تعاني ليبيا انقساماً حاداً منذ اندلاع الأزمة في العام 2011، وقد تصاعد الصراع بين القوى الداخلية منذ مايو 2014، حيث انقسمت البلاد إلى معسكرين كبيرين، امتلك كل منهما أدواته السياسية والعسكرية، معسكر الشرق الذي مثّله الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ومجلس النواب في طبرق، ومعسكر الغرب الذي مثّلته مليشيات "فجر ليبيا"، و"حكومة الإنقاذ الوطني" في طرابلس ذات الميول الإسلامية. 

وبعد عام من المباحثات للتوصل إلى حل لوقف النزاع الدائر بين حكومتي طرابلس وطبرق، تشكلت حكومة الوفاق الوطني بموجب اتفاق سلام وقعه برلمانيون ليبيون في ديسمبر/كانون الأول 2015 برعاية الأمم المتحدة، واختار تشكيلتها المجلس الرئاسي الليبي، وهو مجلس منبثق عن الاتفاق ذاته ويضم تسعة أعضاء يمثلون مناطق ليبية مختلفة. وسلمت بعثة الأمم المتحدة أطراف النزاع الليبي في 22 أيلول/سبتمبر نسخة الاتفاق السياسي النهائية بما فيها الملاحق، موضحة أنه "الخيار الوحيد" أمام الليبيين كي لا تسقط البلاد في فراغ سياسي ومصير مجهول. 

السراج رئيسا

رئيس الوزراء المقترح ينتمي إلى إحدى عائلات طرابلس العريقة وهي عائلة السراج، حيث كان والده مصطفى السراج عضواً في حزب المؤتمر ورفيق السياسي الليبي والقيادي بشير السعداوي، وشغل الوالد عضوية مجلس النواب، كما تولى وزارات التعليم والزراعة والاقتصاد خلال العهد الملكي. 

وفايزالسراج، الرئيس المقترح لحكومة الوفاق في ليبيا، هو مهندس معماري بدأ مشواره السياسي كعضو في هيئة الحوار الوطني، ثم ترشح لعضوية مجلس النواب عن مدينة طرابلس. وهو من مواليد طرابلس 1960، وتخرج في جامعة طرابلس كلية الهندسة قسم العمارة سنة 1982، وحاصل على ماجستير في إدارة أعمال 1999. 

وعمل السراج بصندوق الضمان الاجتماعي في إدارة المشروعات، واستشارياً في المكتب الاستشاري الهندسي للمرافق، كما عمل بالقطاع الخاص ضمن مكتب استشاري هندسي لإدارة المشاريع. أما مشواره السياسي فبدأ كعضو في هيئة الحوار الوطني، ثم ترشح لعضوية مجلس النواب عن مدينة طرابلس دائرة حي الأندلس. واختير السراج رئيساً للجنة الإسكان والمرافق في مجلس النواب وعضواً للجنة الطاقة. 

التشكيلة الأولى

في 19 يناير 2016 شكّل الفرقاء الليبيون، حكومة الوفاق الوطني، بموجب اتفاق الصخيرات، الذي وقّع برعاية الأمم المتحدة، التي حضت البرلمان المعترف به دولياً على منحها الثقة سريعاً وتضم 32 وزارة. لكن مجلس النواب الليبي بطبرق(شرق)، رفض يوم 25 يناير/كانون ثان ، التشكيلة التي تقدم بها فائز السراج، مطالبًا إياه بتقديم تشكيلة جديدة مصغرة خلال عشرة أيام من تاريخ الرفض(قبل منحه مهلة أخرى حتى الأحد حيث تم الإعلان عن التشكيلة الجديدة). 

وأبدى 97 نائبا في مجلس النواب الليبي في طبرق رفضهم لحكومة الوفاق مقررين إلغاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي. وتقضي المادة الثامنة من الاتفاق بنقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية المنصوص عليها في القوانين الليبية إلى مجلس الوزراء فور توقيع الاتفاق. 

التشكيلة الثانية

أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، عن التوصل إلى تشكيلة حكومة وفاق، مكونة من 18 وزيراً. وفي مؤتمر صحفي، عُقد في وقت متأخر من مساء الأحد 14 فبراير 2016، بمدينة الصخيرات المغربية، قال فتحي المجبري، الناطق الرسمي باسم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، إنه تم التوصل إلى تشكيل حكومة وفاق ليبية، مكونة من 18 وزيراً، بعد مشاورات للمجلس الرئاسي. 

