رأى نائب أمين الاتصال الخارجي الليبي سابقا د.خالد كعيم، أن جميع الحوارات الجارية والسابقة حول الملف الليبي، خلقت حالة من "التشتت والتوهان" لدى القواعد الشعبية الليبية.

جاء ذلك في ورقة تحليلية بعنوان (حوارات الليبيين في الخارج.. مسارات أم متاهات؟) خص كعيم بوابة إفريقيا الإخبارية بنسخة منها، والتي جاءت كما يلي:

حوارات، لقاءات، كواليس، استدعاءات، حجيج وطواف على عواصم وحواري ومنتجعات هنا وهناك. 

هذا التعدد والتنوع في اللقاءات والمسارات لا ينبئ عن أن هناك اتفاقات أو توافقات سيتم التوصل إليها تتسم بالشمولية في المعالجة والقبول والمشاركة  حتى من اللاعبين أنفسهم المشاركين في دوري خروج المغلوب، فالكل مختلف مع الكل.. 

فخلافهم لم يقتصر على قوائم المشاركين في الجولات الأخيرة وأجنداتها أو على النتائج المحتملة بل تجاوزه ليمتد حول الكيان والانتماء والقيم والرمزيات والنظرة الجامعة للتاريخ القريب والبعيد. 

إزاء هذا الوضع الذي يظهر تلك اللقاءات أنها أحادية في كل شيء بما يمكن وصفها بمسارات المناورة والمقاولة، والمداورة، تتناثر بين الدول ولا تجد لها ملجأ في الوطن المختلف عليه وحوله، بما يقيم الدليل انها تهم وتخص تلك الدول المحتضنة والمستدعية والمدعوين ومن يمثلون على قاعدة المصلحة أكثر ما تهم ليبيا وشعبها. أكثر من ذلك، أن ما يجري في تلك الحوارات وكواليسها هو انعكاس لما يجري خارجها بين الدول المتدخلة في شؤوننا بشكل صاخب أحيانا وصامت أحيانا أخرى. تلك الدول تخوض غمار لعبة الكراسي الموسيقية على المسرح الليبي مباشرة وبالوكالة حيث لا مكان للتسوية والانسحاب بالترضية، الفرصة الوحيدة المتاحة؛ البقاء أو الإقصاء من أن تكون فاعل في بلد يدفع ثمن التدويل وأهمية الجغرافيا وعدم واقعية الأحلام.

ماذا عن الليبيين المشاركين والمنتظرين والمبعدين والمهمشين، والساعين لما يعرفون ولما لا يِعرفون؟ هم وأن صدقت نواياهم واتصفت بالوطنية مساعيهم ضمن أفواج الحجيج الذين يطوفون على العواصم والسفراء شعارهم (من سبق حاز النبق) من خلال إلغاء المختلف، والحفاظ على مكاسب غير مستحقة أو الحصول على حصة وأن كانت نتفة، كل تلك المعمعة والمطارحة باسم الوطن ومن أجل الوطن وبهدف الخروج من الأزمة من خلال التفكير (خارج الصندوق) كما يرددون. 

فالحوارات الجارية والسابقة والمسارات القائمة وما سيقوم في قادم الأيام خلقت ومازلت تخلق حالة من التشتت والتوهان لدى القواعد الشعبية المتضرر الأكبر من الأوضاع والظروف غير الطبيعية، بل شملت هذه الحالة حتى المشاركين في خلق هذه الأوضاع غير الطبيعية بعلمهم وإرادتهم أو بغيرهما. 

من جانب آخر البعثة الأممية ووكلاؤها -لأسباب كامنة في ولايتها وتركيبتها وطريقة ممارستها لتلك الولاية- رسخت توقعات وأفهام خاطئة لدى الليبيين في ظل عدم وجود إرادة مشتركة لدى الدول التي قامت بتدويل الوضع في ليبيا لتحقيق أهداف أنية حينذاك، وانشئت الأوضاع الراهنة- لإيقاف دوامة الصراعات المتجددة وخلق ظروف الاستقرار في البلاد.

كما أن البعثة وما يسمى بالشركاء الدوليين لم يعتمدوا قاعدة للتمثيل الحقيقي سواء في المشاورات أو الحوارات، ولم تنتهج البعثة منهج الشمولية في التشاور والمشاركة. 

ولعل الفشل الأعظم كان في عدم وجود آلية نشطة للوساطة ومنع نشوء النزاعات والصراعات العنيفة وتسوية تبعات تلك النزاعات وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. 

