في مقالة نشرها جان بيير فيليو هو أستاذ دراسات الشرق الأوسط في قسم العلوم السياسية في "كلية باريس للشؤون الدولية" على "موقع منتدى فكرة". و معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى،مؤخر،كشف الخبير الفرنسي عن ترابط حلقات العنف الديني في فرنسا منذ بداية تسعينات القرن الماضي و حتى اليوم.أي منذ أن استقبلت أنصار الجماعة الإسلامية الجزائرية المسلحة،و التي كانت تقود العمل الجهادي ضد الدولة الجزائرية في أعقاب دخول الجزائر دائرة العنف و تعطل المسار الانتخابي العام 1992.

فالشبكة الإرهابية المسؤولة عن مقتل سبعة عشر شخصاً في باريس الأسبوع الماضي تضم مجموعة مقلقة مؤلفة من ثلاثة أجيال من الجهاديين، تتغذى كلها من النزاعات القائمة في الشرق الأوسط وهي: جيل التسعينيات المرتكز على أحداث الجزائر، والشبكات المنبثقة من العقد الأول من القرن الواحد والعشرين المحفزة من قبل أحداث العراق، والجهاد العالمي الذي برز في العقد الحالي، على خلفية منافسة شرسة بين تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام»/«الدولة الإسلامية».
و يشير فيليو في مقاله الى أن هذه المجموعة الخطرة تقع في صلب «خلية الدائرة الـ 19» أو شبكة «بوت شومون»، التي نشطت في إرسال متطوعين لمحاربة القوات الأمريكية في العراق منذ عام 2004 حتى تفككها عام 2005. واعتُبر التونسي الفرنسي أبو بكر الحكيم الشخصية الرئيسية في هذه الشبكة الذي التحق قبل الغزو الأمريكي للعراق بـ «الفيلق العربي» التابع لصدام حسين والذي كان يضم أفراداً موالين للنظام. وبعد سقوط صدام، خضع أبو بكر الحكيم وشركاؤه لتدريب على أيدي ضباط سابقين في المخابرات العراقية، وقد تبعوهم ليصبحوا جهاديين ناشطين في مدينة الفلوجة، معقل الفرع العراقي لتنظيم «القاعدة». ولقي رضوان الحكيم، وهو شقيق أبو بكر، حتفه هناك إثر قصف أمريكي استهدف المدينة في شهر تموز/يوليو عام 2004 بينما أقام أبو بكر الحكيم تعاوناً متيناً مع الشرطة السرية التابعة لبشار الأسد، نظراً لمروره المتكرر عبر سوريا.ونظراً لخبرته في القتال، بات أبو بكر الحكيم قدوة لـ "رفاقه" في شبكة «بوت شومون»، بمن فيهم شريف كواشي وشقيقه الأكبر سناً سعيد كواشي. وقد ألقي القبض على أبو بكر الحكيم وشريف كواشي في عام 2005 وحُكم عليهما بالسجن في عام 2008 بالإضافة إلى خمسة من شركائهم. وتخلى بعضهم عن التطرف خلال فترة سجنهم، من بينهم فريد بنيتو، وهو "الزعيم الروحي" للشبكة، الذي لم يغادر فرنسا قط. غير أن أبو بكر الحكيم وشريف كواشي بقيا يتطلعان إلى بعض زملائهم المعتقلين، بمن فيهم الجهادي الجزائري إسماعيل عيط علي بلقاسم، الذي سُجن على خلفية مشاركته في الهجوم الإرهابي الذي طال شبكة المترو في باريس في تشرين الأول/أكتوبر عام 1995.
وهكذا قام أبو بكر الحكيم وشريف كواشي بسد الفجوة بين جيلهما "العراقي" وأسلافهم من "الجزائريين". وبعد بضع سنوات على إطلاق سراحهما، انخرطا في الجهاد العالمي بعد أن بلغ أوجهه. وفي الفترة التي تلت حكم بن علي في تونس، أعدّ الحكيم فرق جنود "كوماندوز" جهادية اغتالت قائدين يساريين بارزين في شباط/فبراير وتموز/يوليو عام 2013، مهددةً بذلك فترة الانتقال الديمقراطي في البلاد. وانتظر الحكيم حتى الأيام الأخيرة من عام 2014 لكي يتبنّى من شمال سوريا عملية الاغتيال المزدوجة باسم تنظيم «الدولة الإسلامية».وفي غضون ذلك، خطط شريف كواشي مع أميدي كوليبالي، وهو مجرم "قد تمت إعادة تأهيله"، لعملية فرار عيط علي بلقاسم. إلا أن المخطط أُحبط في أيار/مايو 2010 وسُجن كوليبالي لغاية آذار/مارس 2014، فيما اعتُقل شريف كواشي لفترة وجيزة. وبعد إطلاق سراحه، انضم شريف إلى شقيقه سعيد في اليمن حيث خضعا لتدريب على أيدي تنظيم «القاعدة في شبه جزيرة العرب» بتوجيه من الإمام الأمريكي -اليمني أنور العولقي (الذي قُتل في غارة جوية نفذتها طائرة بدون طيار تابعة لوكالة المخابرات المركزية في أيلول/سبتمبر 2011).
و يرى فيليو أننا ستنكشف على الأرجح عما قريب الروابط بين الحكيم و تنظيم «الدولة الإسلامية» من جهة والشقيقين كواشي، المسؤولَيْن عن مجزرة "شارلي إبدو" من جهة أخرى، علماً أن شريف وسعيد الكواشي قد وجها تحية تقدير للعولقي وتنظيم «القاعدة في شبه جزيرة العرب» بعد تنفيذ عملية القتل. ولكنّ كوليبالي، الذي قتل أربعة مواطنين يهود وشرطية واحدة في هجومين منفصلين، كان قد أعلن ولاءه بصراحة لتنظيم «الدولة الإسلامية» وخليفته أبو بكر البغدادي في شريط الفيديو الذي نُشر بعد وفاته، فيما كانت شريكته قد قصدت أراضي خاضعة لسيطرة التنظيم في سوريا.

و يرى فيليو في مقالته أن هذه الظاهرة العابرة تسلط الضوء على الكيفية التي تم فيها تصدير النزاعات الأجنبية من العالم العربي إلى فرنسا. ويعود ذلك بلا شك جزئياً إلى سياسات الأسد والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، اللذَيْن احتضنا الجهاديين لإقناع الغرب أنه لا بد من إبقائهما في السلطة. وقد تم للتو دفع ثمن هذه المعادلة المشؤومة بدماء الضحايا الفرنسيين. فالإبقاء على الديكتاتوريين لا يساهم إلا في تقوية الجهاديين، وهذه عبرة أخرى يمكن استخلاصها من أحداث باريس المأساوية.