أثار النموذج الجديد المتعلق بالتوظيف في القطاع العام المغربي، الذي تعتزم الحكومة المغربية تطبيقه، حفيظة النقابات العمالية، وهو ما يُعرف بالنموذج الإنجليزي، الذي يجيز التعاقد بين الإدارة الحكومية والموظف لفترة محددة.

وقال وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، محمد مبديع، في تصريحات صحافية، الأسبوع الماضي، إن الحكومة تقترب من قرار يقضي بالاعتماد على التوظيف بنظام التعاقد، والاعتماد على مبدأ تفعيل الأجور مقابل الإنتاج.

وتشير بيانات لوزارة الاقتصاد والمال المغربية إلى أن عدد الموظفين في القطاع الحكومي يقترب من 580 ألف شخص، تستحوذ أجورهم على نحو 10.71% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة وما يعادل 33% من الموازنة العامة.

وعلى مدار 60 عاماً مضت، يطبق المغرب نموذجاً استلهمه من فرنسا، ينظر إلى الموظف باعتباره جندياً في خدمة الدولة، ما يترتب عنه إضفاء نوع من القدسية على مبدأ الاستقرار الوظيفي، الذي يضمن للموظف، إن لم يختر المغادرة بمحض إرادته، البقاء في الإدارة التي يلتحق بها إلى سن التقاعد.

وقال عضو الاتحاد النقابي للموظفين، محمد هاكش، إن الحكومة إذا مضت فيما عقدت عليه العزم من اعتماد نظام التعاقد مع الموظفين، فإنها ستفرغ قانون الوظيفة الحكومية من محتواه، ذلك النظام الذي رسخه المغرب منذ أكثر من 60 عاماً. وأضاف، "لا بد من توفير جميع الضمانات التي تحمي الموظفين وتمنحهم نوعاً من الاستقرار الوظيفي".

وتقول وزارة الوظيفة العمومية وتحديث القطاعات إن إصدار مرسوم حول التعاقد في الوظيفة الحكومية، يراد منه إتاحة آلية قانونية تسمح باستقطاب موارد بشرية ذات كفاءة عالية وتمتلك خبرات، للمساهمة في إنجاز مشاريع أو تقديم خدمات لا تتوفر لدى موظفي الحكومة.

ويرى هاكش أن الإدارة العامة المغربية تمتلك كفاءات تمكّنها من إدارة المشاريع الكبرى، وأنها لا تحتاج لاستقطاب خبرات من خارجها، وأضاف: "الحكومة تمتلك الخبرات لكن يكفي فقط منحها الثقة والاعتراف بقدراتها وتمكينها من العمل".

وقال إن "الحكومة لا تسعى من وراء التعاقد سوى إلى خفض كتلة الأجور، حيث تنظر إلى الموظفين الحكوميين باعتبارهم أعباء، بينما يفترض التعامل معهم كجزء من نظام الإنتاج في البلد".

وفي آخر اجتماع للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية في يونيو/حزيران، لم يفوّت رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الفرصة كي يذكّر بحجم نفقات أجور الموظفين في المغرب، والتي ارتفعت من 7.55 مليار دولار في 2007 إلى 11.6 مليار دولار في العام الجاري 2014، ولا تكف الحكومة عن التعبير عن ضيقها بارتفاع نفقات الأجور التي ينتظر أن تصل في العام المقبل إلى 11.8 مليار دولار.

وتجعل الحكومة المغربية من تقليص نفقات الموظفين أحد أولوياتها، وذلك نزولاً عند توصيات صندوق النقد الدولي، الذي يلح على ضرورة تقليص عجز الموازنة إلى 3% في نهاية ولاية الحكومة الحالية، علماً أن المغرب سعى في السنوات السابقة إلى تقليص الأجور عبر المغادرة الطوعية، بهدف خفض عدد موظفي الدولة وتقليص نفقات الأجور، غير أن ذلك تسبب، كما يلاحظ ذلك، الاقتصادي رضوان الطويل، بالتخلي عن كوادر ذات كفاءة، ما انعكس سلباً على جودة الخدمات.

غير أن هاكش، يعتبر أنه "لا يجب الاكتفاء فقط بالوقوف عند نفقات الأجور، فالمشكلة في المغرب تكمن في توزيع الأجور في الوظائف الحكومية، إذ الفروق تمتد من 1 إلى 33 مرة"، ويتصور أن "ارتفاع كتلة الأجور لا يبررها عدد الموظفين، الذي لا يتعدى 2.5% مقارنة بعدد السكان".

غير أن الحكومة لا تسعى فقط إلى إرساء نظام التعاقد، بل ترنو إلى نقل الموظفين من إدارة إلى أخرى، حسب العربي الجديد.

ويقول وزير الوظيفة العمومية إن "إدارات مغربية كثيرة يوجد بها موظفون كثر، لكنهم لا ينتجون، في المقابل، هناك إدارات أخرى تمتلك عدداً قليلاً من الموظفين، لكنهم يعملون كثيراً. علينا البحث عن آليات تشجيعية وتحفيزية للموظفين ذوي الكفاءات للانتقال من إدارة إلى أخرى".

ووضعت الحكومة مرسوماً لنقل الموظفين من إدارة إلى أخرى، غير أن ذلك التشريع يثير الكثير من التحفظ والتخوفات لدى الموظفين، فالنقل يمكن أن يكون بطلب من الموظف أو بقرار من الإدارة، إذ يفترض في الإدارات وضع قائمة بأسماء الموظفين الذين ترغب في نقلهم في شهر أبريل/نيسان من كل عام.

ويتساءل هاكش حول معايير وضع القائمة، فهو يخشى من أن تتحكم الاعتبارات التي توحي بـ "نقل موظفين أكفاء تعتبرهم الإدارة مشاكسين، لأنهم لا يستجيبون لتوجهاتها، خاصة إذا كان لأولئك الموظفين نشاط نقابي".

وقال موظف رفيع المستوى بوزارة الشؤون الاجتماعية والتشغيل، فضل عدم ذكر اسمه، عن رأيه في فكرة نقل الموظفين الذين يفيضون عن الحاجة من إدارتهم إلى أخرى في حاجة إلى موارد بشرية جديدة، أجاب بأن "الفكرة جيدة من حيث المبدأ، غير أنه يفترض اتخاذ القرار على أساس معايير موضوعية".

وأضاف المسؤول الحكومي أن نظام التعاقد أو نقل الموظفين، ليس بالأمر الهين، على اعتبار أنه سوف يكون بمثابة زلزال في قطاع الوظيفة العمومية، خاصة أن الإدارة تحتاج إلى الكثير من الشفافية حتى يثق الموظفون في قراراتها ويفترضون فيها حسن النية.

غير أن هاكش نبّه إلى أن ما تسعى إليه الحكومة اليوم، لا يعدو أن يكون ترجمة لخطاب ساد في مؤتمر "الصخيرات" في العام الماضي، حول الوظيفة العمومية، حيث "أدرك الجميع أن الحكومة تتجه نحو سن نظام هو أقرب إلى اقتصاد السوق، علما أن الدولة كفت عن توفير فرص عمل منذ سنوات، ما يفسر جزءا من مشاكل صندوق التقاعد الخاص بالموظفين ".