ذكر الكاتب ريمي كارايول في تقرير مطول نشره موقع مجلة جون أفريك الأسبوعية الفرنسية المهتمة بالشؤون الإفريقية في آخر عدد لها لشهر سبتمبر الماضي بعنوان "ليبيا جهادستان الجديدة" أنه في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"،  تتحول ليبيا تدريجيا إلى حضن للجماعات "الإرهابية" في المنطقة برمتها، حيث تعتبر البلاد مزودا للسلاح ومكانا ملائما لإعادة تنظيم الصفوف.

وكان وزير الدفاع الفرنسي جون إيف لودريان قد دق جرس الإنذار الأحداث الجارية في ليبيا، لكن صيحته جوبهت بلا مبالاة كبيرة باستثناء لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي رحب بمبادرة لودريان ودعوته إلى تحرك شامل لمواجهة الخطر الإرهابي في ليبيا.

ويرى كارايول أن الدول المتواجدة على الحدود الجنوبية لليبيا تعتبر الأكثر تفهما للموقف الفرنسي بسبب تحول جنوب البلاد إلى مركز لتحركات "الجهاديين" في المنطقة.

مخاطر

ويذكر كارايول أن لودريان لم يتوقف عن ترديد نفس العبارات التي يقول فيها "هناك خطر لانتشار تنظيم "داعش" بسبب الوضع المتهور في كل من سوريا والعراق، ولكن بسبب الوضع في ليبيا كذلك ، كما النيجر ومنطقة الساحل، ويجب علينا فعل شيء هنا"، علما وأنه قد أدلى بتصريحاته هذه خلال حوار له مع صحيفة لوفيغارو يوم 9 سبتمبر الماضي.

وفي الحوار ذاته ذكر الوزير أن جنوب ليبيا تحول إلى حضن للجماعات "الإرهابية" التي تتزود بالسلاح من المنطقة وتقوم بإعادة تنظيم صفوفها،  وكرر نفس الكلام في نفس اليوم بمناسبة اجتماع وزراء الدفاع الأوروبيين في ميلانو الإيطالية.

حرب

ويقر كارايول أن وقت الحرب لم يحن بعد بالنسبة إلى فرنسا، حيث لا تملك باريس لا الرغبة ولا الإمكانيات للذهاب بمفردها إلى ليبيا، في ظل انشغال حلفائها التقليديين (الولايات المتحدة وبريطانيا) بمكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية" ، ما جعل لودريان يؤكد خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا بنيويورك أن بلاده "تريد إشعار المجتمع الدولي بضرورة الاستعجال لمعالجة الأزمة الليبية" في محاولة للتوصل إلى مشروع خارطة طريق لإخراج ليبيا من الفوضى.

ويقول المقربون من لودريان إن التدخل في العراق دون حل المشكل الليبي لن يفيد في شيء، لأن ليبيا تحولت إلى "جهادستان جديدة" منذ سنتين بعد نجاح عملية "سيرفال" العسكرية الفرنسية في مالي وإفريقيا الوسطى في إضعاف صفوف "الجهاديين"، خاصة في ظل رصد المخابرات الفرنسية والأمريكية لتحركات جديدة "للجهاديين" في المنطقة.

ويقدر كارايول أن الجيران الجنوبيين لليبيا خاصة النيجر وتشاد عبروا عن قلقهم من الوضع الجاري في البلاد منذ أشهر،  خصوصا حضور آلاف "الجهاديين" في منطقة فزان وبرقة، خاصة منطقة فزان التي تحولت إلى منطقة رمادية.

يأتي ذلك بينما يقول مسؤول في جهاز مخابرات إحدى دول جوار ليبيا إنه من الصعب تحديد عدد "الجهاديين" في ليبيا باعتبار تحركهم المتواصل في المنطقة وقدومهم من مالي وتونس ومصر وحتى سوريا ، في ظل وجود قيادات من "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" وتنظيم "المرابطون" و"أنصار الشريعة".

