تعتبر ليبيا مثالا حيّا لما يمكن أن تؤدّي إليه الاختلافات من عواقب وخيمة على أبناء البلد الواحد إن استعصى الحلّ العقلاني وتغلّب المنطق الحزبي أو القبلي وهو ما  يؤدّي إلى أضرار فادحة على الاقتصاد يصعب تداركها مثلما هو الشّأن في ليبيا اليوم خاصّة مع توسّع دائرة التّقاتل بين المجموعات المتناحرة. كما تتعطّل المعاملات الإدارية للتعطيل و تصبح عرضة للتخبّط والفوضى في علاقة بالتّبعيّة  للأطراف المتنازعة. 

 والأفظع بالنّسبة للمواطن هو تداخل السّلط. فمدينة كَدِرْنَة تتوزّع فيها السّلطات بين الشّرق والغرب. سلطة البرلمان الليبي في طبرق وحكومة الثّني تتحكّم في المحروقات والتّموين بحكم وجود المدينة في الشّرق في حين تتحكّم سلطة طرابلس الواقعة تحت حكم المؤتمر الوطني في رواتب الموظفين وقطاع الصحة والتعليم.

سلطتان يتخبّط بينها المواطن الليبي البسيط بمدينة درنه الساحلية الّتي تحكمها أمنيّا تشكيلات مسلّحة مستقلّة تماما عن كلا السّلطتين ممّا زاد الأمر تعقيدا. فعلى الأرض لاوجود لأى قوات تابعه لهما بل تقبع المدينة تحت حكم هذه التّنظيمات العسكرية.

أحمد مواطن ليبي يقطن مدينة درنه، وقع إرجاعه لعمله السابق بالتعليم بعد انتمائه  لقطاع الامن العام بمدينة طبرق. أحمد أصبح لا راتب له لأنّ التبعية الإدارية والماليّة لقطاع التعليم موجودتان بطرابلس في حين أنّهما بطبرق بالنّسبة لأمن طبرق. يتخبّط أحمد بين هاتين السّلطتين وهو عاجز عن مراجعة أيّ منهما فكلاهما لا تعترف بأوراق واختام الأخرى. هذا هو حال اللّيبيّين وغير أحمد كثيرون.

ويجب التّنبيه إلى أنّ هذه المشاكل تقع في أغلب المدن اللّيبيّة وخصوصا كلّما ابتعدت عن المدن الرئيسية وبالأخصّ العاصمة طرابلس.

حمدي حالة أخرى ضحيّة للأوراق الإدارية حيث رخّصت له إحدى الوزارات الحكومية للعلاج في الخارج بالتّعاون مع سفارة في بلد مجاور الا أنّ السّفارة المذكورة لم تعترف بأوراق الوزارة لأنها غير واقعة تحت سيطرة الطّرف الّذي تخضع له.

ويقول الإداريون أنّ أكبر المشاكل تواجه من يعملون أو هم موظّفون خارج مدنهم  حيث يصبح من الصعب استخراج بعض الأوراق الهامة لهم ، كشهادات الأجر الأخير على سبيل المثال.

كما يجب لفت النّظر إلى أنّ وجود بعض الإدارات خارج العاصمة قبيل الثورة وأثناءها وقبيل النزاعات الحاصلة حاليّا أثّر سلبا على المنظومة العاملة حيث أصبحت المنظومات الرئيسة ناقصة وغير محيّنة كما أصبحت الفروع غير معترف بها من كلا الأطراف وأصبح الموظّفون والمواطنون ضحايا.

 ويرى الدكتور على المحجوب وكيل وزارة الاقتصاد ان على الطرفين توحيد التعاملات والمنظومات خصوصا فيما يتعلق بحياة المواطنين حتّى لا تُعَرْقَل مصالحهم فهم المتضرر الأكبر من هدا الصراع ، وهم من يدفعون الثمن لخلافات سياسية لا يد لهم فيها.

 

المصدر dune voices