تسببت جائحة كورونا في خسائر متعددة على جميع الأصعدة إذا لم تقتصر فقط على عدد المصابين بالفيروس المستجد الذي فاقت 87 مليون حالة إصابة مؤكدة و تواصل ارتفاع عدد الضحايا الذي بلغ 1,882,778حالة وفاة، بل تجاوز الخسائر البشرية و الصحية إلى التأثير على كل مفاصل سيرورة الوضع العالمي اقتصاديا و اجتماعيا، في أسوأ ركود يشهده منذ الركود الكبير.
مزيد من الفقراء
على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، ألحقت جائحة كورونا أشد الضرر بالفئات الفقيرة والأكثر احتياجا، وتُنذِر الآن بسقوط ملايين من الناس في براثن الفقر. فبعد عقود من التقدم المطرد في الحد من أعداد الفقراء الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، سيكون هذا العام إيذاناً بأول انتكاسة لجهود مكافحة الفقر المدقع في جيل كامل.
تسارع وتيرة هبوط النشاط الاقتصادي

لقد كان لهذه القيود التي فُرِضت لكبح انتشار الفيروس، ومن ثمَّ تخفيف الضغوط على أنظمة الرعاية الصحية المُنهكة والضعيفة، تأثير هائل على النمو الاقتصادي. وبعبارة مُبسَّطة، قال إصدار شهر يونيو من تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية "لقد أحدثت الجائحة أزمة عالمية ليس لها مثيل، أزمة صحية عالمية، علاوةً على خسائر بشرية هائلة حيث أفضت إلى أشد ركود شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية." وتنبَّأ التقرير بانكماش الاقتصاد العالمي وكذلك متوسط نصيب الفرد من الدخل هذا العام ليدفع بملايين من الناس في هوة الفقر المدقع.
تخفيف أعباء الديون
تضعف هذه التداعيات الاقتصادية قدرة البلدان على الاستجابة على نحو فعَّال للتأثيرات الصحية والاقتصادية للجائحة. دعا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في أبريل إلى تعليق مدفوعات خدمة الديون المستحقة على أشد البلدان فقرا لتمكينها من التركيز على مكافحة الجائحة. وقد مكَّنت مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين هذه البلدان من توفير مليارات الدولارات من أجل استجابتها في مواجهة الجائحة. ومع ذلك، كما يتبيَّن من الشكل التالي، فإن مخصصات خدمة الديون للدائنين الرسميين ستُشكِّل عبئاً ثقيلاً في الأعوام القادمة، وسيلزم اتخاذ إجراءات سريعة لتخفيف الديون من أجل تفادي ضياع عِقْد آخر.