منطقة عبور

ويقول عدد من الخبراء بينهم الألماني فولفرام لاخر -الذي يعتبر من القلائل الذين يزورون المنطقة بانتظام- أن وزن "الجهاديين" في ليبيا تم إعطاؤه أكثر من حجمه، مؤكدا ألا وزن لهم كفاعلين محليين، حيث لا يبدو حضورهم مترسخا ودائما في جنوب ليبيا.

إلا أن لاخر أكد مؤخرا أن مصادر محلية كشفت له أن هذه الجماعات بدأت في إنشاء معاقل تدريب واجتذاب مقاتلين محليين.

ويقدر لاخر أن هدف "الجهاديين" إلى حد الآن في منطقة فزان ليس تأسيس دولة إسلامية تمهيدا لدولة الخلافة، بينما يقول مصدر عسكري فرنسي إن السيطرة على الأرض ليست هدفا استراتيجيا للجهاديين، حيث يخيرون المنطقة كمكان للعبور والراحة يمكنهم من التدرب والاستعداد لتنفيذ الهجمات.

وبيّن المصدر الفرنسي ذاته أن هؤلاء المقاتلين قاموا بشراء منازل في منطقة أوباري وبين وسبها، كما قاموا بشراء ضيعات وأراض تتراوح مساحتها بين 20 و30 هكتارا يتم استخدامها كمعسكرات للتدريب.

من جهته يوضح مصدر مسؤول من النيجر قائلا: "نعلم أنه تم تشكيل كتائب عسكرية في المنطقة ونحن نعلم أسماءها، حيث تم تحديد كتيبتي مغاوير والكتيبة 11 التي تتكون كل واحدة منها من 100 مقاتل ويمتلكون ترسانة ثقيلة من الأسلحة".

طبيعة متحركة

في المقابل أكد مسؤول فرنسي أن هذه المعلومات ليست ذات قيمة على المدى البعيد، في ظل الطبيعة المتحركة التي تعتمد على معاقل تدريب وقتي.

وتؤكد مصادر فرنسية ومن منطقة الساحل أن عددا من قيادات الجماعات "الجهادية" تتمركز فعليا في جنوب ليبيا، على غرار أمير "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" عبد الملك دروكدال وقائد تنظيم "المرابطون" مختار بلمختار بالإضافة إلى عدد من قادة تنظيم "أنصار الشريعة".

ويقدر المسؤول المخابراتي أن "الجهاديين" لا يشاركون في النزاعات المحلية بين التبو والطوارق وأولاد سليمان كما لا ينوون السيطرة على الطرقات التي تستخدم للتهريب، بل يحافظون على هدوئهم من خلال شراء منازل ودفع المبالغ والتعامل مع التجار والسكان وقادة القبائل تماما مثلما حدث في مالي خلال السنوات الأخيرة.

ويضيف الكاتب كارايول أن الحضور الجهادي يمتد إلى إقليم برقة خصوصا في بنغازي ودرنة ، حيث تؤكد مصادر غربية أنها تعتبر مراكز القرار بالإضافة إلى وجود معسكرات تدريب في جنوب الإقليم على الحدود مع مصر، و يؤكد الخبير الألماني فولفرام لاخر أنها مكان تحركات مكثفة "للجهاديين".

وبين هذين المنطقتين الرماديتين أي برقة وفزان تفلت السيطرة الميدانية على ما تبقى من قوات الجيش الليبي لتبقى ممرا آمنا "للجهاديين" حيث يستخدم "الجهاديون" نفس مسالك تهريب السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر.

ويصف أحد المسؤولين العسكريين الفرنسيين ليبيا بالطريق "الجهادية السريعة العابرة للحدود" وهو ما يقلق فرنسا ودول جوار ليبيا، بينما يقول مقربون من لودريان إن التشابك بين الجماعات الجهادية لم يثبت بعد، لكن إمكانية التنسيق في ما بينها يبقى كبيرا.

ويخلص كارايول إلى أنه في صورة حدوث عملية تدخل في ليبيا،  سيكون هدفها الرئيسي "تقليم أظافر الجماعات الجهادية وتقليل قدرتها على الإضرار"، فيما يقول مسؤول فرنسي إنه الخيار الأبسط في انتظار عودة المسار الدستوري في ليبيا وإخراج "الجهاديين" من المعادلة الليبية.