وفي مؤتمر صحفي بالصخيرات، قال السراج عند إعلان التشكيلة الوزارية الجديدة، إنه روعي في تشكيلها الكفاءة والخبرة والتوزيع الجغرافي والطيف السياسي ومكونات المجتمع ومشاركة المرأة، داعيا مجلس النواب إلى استشعاره خطورة المرحلة ومنح الثقة للحكومة الجديدة كي تباشر عملها. في 23 فبراير/شباط 2016، نالت حكومة الوفاق الوطني الليبية الثقة بالأغلبية، بعد أن أعلن مئة نائب من مجلس النواب المنعقد في طبرق موافقتهم على التشكيلة الوزارية المقترحة من المجلس الرئاسي وبرنامج عملها. 

بداية التحدى

بعد حالة من الجدل غير المسبوق ما بين منح الثقة لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج من عدمه، قرر الأخير تجاهل الأطراف المتنازعة على السلطة، وبدأ مباشرة عمله من العاصمة طرابلس رغم تحذيرات خليفة الغويل من الدخول لطرابلس دون منحها الثقة من قبل البرلمان الليبي المعترف به دوليًّا وكذلك المؤتمر الموازي في طرابلس. واعتمد السراج على دعم المجتمع الدولي والتأييد الشعبي غير المسبوق له؛ حيث حظيت حكومة الوفاق الوطني بدعم داخلي مهم أملًا في أن تتمكن هذه الحكومة المدعومة من المجتمع الدولي من إنهاء النزاع المسلح ووقف التدهور الاقتصادي. 

ودخلت حكومة الوفاق الوطني طرابلس في 30 آذار/مارس عن طريق البحر، واستقرت في القاعدة البحرية في المدينة. وسرعان ما حظيت بدعم سياسي كبير مع اعلان بلديات مدن في الغرب وفي الجنوب الولاء لها، كما نالت تاييد المؤسسات المالية والاقتصادية الرئيسية، وهي المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار في طرابلس. وانشقت غالبية الجماعات المسلحة التي كانت داعمة لحكومة طرابلس عنها لتنضم الى حكومة الوفاق. 

وعقد المجلس الرئاسي أول لقاءاته الرسمية، مع المجلس الأعلى للدولة، في العاصمة ‏طرابلس، ونجح السراج و6 من نوابه، منذ وصولهم لطرابلس، في لقاء الشخصيات السياسية، وفي بيان مشترك، دعا رؤساء وممثلو البلديات العشر عقب اجتماع في صبراته، الليبيين إلى الوقوف صفاً واحداً لدعم حكومة الوفاق الوطني. ودعوا الحكومة إلى العمل على "السعي لإنهاء الصراعات المسلحة وبشكل عاجل بكامل التراب الليبي"، وعلى إصلاح الوضع الاقتصادي. وتحظي حكومة الوفاق، بدعم دولي غير مسبوق؛ حيث حشدت الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي دعمًا دولياً وإقليمياً، بل وخصصت ميزانيات وهبات مستعجلة فور مباشرة الحكومة أعمالها، وهو أمر يجعل السراج يعمل بثقة كبيرة ودون الاكتراث لبعض أصوات السياسيين، الذين وجدوا أنفسهم أمام العقوبات أو مباركة الحكومة. 

أمرت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا الإربعاء 06 نيسان/إبريل 2016 كل المؤسسات باستخدام شعارها وبالحصول على موافقتها في كل النفقات وذلك بعد ساعات على إعلان الحكومة غير المعترف بها دوليا في طرابلس تخليها عن السلطة. وأبلغت حكومة فايز السراج المصرف المركزي بتجميد كل الحسابات العائدة إلى وزارات ومؤسسات عامة بينها مؤسسات تابعة لشرق البلاد وأخرى لطرابلس. والى جانب الدعم المحلي السياسي والاقتصادي والامني، تلقت حكومة الوفاق مزيدا من الدعم الخارجي مع اعلان سفارات دول عدة البحث في اعادة فتح سفاراتها في العاصمة. 

وبعد شهرين من دخولها العاصمة، أعلنت حكومة الوفاق، عن تشكيل قوة من الجيش والشرطة باسم "جهاز الحرس الرئاسي"، لتدخل عقب ذلك في مواجهات عنيفة مع حكومة الإنقاذ التي أعلنت بدورها عن تأسيس قوة مسلحة تحمل اسم "الحرس الوطني". وتواصلت الإشتباكات إلى أن تمكنت حكومة الوفاق، في مارس 2017، من طرد المليشيات المناوئة لها، لكنها رغم ذلك لم تستطع بسط سيطرتها. 

