رغم مرور أكثر من شهرين على منح البرلمان الليبي الثقة لحكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، إلا أن الوضع السياسي مازال غامضا في ظل استمرار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة مزاولة أعمالها ورفضها تسليم السلطة ما جعل البلاد في وضعية شبيهة بالسنوات الماضية مع وجود حكومتين وانقسامات تنذر بمرحلة صعبة قد تجهض جهود السلام.

وفي خطوة جديدة لتوحيد الصف ومحاولة احتواء الأزمة المتصاعدة في البلاد،أعلن رئيس حكومة الاستقرار المكلف فتحي باشاغا،عزم حكومته إطلاق حوار وطني، بهدف التواصل المباشر مع الأطراف كافة والوصول إلى توافق وطني حقيقي في ليبيا.وذلك لتفادي بعض السيناريوهات الكارثية التي تنذر بإعادة البلد الأفريقي إلى مربع الصراعات.

وفي كلمة مصورة بمناسبة عيد الفطر، قال باشاغا إن مبادرة حكومته تهدف إلى ترسيخ "مبدأ المشاركة الوطنية الواسعة في هذه المرحلة الحساسة التي تتطلب تضافر جهود الجميع".وأشار باشاغا إلى أن حكومته مدت أيديها للجميع بلا استثناء، ولم ترفض الجلوس مع أي طرف يعتقد أن الحكومة أتت ضده أو لمواجهته ومحاربته".

وأضاف: "إننا التزمنا بمبدأ أساس، وهو حقن الدماء والحفاظ على أمن واستقرار العاصمة، ورفضنا الكامل للاقتتال والاحتراب مهما كانت الأسباب".وحول موعد دخول الحكومة الليبية إلى العاصمة طرابلس، قال باشاغا: "نتواصل مع كافة القوى السياسية في كل مدن ليبيا وبينها طرابلس، وأعطينا وما زلنا نعطي فرصة للسلام، لكي نتجنب الحرب.

وأعرب باشاغا عن تقديره لمخاوف الشباب حاملي السلاح وما تحملوه من مسؤوليات أمنية وعسكرية قائلا آن الأوان لبناء الدولة والثقة في أنفسهم وقدرتهم على بناء بلدهم وتقديم الخير والاستقرار للشعب مؤكدا أنه لا يمكن للفوضى أن تستمر ولا يمكن للظلم أن يبقى مؤكدا العزم على بناء دولة لكل الليبيين.وتعهد بفتح صفحة جديدة لبناء ليبيا بكل العدالة.

ووصف باشاغا إغلاق موانئ النفط مؤخرًا، بأنه كارثة اقتصادية كبيرة، منوهًا إلى أن حكومته قامت بمخاطبة المؤسسة الوطنية للنفط للتعاون والعمل المشترك لوضع آليات وترتيبات لاستئناف إنتاج النفط، وضمان عدم التصرف في إيراداته بالمخالفة للمصلحة العامة.وأعرب عن ثقته في نجاح مساعي إعادة فتح النفط قريبا.

وتأتي دعوة باشاغا لاطلاق حوار وطني ليبي بالتزامن مع استمرار تامشاورات الدولية لتعيين مبعوث أممي جديد،حيث كشفت مصادر سياسية غربية، أنّ المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "سوف يكون أفريقيا"، وفق ما نقلت وكالة "نوفا" الإيطالية،يوم الإثنين الماضي.

وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جدد الأسبوع الماضي، بالإجماع تفويض بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، تنتهي في 31 يوليو/تموز المقبل، إلا أنه دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس،إلى تعيين ممثل جديد على وجه السرعة في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.

ومنذ سبتمبر 2021 جدد المجلس ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ثلاث مرات من خلال تمديدات إجرائية قصيرة المدى بسبب الخلافات بين أعضاء المجلس بشأن طول الولاية، وإعادة هيكلة البعثة واللغة المتعلقة بتعيين قيادة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.ولم تعين اللأمم المتحدة خلفا للمبعوث الخاص السابق الدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيش الذي استقال في نوفمبر 2021

وتواصل ستيفاني ويليامز المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة قيادة جهود الوساطة على الأرض بين الليبيين وسط مساعٍ روسية لإزاحتها كونها تمثل مجالا لتوسيع مجال التأثير الأمريكي في الملف الليبي، نظراً لاطلاع ويليامز على مختلف تفاصيله، سواء من خلال دورها كقائمة بالأعمال في البعثة الدبلوماسية لبلادها أو كنائبة لرئيس بعثة الدعم الأممية في ليبيا.

وباءت جميع الجهود الدبلوماسية التي قادتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالفشل في الوصول الى تسوية شاملة في ليبيا،وأثر التنافس بين القوى الدولية،على البعثة الأممية بشكل كبير، وأكد مراقبون أن البعثة الأممية في ليبيا ضعيفة، أمام تجاذبات القوى الدولية ذات المصالح في الملف الليبي وكذلك أمام أطماع الأطراف المختلفة في الداخل.

عاشت ليبيا منذ العام 2011،وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا،ورغم التطورات التي شهدتها في الفترة الماضية والتوافقات التي حصلت فان مخاوف الفشل تلقي بظلالها على البلاد وهو ما يمثل تحديا كبيرا خاصة في ظل الأطماع الخارجية التي تقودها دول سبق أن ألقت البلاد في أحضان الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية،ومازالت تسعى لتأمين نصيبها من الثروات الليبية.

ويبدو أن محاولات اطلاق حوار وطني ليبي شامل قد تمثل فرصة حقيقية لانهاء الأزمة السياسية المستعرة،فالرئيس التونسي قيس سعيد،أعلنها صراحة في اتصال هاتفي رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة،حين أكد "على أن الحل لا يمكن أن يكون الا ليبيا-ليبيا"،وهو أمر يبدو منطقيا فلا أحد سيخاف على ليبيا أكثر من الليبيين ونجاح أي استحقاق سياسي هو رهين ارساء مصالحة شاملة وتوحيد الصف الليبي للخروج بالبلاد من أزماتها واعادتها الى مكانتها الطبيعية اقليميا ودوليا.