أنه فشل ذريع في تحقيق المقاصد وفي انتهاج الأساليب الناجعة واعتماد قواعد متعارف عليه في التمثيل. ليس أمام الأمين العام ومجلس الأمن إلا الاستماع للأصوات التي تنادي بإنهاء أعمال البعثة وتعيين وسيط دولي بولاية محددة ومحدودة في الزمان والمستهدفات، وترك بقية الأعمال المكررة والمتقاطعة للبعثة مع بقية برامج ووكالات الأمم المتحدة مثل البرنامج الانمائي والبرنامج الإنساني.. الخ لتلك الوكالات والبرامج.

لقد ناديت بذلك منذ سنوات دون جدوى وكأن هناك إرادة لترسيخ الفشل، وحتى التحوير الأخير في هيكلية تمثيل الأمم المتحدة في ليبيا يظل شكلي ويرسخ بيروقراطية أثبتت فشلها. أذن نحن أمام تحول المسارات إلى متاهات تؤدي إلى مزيد من التعطيل للإرادة الشعبية مصدر السلطات عبر إنتاج سلطة جديدة تتعايش مع السلطات القائمة  لفترة ضياع جديدة لا استقرار إداري أو سياسي أو مالي يمكن أن يتحقق فيها، وإطالة لعمر الفراغ وتعدد مراكز السلطة والقرار. 

فالحل عندي يكمن في تبسيط الأمور وعدم تعقيدها والنظر فيما بيننا على حلول لأننا نعرف جغرافية وتاريخ بلادنا، نعرف المخاطر والفرص، نعرف المشاكل والحلول وأن استعصت أمام فيض المشاعر والعواطف، وفوق ذلك يعرف بعضنا البعض.. 

ذلك يجعلنا ندرك أنه علينا أن ننهض جميعا أو نسقط جميعا وغير ذلك هراء واستعجال للطوفان. 

علينا أن نستبدل المتاهات بمسارات ذات جدوى، نتحاور في الداخل وعلى كل المستويات، ولتكن ليبيا ورشة عمل للحوار، وأن يستدعي بعضنا الأخر لكل منصة ومبادرة حوار تتطلق في أي ركن وناحية في ليبيا وفي الشتات، ونترك حوار العواصم والمنتجعات إلى السلطة التي ستنتخب عندما نتفق ونتوافق، حتى قبل أن نتصالح، على قاعدة قبولنا لبعضنا البعض. 

وعلى صعيد المؤسسات التي تدير البلاد بحكم الأمر الواقع، علينا القبول بها والتعايش معها، حتى رحيلها، رغم ما ينتابها من خلل بنيوي وتشريعي وما ينزع عنها المشروعية في الظروف الطبيعية وما يظهر من عدم انضباط في أداؤها وما يتنازعها من أهواء وخلافات، بهدف الوصول لوضع انتقالي حقيقي بعيدا عن المناورات ولعبة المقاولات السياسية ومن خلال اعتماد أجندة وطنية شاملة تستهدف تطبيع الأوضاع والتجهيز للانتخابات العامة خلال السنة القادمة، ويتضمن القيام بخطوات أهمها؛

1.     توحيد مجلس النواب.

2.     ترميم مجلس الدولة على مستوى العضوية.

3.     عودة المجلس الرئاسي لتشكيله الأصلي ما أمكن ذلك.

4.     تكليف رئيس حكومة من قبل المجلس الرئاسي.

5.     عقد جلسة مشتركة لمجلسي النواب والدولة  أو بالتوازي بنفس جدول الأعمال الذي يجب أن يهدف إلى تطبيع الأوضاع من خلال البدء في المرحلة الانتقالية الحقيقية التي ستؤدي إلى انتخابات عامة في ظرف أشهر.

6.     التوافق على قانون انتخابات تصيغ ملامحه القواعد الشعبية من خلال الحوارات الشعبية في مدن وأرياف وقرى ليبيا ويصدر من سلطات الأمر الواقع أو عبر استفتاء عام.

7.     إرجاء مسألة الدستور إلى السلطات المنتخبة وبعد الفروغ من سلسلة الحوارات.

ختاما، الاعتراف بسلطات الأمر الواقع يعد من الاكراهات التي يجب القبول بها بديلا عن الفوضى والفراغ وتنازع السلطات. لكن هذا الإقرار بالضرورة يجب أن لا يتحول إلى حالة ركون وخمول تمنع إنتاج سلطات منتخبة جامعة.

دمتم جميعا بخير!