احتقنت العلاقة بين فرنسا والمغرب منذ ما يقرب من عشرة أشهر دون أن تتمكن باريس من إيجاد مخرج للأزمة. فعلاوة على التبعات الاقتصادية المحتملة، أفضى هذا الوضع إلى تعقيد مهمة الأجهزة الأمنية في الوقت الذي تواجه فيه خطر الإرهاب.
"إن هذا القطيعة في العلاقات لن يمر من دون عواقب وخيمة، يفيد مسؤول كبير. أولا، لم تعد هناك إنابة قضائية دولية وأصبحت جميع الملفات حبيسة الرفوف حتى إشعار آخر. وثانيا، لأن المغرب تحصل، نظريا، على معلومات مهمة من موريتانيا على وجه الخصوص ومن الساحل الإفريقي والصحراء، حيث تتواجد الجماعات الإرهابية وتجار المخدرات بجميع أصنافها". وأخيرا، فإن الخبراء الفرنسيين يدركون أن المملكة المغربية من أكبر المزودين لوحدات المقاتلين المتطوعين المجندين تحت راية داعش. "هناك حوالي 1.500 مغربيا و1.200 فرنسيا أو مقيما حاليا ضمن الفصائل الجهادية في سوريا، يقول أحد الخبراء. ومن صالحنا مقارنة المعلومات التي يمكن أن نجمعها في هذه المنطقة المشتعلة، وذلك من أجل تحديد وتجنب الانتهاكات التي يُحتمل وقوعها من قبل المجندين العائدين ... " لكن هذا لن يخلو من بعض الإحراج، يشير مسؤول فرنسي رفيع، لافتا الانتباه لـ "جمود" التعاون الفرنسي-المغربي".

إن قدوم سبعة من رجال الأمن في 20 فبراير الماضي إلى مقر إقامة السفير في نويي-سور- سين، لتسليم إشعار قضائي إلى عبد اللطيف الحموشي، رئيس الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني إثر شكاوي ضده في فرنسا تتهمه بممارسة التعذيب، هو ما زاد الطين بلة، رغم أن ذلك لم يكن السبب الوحيد، حسب ما صرح به للوفيغارو  ذات المسؤول.  فيما توالت أحداث أخرى لتزيد من تأزم العلاقات..."
ومن بين هذه "الحوادث" تفتيش وزير الخارجية، صلاح الدين مزوار، رغم توفره على جواز سفر دبلوماسي، في 26 مارس عند عبوره من مطار روسي شارل ديغول بباريس. وهو الحادث الذي اعتبرته الرباط بمثابة إهانة أخرى وقاد لوران فابيوس لتقديم الاعتذار لنظيره المغربي. وفي هذا الإطار، جاء بيان وزارة الخارجية الفرنسية، "يدعو المصالح المختصة لوزارة الداخلية والمطارات الفرنسية إلى توفير كل ما من شأنه أن يمكن من احترام القواعد والأعراف الدبلوماسية المتعلقة بوزراء الخارجية ورؤساء الدول والحكومات".  هذا فضلا عن ملفات أخرى أكثر غموضا، لم يُكشف عن تفاصيلها، قد تزيد من حدة التوتر في العلاقات الثنائية بين البلدين.
العلاقات الشخصية
ووفقا لمصدر مطلع، "هذه الحوادث هي فقط ذرائع لأن المغرب يريد أن يحد من أي تقرب من فرنسا خوفا من ردة فعل الإسلاميين المتطرفين الموجودين على أرضه". محمد السادس أبان عن مزاج سيئ عندما كلف أخته الأميرة للا مريم لحضور افتتاح معرض حول "المغرب المعاصر" نُظم بمعهد العالم العربي. ولم تثن لا زيارة إليزابيث غيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية، ولا أن جاك لانج، وهما الإثنين من "أصدقاء" المغرب لفترة طويلة، ولا حتى الخطابات الودية لمانويل فالس خلال حضوره العيد الوطني للمغرب، كلها لم تثن الرباط عن تليين موقفها اتجاه الأزمة بين البلدين.
"إن حالة برود قطبي استمر أكثر مما ينبغي تماما"، يصف مصدر استنكر هذه "القطيعة" المثيرة للقلق التي طبعت "التعاون التقليدي الوثيق" بين البلدين في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب. هذا التعاون الذي يرجع إلى عشرين عاما خلت، عندما تم استجواب سبعة شبان تورطوا في هجوم دامي على فندق بمدينة مراكش في 24 أغسطس 1994. وتعزز هذا التعاون في أعقاب هجوم نيسان 2011 على مقهى بجامع الفنا. "ومنذ شهور، تعطلت جميع الأنشطة في سفارة فرنسا بالمغرب، إلى درجة استدعاء قاضي الاتصال الفرنسي إلى باريس حتى إشعار آخر"، يقر لنا مصدر حكومي. ولتجنب امتداد الأزمة إلى الخدمات في حالات الطوارئ، أضحت بعض العلاقات الشخصية الودية المحدودة هي المنفذ الوحيد للحفاظ على التبادل بين الطرفين بشكل غير رسمي. هذه هي "منافذ الطوارئ" التي باتت أخر الحلول في ظل النزاع الدبلوماسي القائم.