أيام صعبة يعيشها التونسيون مرة أخرى ، بعد تجدد العمليات العسكرية والأمنية ضد عناصر من أنصار الشريعة وفق مصادر رسمية.عمليات أسفرت مع بدايتها عن سقوط قتيل جديد ينضاف الى قائمة ضحايا هذه المواجهات من عناصر الجيش ، وعدد من الجرحى، نتيجة لغم أرضي. بالتوازي مع ذلك ، وقبل يوم من تجدد العمليات ، أفاق التونسيون على عملية اختطاف جديدة استهدفت مستشارا دبلوماسيا في سفارة تونس بليبيا. تأتي هذه الاحداث في سياق قلق كبير يلقي بظلاله على مشهد تونسي يكابد صعوبات جمة طالت أسباب المعيشة ومطالب اليومي. حول العمليات العسكرية والأمنية والشواغل الأمنية للتونسيين في الداخل والخارج ، نلتقي في هذا الحوار العميد مختار بالنصر، المتحدث السابق باسم الجيش التونسي وعضو مؤسس لمركز الأمن الشامل في تونس.
* لو تنزل لنا العمليات الأخيرة في مرتفعات الشعانبي.
ج: العمليات الجارية الآن تم الاعلان عنها منذ شهر تقريبا، وبدأ الاعداد لها منذ أسبوعين.لقد تم تركيز مستشفى ميداني متحرك والانتهاء من ارساء قاعة عمليات مشتركة بين الجيش التونسي وقوات الأمن الخاصة.وهي عملية أصبحت ضرورية بعد تجميع كل المعلومات اللازمة المتعلقة بتحركات العناصر الارهابية وظروف اسنادهم .
*لكن بمجرد انطلاق العمليات ورغم الاستعدادات التي تحدثت عنها سقط جندي قتيلا مع عدد من الجرحى؟
ج: كل عملية عسكرية تتوقع منذ بدايتها خسائر في الارواح، فالجبل مليء بالالغام وهذه المجموعات الارهابية أحست منذ مدة بالخطر والأكيد أنها حاولت أن تحصن نفسها من خلال تفخيخ المسالك والاشجار وحتى المغاور التي تختبئ فيها. نحن نعرف صعوبة مرتفعات الشعانبي وكثافته الغابة. نذكر أن جنود حرب التحرير الجزائريين كانو بالآلاف في مرتفعات الشعانبي وعجز الجيش الفرنسي عن مقاومتهم.لابد إذا من تمشيط كامل للمنطقة وكشف كل المغاور ومسالك الأودية لإخراج العناصر الارهابية ونتوقع خسائر أخرى ، إلا أنها لن تثني الجيش التونسي عن حسم هذه المعركة بشكل نهائي . مع ضرورة تركيز مراقبة دائمة للمكان حتى لا يكون ملاذا آمنا للارهاب في المستقبل وللمهربين أيضا.
* بالمناسبة، أية علاقة تراها بين الارهابيين والمهربين؟
ج: بينهما علاقة وثيقة، المهرب يساعد الارهابي على البقاء والدوام بتوفير الغذاء والدواء، في مقابل ذلك، توفر العناصر الارهابية المال بسخاء، وتضمن للمهربين حماية مسالك التهريب.لابد إذا من قطع دابر هؤلاء معا.
هل تتوقع فعلا أن يحسم الجيش التونسي هذه المعركة لصالحه في ظل تشكيك البعض في امكانياته وعتاده؟
ج: للجيش التونسي قدرة على مكافحة الارهاب وله خبرة في ذلك . وهو مدرب على حرب العصابات . لقد كانت له تجربة مثلا في عين طبرق سنتي 2006 و2007 في مقاومة الارهاب ، وانتهت بالقضاء على الارهابيين في مرتفعات سليمان.
* لكن للارهابيين امتداد أيضا في نواحي أخرى ومدن في الشمال والجنوب وحتى في ضواحي العاصمة؟
ج: مجموعة الشعانبي تعتبررأس الافعى، وتتواجد على مساحة تقدر بـ 200 كلم مربع، والقضاء عليها سيكشف خلاياها في باقي الجهات . خاصة وأن المعلومات تشير الى تواجد قيادات الارهاب هناك.
