بـ "أنصار الشريعة" كلٌ في دولته ثم الاتحاد في كتلة واحدة”. ويضيف زيلين "أن معظم جماعات “أنصار الشريعة" قد تم إنشاؤها بالفعل مسبقاً، وأبرز هذه التنظيمات تلك التي في اليمن وتونس وليبيا إلى جانب النسخ الأحدث في مصر والمغرب على مدى أقل."

وكان وزير الداخلية التونسي، لطفي بن جدو، قد كشف في شهر سبتمبر الماضي، عن تواجد زعيم جماعة أنصار الشريعة في ليبيا، مشيراً إلى أن "جميع التقارير الأمنية التي وردت إلى وزارة الداخلية تؤكد ذلك"، على حد قوله.

يُشار إلى أن أبوعياض متوارٍ عن الأنظار منذ سبتمبر 2012، وتشتبه السلطات التونسية في وقوفه وراء تظاهرة احتجاجية ضد فيلم مسيء للرسول تطورت إلى هجوم على السفارة الأميركية في تونس في سبتمبر 2012، ما أسفر عن سقوط أربعة قتلى في صفوف المهاجمين، كما تتهمه السلطات بالوقوف خلف عمليات اغتيال وهجمات، وبارتباطه بتنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب".

كما قدم "أنصار الشريعة" أيضاً خدمات اجتماعية و خيرية في العديد من المدن التونسية من المياه إلى الملابس إلى هدايا خاصة في شهر رمضان أثناء فترات انقطاع مياه الشرب التي اجتاحت البلاد،صيف العام الماضي. غير أن التوتر ساد  في الاشهر الأخيرة علاقة النهضة الاخوانية بالتيار السلفي الجهادي.

و كانت السلطات التونسية قد صنفت في شهر أب/أغسطس 2013 جماعة أنصار الشريعة كتنظيم ارهابي متهمة اياها "بالوقوف وراء اغتيال المعارضين العلمانيين محمد البراهمي في يوليو/تموز وشكري بلعيد في فبراير/شباط الماضيو بتخزين السلاح داخل البلاد و قتل عدد من عناصر الامن و الجيش في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر و تشكيل خلايا نائمة في المدن و بمحاولة تأسيس"امارة اسلامية".