حكومة الوفاق والمليشيات

رغم التأييد الدولي الواسع الذي رافق وصولها الى العاصمة الليبية العام 2016، ورغم بعض المكاسب التي حققتها وأهمها نجاحها في تحرير سرت من تنظيم "داعش"، إلا أن حكومة السراج لم تستطع حل أزمات البلاد وإنهاء حالة الانقسام الموجودة إضافة إلى فشلها في احتواء المليشيات المسلحة المنتشرة خاصة في العاصمة وفي بسط سلطتها على كل البلاد. 

وبدأ دور الجماعات والمليشيات المسلحة في ليبيا بدأ ينشط عام 2014، مع تشكيل الكتائب المسلحة لدعم أطراف سياسية ليبية، وتواصلت حكومة الوفاق بقيادة السراج مع المليشيات المسلحة، وعملت على صرف رواتبها، لقاء تأمينها لمقراتها، متخلية بذلك عن وعودها بتنفيذ الترتيبات الأمنية التي نص عليها إتفاق الصخيرات بحل جميع الميليشيات. 

ومنذ وصولها إلى طرابلس، لم تنجح حكومة الوفاق في وقف الإشتباكات المتكررة التي حصدت أرواح الكثيرين، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة. وكان آخر هذه الإشتباكات تلك التي إندلعت نهاية أغسطس الماضي، والتي تواصلت على مدى أسابيع مخلفة 115 قتيل و383 جريح حسب وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني، ناهيك عن خسائر مادية كبيرة جراء إستهداف المنشآت النفطية والمطار والمباني العامة والخاصة. 

ومثلت هذه الاشتباكات الأخيرة بحسب مراقبين استمراراً لمشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس، وضعف حكومة الوفاق على الأرض في مواجهة هذا الخليط من المسلحين. وإعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن "جولة الاشتباكات الأخيرة في طرابلس هي الدليل الأكثر وضوحًا على تداعي الاستراتيجية التي تبنتها الأمم المتحدة والقوى الغربية في ليبيا منذ العام 2011، التي اعتمدت على إنشاء حكومة الوفاق الوطني لإحلال الاستقرار والسلام"، وقالت إن "حكومة الوفاق، منذ وصولها العاصمة طرابلس، اعتمدت بشكل كبير على مجموعات مسلحة لبسط سيطرتها بالدولة، كما أن كثيرًا من الليبيين اعتبروا الحكومة مجرد سلطة مفروضة من القوى الخارجية". 

ونتيجة لذلك، قالت الصحيفة إن "تلك المجموعات المسلحة باتت تتنافس على العاصمة، ودخل كثير منهم في تحالفات مع آخرين لتشكيل مجموعات أكبر وأكثر قوة، هدفها فرض نفوذها سياسيًّا، والسيطرة على الأراضي، والفوز بنصيب من الثروات المالية وأهمها الاحتياطات النفطية، التي تعد الأكبر في أفريقيا". 

وصف "الواشطن بوست"، لوضع حكومة الوفاق، أكده قبل ذلك بحث لمركز "سمال آرمز سيرفي" للدراسات، الذي أكد أن الوضع السياسي والاقتصادي في ليبيا، بات في قبضة تحالف لميليشيات العاصمة أطلق عليه البحث اسم "كارتل طرابلس"، بدعم من حكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي. وحسب المركز، فإن "كارتل طرابلس" أصبحت شبكة إجرامية تضم ميليشيات أهمها ما يعرف باسم "قوة الردع الخاصة" بقيادة عبد الرؤوف كارة، و"كتيبة ثوار طرابلس" بقيادة هيثم التاجوري، و"كتيبة أبوسليم" التي يتزعمها "اغنيوة"، بالإضافة إلى "كتيبة النواصي" بزعامة على قدور. 

تغول الميليشيات، دفع أيضا بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا، للإعراب عن "إدانتها الشديدة لأعمال العنف والتخويف وعرقلة عمل المؤسسات السيادية الليبية من قبل رجال الميليشيات". ودعت حكومة الوفاق الوطني إلى "اتخاذ الخطوات اللازمة لمقاضاة المسؤولين عن هذه الأعمال الإجرامية". وقالت بعثة الأمم المتحدة في بيانها "يهاجم أفراد الكتائب العاملة إسمياً تحت إشراف وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني المؤسسات السيادية ويمنعونها من أداء عملها بشكل فعال". وأضافت "أن التدخل في عمل المؤسسات السيادية وفي الثروة الوطنية الليبية أمر خطير ويجب أن يتوقف على الفور". 

