كانت حياكة الملابس التقليدية من أهم الحرف في الصومال، وكانت تحظى بإقبال شعبي ودعم حكومي، غير أنه، ونتيجة لمشاكل الحرب الأهلية، تكاد هذه الحرفة “تتمزق” وتنقرض أمام غزو الموضة وغياب الدعم الرسمي للصناعة.
ولم يعد أمام كثيرين من مزاولي تلك الحرفة سوى البحث عن أعمال بديلة، في مواجهة قلة الإقبال على شراء الملابس التقليدية، غير أنه هناك من لا يزال يصر على ممارستها لإبقائها حية أمام الموضة الحديثة.
في كوخ وسط العاصمة مقديشو، يقول بابا أويس (60 عاما)، لوكالة الأناضول: “ورثت حرفة حياكة الملابس التقليدية عن أبي، الذي ورثها بدروه عن جدي، فهي حرفة العائلة منذ زمن بعيد، ومازالت حتى الآن رغم التراجع الذي طرأ عليها أمام الموضة الحديثة”.
ويضيف أويس أنه “إلى جانب تلك التحديات تعاني المهنة أيضا من قلة الكوادر بعد تخلى الكثيرين عنها، حيث لا تكاد تضمن قوت عيالهم (طعام أولادهم).. قبل عشر سنوات كان الإقبال عليها كبيرا، وكان أصحاب المهنة في العاصمة يرسلون منتجاتهم إلى بقية الأقاليم الصومالية التي يتمسك سكانها بالتقاليد”.
وحياكة الملابس التقليدية تتطلب دقة وصبر ومهارة وكثير من الوقت لتتحول خيوط من ألوان مختلفة إلى قميص أو إزار أو عمامة للرجال، أما نصيب النساء من الملابس التقليدية فيكون فساتين وعباءت.
وبينما هو منكب على الحياكة، يقول أويس إن “التحسن الأمني في العاصمة قد يساهم جزئيا في إعادة إحياء هذه الحرفة، حيث يفضل الصوماليون العائدون من المهجر هذا اللباس التقليدي لإرتدائه في المناسبات، كما يأخذونه إلى بلاد المهجر حيث يشتريه هناك مغتربون صوماليون متمسكون بتقاليد بلدهم”.
وحياكة الملابس التقليدية عانت كما عانى الصومال بأكمله الذي تقطعت أوصاله جراء حرب أهلية طويلة استمرت منذ 1991 وحتى 2006 مرورا بفصول أخرى من العنف لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وهذا ما يؤكده أويس بالقول “هذه المهنة حظيت باهتمام كبير من الحكومة المركزية، لكن بعد انهيارها (الحكومة) بداية تسعينيات القرن الماضي، تقلص نشاط هذه الحرفة بشكل ملحوظ”.
أما محمد حسن شبيبي (64 عاما) فيقول: “لم أعد قادرا على مزاولة هذه المهنة نظرا لما تتطلبه من جهد وتركيز كبيرين.. أخشى اندثار الحرفة التي قضيت فيها معظم حياتي”.
ويواجه شبيبي مشكلة كبيرة في توريث هذه الحرفة لأبنائه قائلا: “أردنا توريث المهنة لأبنانا على غرار آبائنا، لكن الأولاد رفضوا، ويرون أنها لا تواكب الموضة الجديدة، ما يعزز مخاوفي من انقراضها”.
كما أن “الجيل الجديد لا يتحمل متطلبات هذه الحرف التي يعتبر الصبر أول شروطها ، نظرا لما تتطلبه من جهد بدني كبير”، بحسب شيبي، الذي يرى أن تقدمه في السن لا يسمح له بالاستمرار في الحياكة.
شبيبي، الذي بدأ هذه الحرفة في صغره، يدعو الحكومة الصومالية والجهات المعنية بالتراث إلى “العمل على إبقاء مهنة حياكة التقليدية على قيد الحياة حتى لا تصبح شيئا من الماضي، فمن بقوا في ممارسة هذه الحرفة قليلون جدا، ومعظمهم طاعنون في السن، ولا بد من جيل يخلفهم.. وهذا الجيل البديل لا يمكن له العمل إلا بدعم حكومي مغر يجلبهم إلى الحرفة”.
ويدعو المتمسكون بهذه الحرفة الحكومة إلى الاستثمار في ذلك القطاع عبر توفير أدوات حياكة عصرية، ومساعدة العاملين فيه على التسويق منتجاتها داخل وخارج الصومال، بحسب مراسل الأناضول.
ويتهم أصحاب هذه الحرفة بعض التجار بتقليد تصاميمهم ونقلها إلى الخارج ليأتو بالموضة التقليدية نفسها، لكن باختلاف بسيط، وهو ما يؤثر سلبا على منتجاتهم في الأسواق المحلية، ويدفع الحرفة نحو الاندثار.
ويقول يوسف أحمد (25 عاما)، وهو عامل في شركة توفر خدمة الإنترنت: “أفضل الملابس الحديثة، لاسيما الملابس الضيقة، لأنها تواكب الموضة الجديدة.. الملابس التقليدية فضفاضة ولاتناسب مع الجيل الجديد”.
ويضيف أحمد، في حديث مع الأناضول، أن “الملابس التقليدية دائما ما تصنع على نمط واحد ومن مادة واحدة، عكس الملابس الحديثة التي تتميز بالتنوع في التصميمات ومواد التصنيع″.
فيما تقول حواء أحمد (22 عاما)، وهي عاملة في صالون تجميل، إن “الملابس التقليدية باتت ملابس موسمية تُلبس في المناسبات فقط.. والجيل الحالي يفضل الملابس الحديثة أكثر من التقليدية المفضلة لدى المسنين وكبار السن كاعتزاز بالهوية وتمسك بالتراث الشعبي”.
وعن مدى توافر الملابس التقليدية في الأسواق، يقول إسماعيل عبدي (30 عاما)، للأناضول إن “الأمر يحتاج جهدا كبيرا لتعثر عليها؛ لأنها تصنع وتباع في أماكن محددة، وهو ما يثقل كاهلنا بينما الملابس الحديثة موجودة في أي زاوية تقصدها من السوق.. وأعتقد مثل غيري من الشباب أن تلك الملابس خاصة لكبار السن فقط”.
إسماعيل، الذي يعمل سائقا لسيارة أجرة، يضيف سببا آخر لتفضيل الملابس الحديثة، وهو “الملابس الحديثة تباع بالتفرقة.. أي كل قطعة بمفردها، بينما أن الملابس التقليدية تباع بالجملة.. كطقم كامل”.
ويباع القميص الحديث في المحلات العامة بما بين 100 و200 شلن صومالي (5-10 دولارات أمريكية)، بينما يتراوح سعره في المعارض بين 160 و400 شلن (13-20 دولارا)، وكذلك الحال بالنسبة للبنطال، بحسب جوالة لمراسل الأناضول.
أما الملابس التقليدية فتباع كطقم كامل في جميع المحلات، ويتكون الطاقم الواحد من قيمص وإزار وعمامة بحوالي 945 شلن (45 دولارا أمريكيا).