انخفاض التحويلات المالية مع انخفاض أعداد المهاجرين والمغتربين
إن التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون والمغتربون إلى بلدانهم أمرُ مثير للقلق بصفة خاصة.  فخلال العقود المنصرمة، تزايدت أهمية الدور الذي تلعبه هذه التحويلات في تخفيف وطأة الفقر وتعزيز النمو. ففي العام الماضي فقط، كانت هذه التدفقات المالية مساويةً للاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدات الإنمائية الرسمية (من حكومة إلى حكومة).
ولكن جائحة كورونا أحدثت انتكاسة شديدة، حيث خلصت أحدث تنبؤاتنا إلى أن التحويلات المالية ستنخفض بنسبة 14% بنهاية عام 2021، وهي نظرة مستقبلية أفضل قليلاً من التقديرات في وقت سابق خلال الجائحة، التي لا تناقض حقيقة أن هذه تراجعات غير مسبوقة.
التأثيرات على منشآت الأعمال والوظائف
لقد أثَّرت الإغلاقات العامة الناجمة عن الجائحة تأثيراً شديداً على منشآت الأعمال والوظائف . وفى شتَّى أنحاء العالم، تتعرض الشركات - لاسيما المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في بلدان العالم النامية- لضغوط شديدة، إذ إن أكثر من نصفها لم تسدد ما عليها من متأخرات مستحقة الدفع أو من المرجح أن تتخلَّف قريباً عن السداد. ولفهم الضغوط التي يتعرَّض لها أداء الشركات بسبب جائحة كورونا، وكذلك التعديلات التي يتعين عليها إجراؤها، يقوم البنك الدولي وشركاؤه بإجراء مسوح استقصائية سريعة لجس نبض الأعمال في ظل جائحة كورونا وذلك بالتعاون مع حكومات البلدان المتعاملة معه.
ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية
لقد أبرزت الجائحة الحاجة إلى خدمات فعالة ميسورة التكلفة للرعاية الصحية.  وحتى قبل بدء الأزمة، كان الناس في البلدان النامية يدفعون أكثر من نصف تريليون دولار من مالهم الخاص ثمناً للرعاية الصحية. ويتسبب ذلك الإنفاق في مصاعب وأعباء مالية لأكثر من 900 مليون شخص، ويدفع حوالي 90 مليون شخص للسقوط في براثن الفقر المدقع سنويا، وهي دينامية من المؤكد تقريباً أنها تفاقمت بسبب الجائحة.
إغلاق الفصول الدراسية
في ذروة الإغلاقات العامة الناجمة عن الجائحة، فرض أكثر من 160 بلداً شكلاً من أشكال إغلاقات المدارس التي أثَّرت على ما لا يقل عن 1.5 مليار من الأطفال والشباب. وقد تمتد تأثيرات جائحة كورونا على التعليم لعدة عقود قادمة ، وليس مجرد نقصان التحصيل الدراسي في الأمد القصير، وإنما أيضاً تقليص الفرص الاقتصادية التي ستُتاح لهذا الجيل من الطلاب على الأمد الطويل.
وبسبب نقصان التحصيل الدراسي وزيادة معدلات التسرب من المدارس، من المحتمل أن يفقد هذا الجيل من الطلاب ما يُقدَّر بنحو 10 تريليونات دولار من الدخل أو قرابة 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وأن تبتعد البلدان أكثر عن المسار الصحيح إلى تحقيق أهدافها المتصلة بفقر التعلّم، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة مستوياته زيادةً كبيرة إلى 63%، أي ما يعادل 72 مليون طفل آخر في سن التعليم الابتدائي.

ملايين إضافيون بدون وجبات غذائية
فضلاً عن التعليم، يتعرض الأطفال من الذكور والإناث أيضاً للمعاناة بسبب الزيادة العالمية في مستويات نقص الأمن الغذائي ، وهو ما يؤثِّر على الناس في المناطق الحضرية والريفية على السواء. وتُظهِر مؤشراتنا للتنمية العالمية أنه حتى قبل ظهور جائحة كورونا، كان عدد الأشخاص الذين يعانون نقص التغذية، وهو مؤشر يتتبع عدد من لا يحصلون على سعرات حرارية كافية- في ازدياد بعد عقود من التراجع.
أوضاع الهشاشة والصراع والعنف: موطن المزيد والمزيد من الفقراء
في الكثير من الأماكن، أدَّى انعدام الأمن الغذائي وجائحة كورونا إلى اشتداد تأثير الهشاشة والصراع والعنف،  وهو ما يُنذِر بضياع ما تحقَّق من مكاسب إنمائية. ففي عام 2000، كان هناك واحد من كل خمسة فقراء مدقعين في العالم يعيش في بيئات تعاني أوضاع الهشاشة والصراع والعنف. ومنذ ذلك الحين، انحسرت باطراد معدلات الفقر في الاقتصادات الأخرى، لكن عدد الفقراء في البيئات التي تعاني هذه الأوضاع استمر في الزيادة.
اغتنام فرص الاستدامة
بالنسبة لأوضاع الهشاشة والصراع والعنف، وانعدام الأمن الغذائي، وعدد من التحديات الأخرى، يُمثِّل تغيُّر المناخ "عاملاً مُضاعِفاً للمخاطر".  وحتى مع تركيز العالم على الجائحة، فإن الصدمات المناخية والكوارث الطبيعية وخسائر تدهور المنظومة البيئية لم تتوقف. ولكن كيفية استجابتنا لجائحة كورونا قد تساعد على تقوية قدرتنا على معالجة المخاطر والصدمات في المستقبل. ومع اتخاذ الحكومات إجراءات عاجلة، وإرسائها أسس تعافيها المالي والاقتصادي والاجتماعي، تسنح لها فرصة فريدة لإقامة اقتصادات تتمتع بقدر كبير من الاستدامة والشمول والصمود.

* من تقرير للبنك الدولي