وإعتبر مراقبون، بيان البعثة إعترافا مبطنا بفشل حكومة الوفاق في كبح جماح الجماعات المسلحة الي حاولت شرعنتها. وظاهريًا، تتبع ميليشيات طرابلس إلى وزارة داخلية حكومة الوفاق، وتنفذ أوامرها وتدافع عنها من جهة، من جهة آخرى تمارس كل ما يصب في صالحها، دون اعتبار لقانون أو عرف أو حقوق إنسان. وتبدأ نشاطات هذه الميليشيات من التجارة غير الشرعية إلى الخطف على الهوية إلى استعباد المهاجرين والمتاجرة بهم، إلى التحكم في عمليات صرف الأموال من البنوك وقرارات المؤسسات السيادية وحتى ساعات وصول التيار الكهربائي وطرح الأحمال بالقوة. 

فشل وأزمة

وفي مايو 2018، أكد تقرير ديوان المحاسبة فشل حكومة الوفاق في إدارة شؤون الدولة، وكشف التقرير من خلال رصده لتجاوزات مالية وإدارية، تخبطا داخل أروقة حكومة الوفاق، التي لم تحقق خلال عام 2017 أي تقدم، حيث أظهر التقرير بأنها اسـتمرت في ارتكاب نفس التجاوزات والأخطاء التي ذكرها تقرير ديوان المحاسبة في عام 2016، والذي أوضح بأنها فشلت في توفير احتياجات المواطن رغم المحاولات العديـدة والضغوط التي مارسها الديوان من خلال المخاطبات والاجتماعات والتقارير المختلفـة محاولة منه معاجلة المظاهر السلبية في تـدني أوضاع الدولة دون اتخاذ أي إجراءات حيالها. 

وأوضح التقرير بأن حكومة الوفاق المنبثقة عن الاتفاق السياسي الذي حدد أولويات عملها الأمنية والسياسية والاقتصادية تأخرت عن مباشرة أولوياتها الاقتصادية والخدمية، حيث يلاحظ أنـه طيلة عامي 2016 -2017، لم تـتمكن الوفاق من توفير الاستقرار وإدارة وتنظــيم المـوارد الرئيســية للاقتصاد والمؤسسـات الاقتصادية. كما أظهر التقرير فشلها في تلبيــة احتياجات المواطنين والخدمات الأساسية في مجالي التعليم والصــحة مــن خـلال بــرامج واضحة وبالتعاون مع المجالس البلدية والحكم المحلي. 

ومع تواصل عجز حكومة الوفاق عن بسط سيطرتها الأمنية ومعالجة الأزمات الاقتصادية، باتت في مرمى الغضب الشعبي الذي تمثل في خروج مظاهرات متكررة خلال الأشهر الماضية احتجاجًا على تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية، وتغول الميليشيات. ورفع المحتجون شعارات تطالب بإسقاط رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج

وفي يوليو 2018، دعا المجلس البلدى حى الأندلس فى طرابلس، المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات عاجلة، لإتمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى ليبيا ، وإلى الاستقالة الجماعية للحكومة الحالية التى يقودها فائز السراج، وإقالة لجنة إدارة الشركة العامة للكهرباء ومحاسبتها

وبالتزامن مع ذلك، أعلن عضو المجلس الرئاسي الليبي فتحي المجبري، استقالته رسميا من حكومة الوفاق التي يقودها فايز السراج، مشيرا إلى أنها أصبحت رهينة بيد الميليشيات المسلّحة التي باتت تسيطر على مفاصل صنع القرار فيها. وانتقد المجبري، في ندوة تلفزيونية، الوضع في طرابلس، قائلا: "أعلن انسحابي من المجلس الرئاسي، وطرابلس لا تصلح حاليا للعمل السياسي". ويعد المجبري رابع نواب الرئيس الذين يتركون مناصبهم، فقد استقال علي القطراني (شرق) ثم تبعه النائب علي الأسود من الزنتان (غرب) والنائب موسى الكوني (جنوب). 

