مَنع الامن الرئاسي التونسي أمس "هيئة الحقيقة والكرامة" (هيئة دستورية تعمل في اطار منظومة العدالة الانتقالية) من نقل ارشيف القصر الرئاسي، الامر الذي اثار جدلا كبيرا وسط الساحة السياسية التونسية ودخلت على الخط المؤسسات الرسمية لتبدي موقفها تجاه عملية المنع ومدى مشروعيتها من عدمها .رئيسة "هيئة الحقيقة والكرامة" "سهام بن سدرين" اعتبرت ان اجراء المنع من قبل الامن الرئاسي هو انقلاب على رئيس الدولة ومؤسساتها باعتبار ان الرئيس المنتهية ولايته"المنصف المرزوقي" هو القائد الاعلى للقوات المسلحة .في المقابل اكد كاتب عام نقابة الأمن الرئاسي،هشام الغربي، أن الأمن الرئاسي قام بواجبه ،وذلك بعد ان تلقى الأوامر من مدير عام الإدارة العامة للأمن الرئاسي بعدم السماح لإخراج أي وثيقة من القصر.وبين ان حساسيّة المرحلة لا تسمح بتسليم الارشيف الرئاسي، ولا يمكن السماح بالتصرف في الأرشيف الرئاسي إلا عند تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب "الباجي قائد السبسي".

المدير العام للأمن الرئاسي يوضح
من جانبه قال المدير العام للأمن الرئاسي التونسي "توفيق القاسمي" في تصريحات صحافية ،أنه أعلم الرئيس السابق "المنصف المرزوقي" بأن نقل الأرشيف من القصر الرئاسي سيثير بلبلة و ضجة في الفترة الحالية،مضيفا أنه طلب أن تكون عملية نقل الأرشيف مع السلطة المنتخبة .واوضح ، أن مدير ديوان الرئيس المنتهية ولايته "منصف المرزوقي" إتصل بالقيادي في نداء تونس (الحزب الفائز بالانتخابات البرلمانية والرئاسية) "رضا بالحاج" الذي اعلمه بدوره أ أن الرئيس المنتخب "الباجي القائد السبسي" أجل جلسة العمل التي ستنظر في موضوع إعطاء الأرشيف لهيئة الحقيقة و الكرامة وبالتالي لا يمكنه تسليم الارشيف.وأمام هذا المأزق ارتأت هيئة الحقيقة و الكرامة خلال ندوة صحفية عقدتها امس التوجه الى القضاء ورفع قضية ضد أعضاء نقابة الأمن الرئاسي لما اعتبرته منعا لأداء واجبها.

رئيس المرصد التونسي للأمن الجمهوري والمواطنة:الامن الرئاسي طبق القانون ولا لوم عليه
في الموضوع ذاته،قال الاطار الامني والنقابي"فيصل الزديري" في تصريح لـ"بوابة افريقا للإخبارية"انه من غير المقبول وصف اعوان الامن الرئاسي بالانقلابيين من قبل رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة ، معتبرا انهم قاموا بعملهم تحت طائلة القانون.
وبين محدثنا ان عناصر الامن الرئاسي امتثلوا الى تعليمات قائدهم المباشر وحسب القانون الاساسي لقوات الامن التونسي فان رجال الامن ملزمون بتنفيذ اوامر رئيسهم المباشر وهو ما تم فعلا.وأضاف انه على "بن سدرين" التحري في اوامر الرئيس المدير العام للأمن الرئاسي ان كانت تستند على القانون او كانت دون ذلك عوض الاشتباك مع الاعوان.

*رئاسة الجمهورية تتبرّأ
رئاسة الجمهورية دخلت على الخط واصدرت بيانا قالت فيه أنه قد تم الاتفاق مع هيئة الحقيقة والكرامة على تسليمها أرشيف مؤسسة الرئاسة بتاريخ 26 ديسمبر كانون الاول 2014.وأوضحت،أن منع هيئة الحقيقة والكرامة ، امس الجمعة26 ديسمبر كانون الاول ، من نقل الأرشيف من قبل ممثلي نقابة أعوان أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية "لا يعبر عن موقفها من الهيئة"، مؤكدة أنها "ملتزمة بالتعاون مع كل الهيئات الدستورية وفق ما يضبطه القانون".وذكرت رئاسة الجمهورية بأن التعامل مع الهيئة انطلق منذ شهر جويلية 2014 مباشرة بعد استكمال تركيبتها، وأنها "حرصت على توفير أكبر قدر من المساعدة والتعاون قصد تيسير المهام القانونية للهيئة".وأكدت أنها أعربت عن استعدادها غير المشروط لقبول ما تقرره الهيئة في خصوص نقل الأرشيف الموجود بالمقرات التابعة للرئاسة، وذلك منذ الاجتماع المنعقد بين ممثلين عن هيئة الحقيقة والكرامة وممثلين عن رئاسة الجمهورية بتاريخ 17 جويلية يوليو 2014.وأفادت بأن هيئة الحقيقة والكرامة قامت بتوجيه مراسلة لرئاسة الجمهورية بتاريخ 24 نوفمبر تشرين الثاني 2014 لتحديد موعد تسليم الأرشيف على أن يتم ذلك قبل موفى شهر ديسمبر 2014.وأضافت مؤسسة رئاسة الجمهورية في هذا الشأن أن "المتطلبات اللوجيستية قضت بأن تتأخر عملية تسليم أرشيف الرئاسة إلى أن تستكمل الهيئة إعداد المستلزمات المادية لعملية النقل، وخاصة منها الحصول على مقر، وأن تقوم رئاسة الجمهورية بجرد قائمات الأرشيف وإعداد الوصولات التي على أساسها يتم التسليم وفق ما هو منصوص عليه بالقانون".وذكرت أن "ممثلين اثنين عن الهيئة قد حضرا الخميس وشرعا في التحضير لترتيب عملية النقل بترقيم علب الأرشيف وتنظيمها".

