كان صوت الممرض الحانق، في ساعات الصباح الأولى، على موجات الأثير يترجم بكل وضوح دقة الوضع وتأزمه في أول يوم لتطبيق الإجراء الحكومي القاضي بإجبارية الاستظهار بجواز التلقيح في الفضاءات العامة والخاصة بتونس.

قال الممرض واصفا الوضع في أحد المستشفيات الجهوية بالبلدان التونسية "الأعوان منعوا من الدخول ووقفوا على أعتاب أبواب المستشفى ينتظرون الإذن، الحالات المستعجلة، المرضى والمواطنون، كلنا سواء في هذه المعاناة" وأردف قائلا" تونس البلد الوحيد في العالم الذي يوصد أبواب أقسامه الإستعجالية في وجوه المرضى والحالات الحرجة، فعن أي جواز يتحدثون؟"

ويضيف الممرض التونسي" نحن لا نعارض هذا الإجراء ولكن في حدود معقولة ومدروسة وباستثناءات، لا يجب تطبيق القوانين قبل دراستها ودراسة تداعياتها من كل جانب".

منظومة إيفاكس تعاني عطلا تقنيا منذ يوم أمس ولم يتحصل إلا قرابة 70 ألف جوازهم الخاص حتى اليوم صباحا أين بدأت إجبارية الجواز المثير للجدل. وذلك حسب ما أفاد به لطفي العلاني مدير عام مركز الاعلامية بوزارة الصحة   في تصريحات إعلامية مؤكدا أن العطل ليس سببه الضغط فقط مشيرا إلى أنه تم تعديل الرقم السري الذي تمت قرصنة للتلاعب بجوازات التلقيح !

وأوضح لطفي العلاني مدير عام مركز الاعلامية بوزارة الصحة في تصريح لإذاعة موزاييك التونسية أنّ موقع ''إيفاكس''، يواجه اليوم بعض الصعوبات لا فقط بسبب الضغط على الموقع بل بسبب مشكل تقني في التطبيقة، وأن فريقا بصدد العمل على حلّها. وأكّد العلاني أنّه رغم التعطيلات التقنية للولوج إلى المنصة، تم اليوم استخراج أكثر من 3 ملايين نسخة بين جوازات وشهادات تلقيح.

وكشف أنه في غضون ست أو سبع ساعات سيتم حل الاشكال عبر تطبيقة محيّنة لـ''إيفاكس'' (V2). وفي رده على بلاغ منظمة ''أنا يقظ'' بخصوص اختراق موقع ''إيفاكس''، وتدليس جوازات تلقيح، قال العلاني في تصريحات لنفس الإذاعة إن الرقم السري الذي تمت قرصنته في ''EVAX'' تم تغييره، داعيا المجتمع المدني إلى مساعدة الوزارة في الكشف عن الجهة التي قامت باختراق الموقع.

وكانت منظمة العفو الدولية قد دعت يوم أمس، السلطات التونسية أن توقف تنفيذ المرسوم جديد المتعلق بجواز التلقيح ريثما يتم تعديله، والذي سيحرم أي شخص يبلغ من العمر 18 عاما أو أكثر لا يحمل “جواز التلقيح” من الدخول إلى عدد كبير من الفضاءات العامة والخاصة، ويحظر عليهم العمل في القطاع العام أو وظائف القطاع الخاص بأجر، وإذا كانوا مواطنين تونسيين- يمنعهم من السفر إلى الخارج.

وقالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية "بعد الأزمة الصحية هذا الصيف، يحظى سكان تونس بفرص أكبر بكثير للحصول على اللقاحات، ولكن لا يتمتع جميع الناس بإمكانية الوصول نفسها إلى الرعاية الصحية العامة أو اللقاحات. في سعي السلطات التونسية للحد من تفشي وباء فيروس كوفيد-19، يجب عليها الاكتفاء بفرض قيود ضرورية ومتناسبة لحماية الصحة العامة".

و أضافت القلالي "يجب على السلطات التونسية ألا تنفذ المرسوم الجديد قبل تعديله لضمان عدم انتهاك اشتراطات جواز التلقيح للقانون الدولي لحقوق الإنسان، من خلال تهديد لقمة عيش التونسيين من دون داعٍ عبر فرض عقوبات قاسية بلا مبرر على عدم الامتثال للقانون".

وقد نفذ عدد من المواطنين التونسيين، ظهر أمس الثلاثاء، وقفة احتجاجية أمام مقر المحكمة الإدارية بالعاصمة للمطالبة بإسقاط المرسوم الرئاسي المتعلق بإجبارية جواز التلقيح، معتبرين هذا الإجراء "تعديا على الحريات العامة وتدخلا في الحرية الجسدية للتونسيين". كما انتقد عدد كبير من الناشطين التونسيين هذا الإجراء "الغير مدروس" والعطل التقني لمنظمة إيفاكس.

وقد شهدت اليوم الأربعاء عديد المؤسسات العمومية اكتظاظا واحتقانا واحتجاجات واسعة النطاق في كامل ولايات الجمهورية خاصة بالمستشفيات والبلديات كما لم يتمكن العديد من الموظفين في القطاعين العام والخاص الالتحاق بمقرات أعمالهم بسبب عدم استخراج لجواز التلقيح الإجباري الذي بدأ العمل به في تونس بتاريخ اليوم الأربعاء 22 ديسمبر/كانون الأول.

تعيش تونس وضعا عاما متأزما ومتردّيا في ظل أزمة وتجاذبات سياسية خانقة عمقت معاناة المواطن البسيط الذي يغرق يوما بعد يوم في دوامة العجز وتدهور المقدرة الشرائية وتراجع كل المؤشرات الحيوية من اقتصادية واجتماعية وحتى صحية ويؤكد الخبراء والمحللون أن تطبيق إجبارية جواز التلقيح دون دراسة تداعياته لايزيد إلا تعميق للأزمة بل وتتزايد المخاوف من تأثير هذا الإجراء على عودة الدراسة بنسقها الطبيعي بعد عطلة الثلاثي الثاني بإجبارية هذا الجواز لمن يتجاوز سنهم الـ15 سنة في حين أن أغلب هذه الفئة العمرية لم تتلقى تلاقيح كورونا فهل ستغلق المعاهد والجامعات التونسية أبوابها بسبب هذا الإجراء؟