يبدو أن ليبيا تتجه الى إتخاذ مبادرة تشريعية بتصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية محظورة، في محاولة جديدة لتضييق الخناق على التنظيم الذي يساهم بحسب الكثيرين في إطالة أمد الأزمة في البلاد عبر تمكين الملشيات المسلحة وتأجيج الصراعات ومحاولة إجهاض مبادرات تحقيق الإستقرار.

وقع 20 نائبا برلمانيا ليبيا،الأحد،عريضة تطالب مجلس النواب بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في البلاد "جماعة إرهابية محظورة"، وذلك بعد إعلان رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، السبت استقالته من الجماعة.وقال النواب العشرون في بيان مشترك:"تابعنا كما تابع عموم الشعب الليبي ما وصفها رئيس مجلس الدولة خالد المشري، استقالته من جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، معللاً تلك الاستقالة، إن صدقت، بعدم إنجاز الجماعة للمراجعات المطلوبة".

وأضاف البيان "نطالب رئاسة مجلس النواب بوضع بند في جدول أعماله القادم للتصويت على مشروع قانون يجرم جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جماعة إرهابية محظورة".وأشار البيان إلى أن "دعم جماعة الإخوان المسلمين للإرهاب واضح منذ البداية سواء في بنغازي أو درنة مادياً وسياسياً وإعلامياً، كما أنها تعارض أي حل سياسي ينهي حالة الانقسام الحاصل في البلاد وعرقلة مسيرة بناء الدولة ومؤسساتها".

وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري،أعلن استقالته من جماعة "الإخوان المسلمين"،في بيان مصور،بثه عبر صفحته على "فيسبوك":قال فيه "انطلاقاً من المقتضيات الوطنية الفكرية والسياسية، ومن باب الصدح بالقناعة والوضوح مع المواطن الليبي، فإنني أعلن استقالتي وانسحابي من جماعة الإخوان، مع استمراري في العمل السياسي والحزبي، والاحتفاظ بكل الود والاحترام لكل أعضاء الجماعة".

وأرجع استقالته إلى "عدم تنفيذ التغيرات والمراجعات الجوهرية التي تنطوي على مصالح عليا لهذا البلد، وتم الاتفاق بشأنها في المؤتمر العاشر" لجمعية "الإخوان" في طرابلس، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2015، وأبرزها إنهاء وجود الجمعية، و"التحول إلى العمل المؤسسي، من خلال مؤسسات المجتمع المدني في مختلف المجالات".

واعتبر مراقبون أن إعلان المشري انسحابه من تنظيم الإخوان يأتي في إطار المراوغة السياسية ومحاولة إقناع الداخل والخارج بتخليه عن الجماعة، للسير قدما في مسيرته السياسية دون أي عوائق.ويعزو هؤلاء تشكيكهم في خطوة المشري إلى أن الرجل نفسه ألمح في خطاب "الانسحاب" إلى استمراره بالعمل في إطار حزبي، في إشارة واضحة إلى حزب العدالة والبناء الذراع السياسي للإخوان.

وانضم إلى المشككين النواب الذين اعتبر بعضهم الإستقالة "مجرد مناورة سياسية جديدة"، خصوصاً أنها تأتي بعد يومين فقط من توجيه المشري رسالة موجهة إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وزعها مجلس الدولة، يدعوه خلالها إلى عقد اجتماع جديد بين مجلسي الدولة والنواب للبحث في تعيينات المناصب السيادية.

وليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها برلمانيون مسألة تجريم "الاخوان"،ففي يوليو 2018،أكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب طارق الجروشي، أن "عددا من النواب قد قدموا إلى رئاسة مجلس النواب بند مستعجل بضرورة إعلان جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً ارهابياً خطيراً ومن ثم ستتم ملاحقتهم بدعاوى جنائية قضائية وتطبيق قانون مكافحة الإرهاب

وجاء ذلك في أعقاب مطالبة عضو المؤتمر الليبي المنتهية ولايته، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين فرع ليبيا، محمد مرغم،عبر قناة "التناصح" التي يديرها مفتي الإخوان في ليبيا، الصادق الغرياني،  بتدخل تركيا ضد الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.وهو ما أثار جدلا كبيرا في ليبيا واعتبره كثيرون خيانة للوطن.

ويعتبر "الاخوان" في ليبيا الذراع السياسي لتركيا،التي تتهمها عدة أطراف ليبية بمحاولات نشر الفوضى في البلاد.وأبرز الأدلة على هذا الدعم شحنات السلاح المختلفة التي تتدفق إلى الجماعات الإرهابية في ليبيا قادمة من تركيا وبأموال قطرية بهدف استمرار الفوضى في ليبيا، وتمكين الجماعات الإرهابية وثيقة الصلة بالتنظيم الدولي لجماعة "الإخوان" من السيطرة على البلاد.