خبير دستوري : مراجعة بعض ثغرات قانون الهيئة الحقيقة والكرامة اصبح ضرورة
قرار المنع تشعب وأصبح يواجه اتهامات متابادلة ،وفي هذا السياق قال استاذ القانون الدستوري "فيس سعيد" في تصريح لـ"بوابة افريقيا لاخبارية" انه للأمن الرئاسي حق منع هيئة الكرامة اذا وجد تنسيق مع مؤسسة رئاسة الجمهورية.وأضاف الاستاذ "سعيد" ان على الهيئة التوجه للقضاء وبذلك فهو مطالب في مزيد تدقيق بعض المصلحات في قانون الدستوري الخاص في كل ما يتعلق بالهيئة .وبين ان تذبذب التصريحات بين رئيسة الهيئة والشخصيات الرسمية يدل عن غياب قرار سياسي يجزم الموضوع،خاصة بعد ان كذبت وزارة الدفاع التونسية طلب سهام بن سدرين من الجيش توفير شاحنات. وأوضحت الوزارة على لسان وزيرها في برنامج تلفزي أن بن سدرين كانت قد اتصلت بمدير ديوان وزير الدفاع على أساس توفير شاحنات عسكرية لنقل بعض الأثاث إلى مقر الهيئة، واعتذر مدير الديوان عن الأمر نظرا لانشغال وحدات الجيش بمسائل أكثر حساسية أهمها مجابهة الارهاب.

ماهي هيئة الحقيقة والكرامة ؟
أنشئت"هيئة الحقيقة والكرامة" بموجب قانون العدالة الانتقالية في الفترة حكم الترويكا (اتلاف حزبي بزعامة حركة النهضة الاسلامية)وبدأت عملها من منتصف ديسمبر كانون الأول الجاري، لفتح ملفات انتهاك حقوق الإنسان في البلاد منذ جويلية يوليو/ 1955 وحتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2013.وحدد قانون العدالة الانتقالية مجال اهتمام وعمل الهيئة في البحث والتحقيق في الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الانسان.وتتمثل هذه الانتهاكات بالخصوص في القتل العمد والاغتصاب وكل أشكال العنف الجنسي والتعذيب والاختفاء القسري والاعدام دون توفر ضمانات والمحاكمة العادلة.وكان البرلمان التونسي أعلن عن القائمة المختارة لهيئة الحقيقة والكرامة ، وتتكون من 15 فردًا يتوزعون على اختصاصات القضاء العدلي والقضاء الإداري والعلوم الشرعية والمحاماة والمالية والقانون والطب والإعلام والإتصال والأرشيف والعلوم الإجتماعية والسياسية وممثلين عن جمعيات الضحايا وجمعيات حقوق الإنسان وتم اختيار هؤلاء الأعضاء من بين 288 مرشحًا.

وقد كان الدستور التونسي قد ضمن كيفية عمل الهئية ومهامها وصلاحياتها.وخول القانون الأساسي وقد نص القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر كانون الاول 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها على صلاحيات لهيئة الحقيقة والكرامة من أجل انجاز مهامها و نص على: "تمكين الهيئة من النفاذ إلى الأرشيف العمومي والخاص بقطع النظر عن كل التحاجير الواردة بالتشريع الجاري به العمل واستدعاء كل شخص ترى فائدة في سماع شهادته أو التحقيق معه ولا يجوز مجابهتخا في هذا المجال بالحصانة، وللهيئة كذلك التحقيق في كل الانتهاكات المشمولة بالقانون الأساسي للعدالة الانتقالية وذلك بجميع الوسائل والآليات التي تراها ضرورية كطلب توضيحات كتابية أو إجراء معاينات ميدانية وغير ذلك.كما فرض القانون على مختلف مصالح الدولة والهيئات العمومية مد رئيس الهيئة بالمعلومات والمعطيات التي من شأنها أن تساعد الهيئة على القيام بمهامها ولا يجوز مواجهة طلبات الهيئة بواجب الحفاظ على السر المهني وذلك مهما كانت طبيعة أو صفة الشخص أو الجهة التي توجد لديها المعلومات والوثائق ولا يؤاخذ المؤتمنون على هذه الأسرار من أجل إفشائه للهيئة.