تظهر بيانات رسمية أن ليبيا تجاوزت الخط الأحمر في توازنها المالي، وأنها ضيعت إيرادات نفطية بقيمة 35 مليار دينار (28 مليار دولار) في الأشهر العشرة الماضية بسبب الاعتصامات والاحتجاجات في الموانئ والحقول النفطية، وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن المصرف المركزي -وهي الأولى من نوعها- إلى عجز كبير في الإيرادات والنفقات. ويعد المركزي الليبي المسؤول الأول عن استلام الإيرادات السيادية بالعملة الأجنبية أو المحلية، والتي تشكل إيرادات النفط الجزء الأكبر منها، وقد سجل قبل يومين انخفاض رصيده بالدولار من 132 إلى 113 مليار دولار، ليبلغ الفاقد من النقد الأجنبي 19 مليار دولار. وقد استلم المصرف المركزي إيرادات بقيمة 4.20 مليارات دولار في الأشهر الأربعة الماضية، في حين استلم في مارس/آذار من العام الماضي وحده 5.2 مليارات دولار. وحصلت البلاد على إيرادات نفطية تقدر بنحو 53 مليار دولار من يناير/كانون الثاني إلى ديسمبر/كانون الأول 2012. ومن يناير إلى 31 يوليو من العام الماضي ظلت إيرادات النفط قريبة من المعدلات السابقة دون تسجيل فروقات في الدخل بالعملات الأجنبية، أي ما يعادل 4.6 مليارات دولار شهريا. غير أنه بعد إغلاق موانئ النفط في منطقة الهلال النفطي، واستفحال اعتصامات الحقول في أغسطس/آب 2013، انخفضت الإيرادات بشكل كبير مقارنة بمعدل الإيرادات في الأشهر الخمسة الأخيرة من العام 2012.

الصرف بالعجز

ويشير مدير إدارة الأسواق المالية في مصرف ليبيا المركزي مصباح العكاري إلى أن ليبيا دولة مستهلكة تعتمد اعتمادا كليا على الواردات من الخارج في الخدمات والمواد الغذائية والمحروقات وتغطية تكاليف الطلبة والسفارات، مضيفا أن معدل المصروفات شهريا يبلغ 3.5 مليارات دولار شهريا. ويقول العكاري في تصريح للجزيرة نت إن الإيرادات الشهرية كانت بحدود 4.6 مليارات دولار شهريا بفائض تسعمائة مليون دولار في الشهر، مؤكدا أن أزمة النفط أجبرت المصرف المركزي على الصرف بالعجز بعد تدني الإيرادات إلى 1.027 مليار دولار شهريا. ويؤكد العكاري أنه لو غيّر المصرف المركزي سياسته النقدية لارتفعت الأسعار بشكل جنوني، موضحا أن الحركة الاقتصادية والنهضة العمرانية يقوم بها القطاع الخاص، وقد أنفق المصرف المركزي خلال عامي 2012 و2013 ما يقارب الثمانين مليار دولار لتغطية الالتزامات الخارجية. وحسب تقديرات الخبراء فإن الإيرادات الضائعة كفيلة بتوفير 70% من الالتزامات القائمة على الدولة في مشاريع الإسكان والتي تقدر قيمتها بثمانين مليار دينار (64 مليار دولار). كما امتدت الضائقة إلى إيقاف صرف منحة العائلات البالغة ألفي دينار (1600 دولار) والعلاوات والترقيات، وتوقف مشروع وزارة الاقتصاد لتوطين المشروعات الصغرى والكبرى في مدن درنة وبنغازي ومصراتة وطرابلس وسبها، الذي خصص له مليار دولار.

سحب بالعجز

هذه الأرقام والبيانات الرسمية تقول إن الحكومة الليبية تسحب بالعجز من المصرف المركزي الليبي، كما جرى في السلفة المالية الأخيرة البالغة سبعة مليارات دينار (5.6 مليارا دولار). ويشير عضو لجنة الطاقة بالمؤتمر الوطني العام (البرلمان) كامل الجطلاوي إلى أن إنتاج ليبيا النفطي قبل الأزمة كان يبلغ 1.5 مليون برميل يوميا، متسائلا عن كيفية تغطية المصروفات بعد كل هذه الأزمة النفطية الخانقة. وكشف الجطلاوي عن وجود اعتمادات مستندية بقيمة 47 مليار دينار (37.6 مليار دولار) في العام 2013، ولكن الجمارك لم تحصل منها إلا على 120 مليون دينار (96 مليون دولار) بسبب التلاعب في الإجراءات. وأضاف المتحدث نفسه أن استخدام النقد الأجنبي يحتاج إلى استفتاء الشعب عليه بـ"نعم" أو "لا"، محذرا من خطورة أوضاع ليبيا المالية في حال انخفاض أسعار النفط عالميا.

تقشف غير معلن

وقال مصدر مسؤول في وزارة المالية الليبية للجزيرة نت إن البلاد تعيش هذه الأيام في تقشف غير مُعلن، بحيث لم تعد تصرف إلا على المرتبات والمستشفيات والشرطة والجيش، وأشار المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته إلى تشديد في إجراءات الصرف. وأبان المتحدث نفسه أن عجز الموازنة "طبيعي في كل دول العالم من أميركا إلى تشاد، غير أن ليبيا لأول مرة تسجل هذا العجز"، مضيفا أن الأزمة لن تصل إلى فاتورة الوقود التي تدعمها الحكومة بنحو 13 مليار دينار (10.4 مليارات دولار) سنويا أو مرتبات الموظفين العاديين.

* نقلا عن الجزيرة نت