ويرى مراقبون،أن الجماعة التي أظهرت دعمها للجماعات الإرهابية، خاصة خلال معركة تحرير مدينة درنة الليبية من تظيمات داعش والقاعدة، وسعت الجماعة لتشتيت جهود الجيش الليبي من خلال التحرك نحو منطقة الهلال النفطي الليبي، كل هذا ساهم في تسريع التحركات الخاصة بتصنيفهم جماعة إرهابية.

وفي هذا السياق،قال رئيس المجلس الأعلى ورشفانة د. مبروك أبوعميد،في تصريح لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، "إن تنظيم ما يسمى بالإخوان المسلمين هو أحد التنظيمات التي تمارس الإرهاب وهذا ما أثبتته الوقائع والأحداث في ليبيا، وباعتراف قياداتهم بأنهم من كان ينقل السلاح وجرافات الموت إلى بنغازي ودرنة وهم من يشعلون الحروب في المنطقة الغربية.

واكد أبوعميد، أنه على مجلس النواب إصدار قانون يضع تنظيم الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي وحظر كل الأحزاب حتى يتم الاتفاق على دستور يرتضيه الشعب الليبي وإصدار قانون من الجسم التشريعي يحدد آليات وضوابط الممارسة السياسية.

وتأتي هذه التطورات في وقت تتواصل فيه الجهود لاخراج البلاد من أزمتها،حيث تطمح خارطة الطريق الأممية الخاصة بليبيا إلى عقد مؤتمر وطني جامع وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية العام الجاري، لكن هذه الخطة تواجه الكثير من المقاومة من قبل تيار الإسلام السياسي، الذي يدفع باتجاه التمديد لحالة عدم الاستقرار التي تشهدها 

هذا ما أشار إليه الجمعة رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، في حوار صحافي، قال فيه إن "جماعة الإخوان وتركيا وقطر تعرقل الانتخابات في البلاد"، التي ينتظرها الشعب الليبي لاستعادة دولتهم.

وتدرك جماعة الإخوان أن إجراء الانتخابات الرئاسية لم يحقق لهم أي نجاح يسعون إليه في البلاد، كما حدث معهم في الانتخابات السابقة.ونقلت "العربية نت"، مسؤول ليبي اختار عدم ذكر اسمه،أن "الإسلاميين سواء كانوا جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا أو الجماعة الإسلامية المقاتلة من خلال جناحهم السياسي وهو حزب الوطن الذي يترأسه عبد الحكيم بالحاج، أو باقي التيارات المؤدلجة من تيار الإسلام السياسي، يسعون جاهدين لإجهاض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال هذا العام، خوفاً من الخسارة وفقدان مكاسبهم"، مشيراً إلى أنّ هذه الخطة الاستراتيجية مدعومة من تركيا وقطر.

وأضاف المسؤول: "أكثر من 90% من الليبيين لن يصوتوا للمرشحين الإسلاميين، نظراً لأنهم لا يتمتعون بقاعدة شعبية ولا يحظون برضا الشارع الليبي، بالإضافة إلى السوابق العديدة في انخراطهم في دعم أعمال عنف داخل البلاد، كأحداث "فجر ليبيا" بطرابلس أو دعمهم السياسي لجماعات مجلس شورى مجاهدي درنة ومجلس شورى ثوار بنغازي.

وتتحرك المليشيات في العاصمة الليبية طرابلس بين الحين والآخر مشعلة فتيل الصراع في مشهد يؤكد الكثيرون أنه يأتي في اطار خطط تيار الاسلام السياسي لاجهاض محاولات الذهاب الى الانتخابات وانهاء الفوضى في البلاد.ويرى البعض أن هذه الأطراف ستواصل في هذا التوجه من أجل إطالة الأزمة الليبية وتأجيج الفوضى التي تنتعش منها.

وتتواصل في ليبيا المساعي على الصعيد السياسي لتجاوز حالة الجمود وانهاء الانقسامات بين الفرقاء،وعلى الصعيد العسكري يستمر الجيش الوطني الليبي في اجتثاث المعاقل الارهابية لاعادة الاستقرار في هذا البلد الذي يشهد منذ العام 2011 أزمة خانقة جعلته في حالة شلل تام. وبين هذا وذاك،يأمل الليبيون في استعادة وطنهم وبناء مستقبل أفضل بعيدا عن التطرف والعنف.