محاولات انعاش

وفي مؤشر على فشل حكومة الوفاق، توافقت لجنتا الحوار بمجلس الدولة ومجلس النواب على آلية لتشكيل مجلس رئاسي جديد، بحيث يكون هناك رئيس ونائبان، على أن يكون منصب رئيس المجلس منفصلا عن منصب رئيس الحكومة. وكانت كتلة الوفاق في المجلس الأعلى للدولة الليبي قد عقدت اجتماعا دوريا بطرابلس، الإثنين 29 أكتوبر 2018، تم التأكيد فيه على الإسراع في إعادة هيكلة المجلس الرئاسي من أجل تحقيق الهدف الأسمى للاتفاق السياسي وهو توحيد مؤسسات الدولة. 

وفي المقابل، يحاول رئيس المجلس الرئاسى الليبى فائز السراج انقاذ مجلسه من الانهيار عبر التعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا، وذلك لوضع الترتيبات الأمنية الخاصة بالعاصمة طرابلس لتأمينها من الصراعات المسلحة التى تجرى، والقضاء على الجماعات المتطرفة التى انتلقت إلى مدن الغرب الليبى. كما أقر المجلس الرئاسي والمصرف المركزي في سبتمبر الماضي، برنامج الإصلاحات الاقتصادية التي من أهمها، تعديل سعر الدولار مقابل الدينار الليبي، ورفع جزئي للدعم عن المحروقات، وذلك بعد مفاوضات وخلافات استمرّت أشهرًا. 

وتخلل ذلك، التعديل الجزئي الذي أجراه رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج على حكومته والذي جاء من خلال تغيير وزراء الداخلية والاقتصاد الوطني والمالية بآخرين "منهم اثنان من قيادات الإخوان وهما: فتحي باش آغا، وعلي العيساوي" وثالثٌ محسوب على التكنوقراط وهو علي بومطاري. وطرح التعديل علامة استفهام للمراقبين للشأن الليبي بخصوص ما إذا كان السراج يريد بتلك الخطوة إعادة تموقعه بدعم جماعات الإسلام المتشدد عبر "محاولة الالتفاف على ما يطبخه مجلسا النواب والأعلى للدولة على نار هادئة، ويستهدف إعادة تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة". 

وعدَّ عضو مجلس النواب سالم قنيدي ما أقدم عليه السراج محاولة للهروب إلى الأمام من هذا الاستحقاق، فيما قال البرلمان في بيان إنه "مخالفة للاتفاق السياسي" و"إجراء غير قانوني". هذا الموقف انسجم مع موقف المجلس الأعلى الذي وصف نائب رئيسه فوزي عقاب التعديل الوزاري بأنه "خادع، وهو كلعبة القبعة والأرنب للساحر". 

من جهتهم، طالب 40 عضواً من نواب المنطقة الغربية، المجلس الرئاسي باحترام الاتفاق السياسي الذي أتى به لسدة الحكم، معتبرين ما يقوم به حاليا من خطوات لإعادة تكليف حكومة جديدة خارج الاتفاق السياسي هي مناورة سياسية لا مبرر لها ولا طائل إيجابي من وراءها ، ولن تزيد الوضع بالبلاد إلا تأزماً واستمراراً لحالة الانقسام القائم. 

ويبدو أن تحركات السراج في محاولة لإنعاش حكومته، لن تحدث فارقا جديدا حيث يرى الكثيرون أنه فشلت في فرض نفسها سبب ضعفها وإعتمادها على المليشيات. وكان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، كشف في وقت سابق، عن أسباب عدم منحه الثقة لحكومة فايز السراج التي يعترف بها المجتمع الدولي في ظرف يعد فيه مجلس النواب طرفا في الخلاف الليبي. 

وقال رئيس البرلمان الليبي في حواره مع مركز الأداء الاستراتيجي في مدريد بإسبانيا، إنه "عندما قُدمت حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج كنت من ضمن من رفضوا هذه الحكومة باعتبار أنني أرى أنها ضعيفة ولا يمكنها قيادة ليبيا في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد". وأضاف: "وهذا ما حدث بالفعل، الحكومة لها ما يقارب عن عامين ولم تتمكن من انجاز استحقاق مهم وهو بسط الأمن وتوحيد المؤسسات الدولة". 

تعطي المؤشرات الحالية للمشهد السياسي الليبي، دلالة بانتهاء دور حكومة الوفاق الوطني، إذ يرى مراقبون أن المجتمع الدولي قد تفطن لضعفها وعجزها عن مواجهة التحديات الكبرى في البلاد وحل أزمات ليبيا التى باتت معقدة. ويشير هؤلاء إلى أن العديد من الأطراف المحلية والدولية تعول على الانتخابات لإرساء حكومة جديدة تكون قادرة على الخروج من الأزمة وتحقيق الاستقرار في ليبيا.