* هل يمكن الحديث عن اسناد سياسي كبير للمواجهات الجديدة،على عكس العمليات الفارطة؟
ج: أكيد أن الارادة السياسية مهمة، وأن كل معركة هي قرار سياسي بالضرورة. المواجهات الاخيرة تنطلق من تصنيف واضح لانصار الشريعة على أنها تنظيم ارهابي . بالاضافة الى استثمار العمليات لبعض الاخطاء من  قبيل التساهل ربما في التعاطي مع هذه التنظيمات وعدم الوعي بخطورتها واستهدافها للوطن ولمشروع مجتمعي كامل.
*الفريق أول رشيد عمار قائد الجيوش الثلاث أشار الى تزايد مخاطر الارهاب ، فهل كانت تعوقه الارادة السياسية لحسم المعركة؟
ج: الجنرال عمار أحس أن الوعي السياسي بالخطر وقتها غير كاف، والتشكيك في الجيش وفيه هو بالذات كان عائقا أمام مقاومة الارهاب . لقد غابت وقتها الوحدة الوطنية في مكافحة الارهابيين.ولذلك صرح أن هناك أخطارا جسيمة قادمة.
* نأتي الى عملية اختطاف الدبلوماسي التونسي في الآونة الأخيرة . ماعلاقته بالارهاب؟
ج:عملية الاختطاف جاءت بعد لقاء رسمي بين وزير الداخلية التونسي والليبي ومحوره كان مساومة وضغوط لاطلاق 10 مسجونين ليبيين في مقابل تسوية ملف المعبر الحدودي بين البلدين.وعدم تفاعل الجانب التونسي ربما أدى الى مرور طرف ليبي الى عملية الاختطاف.بما يشير الى أهمية المساجين الليبيين للسلطة الليبية الحالية والذين قاموا بعملية الاختطاف معا. أضف الى ذلك وجود تنسيق كبير بين أنصار الشريعة في تونس وفي ليبيا، خاصة وأن قائد أنصار الشريعة في تونس يقيم في ليبيا.
*هذا يؤكد أن المعركة أوسع من مرتفعات الشعانبي، بل أوسع من الخارطة التونسية؟
ج: نعم المعالجة لاتتم في تونس فقط بل لابد من قطع الاسناد من الجزائر وليبيا، بالاضافة الى مراقبة دقيقة للعائدين من سوريا وتفعيل مايسمى بقانون التوبة الذي هو محل درس اليوم.لابد أيضا من تفعيل دور المواطن واذكاء حسه المدني.مع ذلك لابد من تفادي النقص في المخابرات العسكرية والامنية باعتبارها أجهزة مناعة للدولة والوطن مع ضرورة مزيد التعاون الدولي في المجال خاصة مع الدول المجاورة. ثمة بالاضافة الى ذلك أخطار لاتقل قيمة عن الاخطار الامنية والارهابية. فتردي الوضع السياسي لايقل خطورة عن الارهاب،بالاضافة الى الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية،وهي مواضيع نتدارسها في مركز تونس للأمن الشامل.تونس اليوم تعيش أزمة فاعلية سياسية نتجت عنها أزمة أمنية وإنمائية.لابد إذا من بلوغ شرعية دائمة عبر الانتخابات حتى تتمكن المؤسسات من القيام بعمل استراتيجي يتجاوز الاخطار التي تهدد البلاد.
* نأتي الآن الى الاتهامات الموجهة للقضاء العسكري بعد الأحكام المتعلقة بقضايا الشهداء والجرحى؟
ج: القضاء العسكري لم يطلب هذه القضايا،بل أحيلت اليه من القضاء العدلي.وتركيبة المحكمة العسكرية فيها رئيس مدني وقاضيان مدنيان وقاضيان عسكريان، وهي بذلك مدنية في تركيبتها.والتدخل في هذه الاحكام هو اعتداء على الدستور.يمكن تفهم ردود فعل الناس العاديين وأهالي الشهداء والجرحى، لكن نستغرب الاصوات المنددة من الحقوقيين والسياسيين.أسأل هؤلاء ماذا سيقول العالم عن تونس إذا مررنا الى محاكم خاصة تمثل عنوانا للدكتاتورية...
أجرى الحوار عزالدين بن محمود