من يحكم الجزائر؟ وكيف هي الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة؟ ليس مجرد سؤالين يعبران عما يجول بأروقة الصحافة الفرنسية، ولكنهما، في حد ذاتهما، سؤالان في طياتهما إجابة واضحة إزاء نظرة الآخرين إلى ما يحمله المستقبل في جعبته عن مستقبل الجزائر ما بعد بوتفليقة؟

وحسب يومية الخبر، قد تبدو من الوهلة الأولى مثل هذه الأسئلة استفزازية بالنسبة لسلطة، لم تقل إن كان الرئيس بوتفليقة قد انتقل إلى غرونوبل، وبالضبط إلى عيادة لامبير، لتلقي بعض العلاج، الجمعة، أم لم يفعل. ولكن، عندما يتعلق الأمر بفرنسا والفرنسيين، لا يمكن أن يتخذ هؤلاء هكذا معلومة حدثا عابرا، ولو تعلق الأمر بـ”فحص روتيني”، لأن الأمر يتعلق برئيس دولة، ولم يكن أمام تلك الصحيفة المحلية المغمورة بغرونوبل (لودوفين ليبيري)، أن تقتفي آثار ذلك الموكب المؤمن، لولا أن الأمر يتعلق برئيس.

والصحافة الفرنسية لم تجعل من تواجد بوتفليقة في “لامبير” حدثا عابرا، لأن الأمر لا يتعلق فقط بحالة مرضية قيد العلاج، ولكن لأنه يتعلق بحالة دولة، لم تتحرج الصحافة الفرنسية في التساؤل عن مستقبلها، وبعضها وضع عنوانا كبيرا رافق خروج موكب الرئيس بوتفليقة من لامبير، مفاده: من يحكم الجزائر؟

السؤال طرحته صحيفة “لوفيغارو” بعد رحلة الرئيس بوتفليقة إلى فرنسا، السؤال ملغم بشحنة زائدة من الحيرة، كحيرة الصحافة الوطنية التي انقسمت بين من قالت إن الرئيس في فرنسا للعلاج، وبين تلك التي فندت الخبر، بينما الفريقان كانا معلقين من رقبتيهما على بيان من رئاسة الجمهورية، لم يعلن، وهذا السوسبانس بين “نعم أم لا”، بدا وأن الإعلام الفرنسي قد تجاوزه، فراح يسأل عن “بداية معركة ما بعد بوتفليقة”، مثلما عنونته صحيفة “لوموند”، وهو سؤال مطروح أصلا في الجزائر، ومطروح أكثر في “مونولوجات” لجزائري يسأل نفسه عن مستقبل بلده، أكثر مما هو متداول في هجمات لمعارضة، تريد إنهاء ما تسميه “حالة الشغور.

والمعارضة كانت حاضرة هذه المرة في الصحف الفرنسية التي تحدثت عن علاج بوتفليقة في غرونوبل، عندما ربطت “مونتيكارلو الدولية” المعارضة بوضع الرئيس، وقالت إن علي بن فليس ومولود حمروش وسفيان جيلالي “استاؤوا من الفوضى وفراغ السلطة”، ونقلت ما قالت إنه رأي محللين يفيد بأن “السلطة بالجزائر ليست مرتبطة برجل واحد، بل إن النظام قائم على نخبة تدير مؤسسات الدولة”. وتخلص “لوفيغارو” إلى أن السلطة تقوم “بتصريف الأعمال ولكن في غياب أي قرار سياسي، ما يثير حالة من القلق”.

“قلق” لم يعبر عنه سؤال صحيفة “لوباريزيان”.. سؤال بدا بريئا جدا، مفاده “كيف هي الحالة الصحية للرئيس الجزائري؟”. لكن الصحيفة لم تمعن في محاولة معرفة حقيقة الحالة الصحية لبوتفليقة، بقدر ما اهتمت لما وصفته “الغموض الذي يبقى سيد الموقف في الجزائر، حيث تعتمد السلطات سياسة التكتم المطبق على صحة الرئيس”.

وزادت الصحيفة تقول: “.. ولكن الجزائريين يعلمون أن بوتفليقة لا يتولى الحكم حقيقة منذ سنوات، فالنظام ثنائي الرأس: الرئاسة والمخابرات”. وتعليق “لوباريزيان” لم يتوقف هنا، بل هنا: “إن الجزائر مرشحة للدخول في المجهول في حال انسحاب بوتفليقة من الحكم وسط غياب خليفة له على رأس السلطة؟”. بينما أجابت “لوموند” عن تساؤل “لوباريزيان” عندما قالت الأولى إن “النظام في الجزائر يسعى لربح الوقت، بينما الوضع شارف على الانسداد، ومحيط الرئيس مازال يتجاهل حالة الشغور”.

بعيدا عن فرنسا، كتب الإعلامي الفلسطيني، عبد الباري عطوان في صحيفة “رأي اليوم”، يقول: “الرئيس الجزائري يجب أن يرتاح، ويترك كرسي القيادة إلى شخص آخر يختاره الشعب”. وتابع عطوان: “نتمنى للرئيس بوتفليقة، ومن أعماق قلبنا، الشفاء العاجل، ولكننا لا نريده أن يتحول إلى “بورقيبة آخر”، وأن تبقى صورته ناصعة في عيون الغالبية من الشعب الجزائري التي أحبته وانتخبته وأوصلته إلى قمة الحكم”.

صحفي “لودوفين ليبيري”، الذي كشف تواجد الرئيس بوتفليقة في عيادة “لامبير” بغرونوبل، اسمه “دونيس ميسلييه”، ويزعم حقيقة أنه حقق سبقا صحفيا بكشفه الأمر، والظاهر أن المعني اغتاظ لتكذيب بعض الصحافة الجزائرية خبر تواجد الرئيس هناك، فقال أمس: “تأكدت فعلا أن الرئيس بوتفليقة متواجد هنا (غرونوبل)، أكدت المعلومة بنفسي ثم انتقلنا إلى عين المكان لأخذ صور”. وسئل لماذا اختار بوتفليقة هذه العيادة، فأجاب: “لأن الطبيب الذي كان يتابع وضعه الصحي بفال دوغراس، يشتغل حاليا في عيادة غرونوبل”. ثم سئل إن كانت العيادة استقبلت مسؤولين بحجم رؤساء دول؟ فأجاب: “بوتفليقة هو رئيس الدولة الوحيد الذي جاء إلى هنا، وأعتقد أنه جاء من أجل فحص طبي خفيف باعتبار أنه لم يمكث إلا يوما واحدا”.