أعلن قادة كل من مصر واليونان وقبرص أمس عن تشكيل جبهة ثلاثية لمكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة، إضافة إلى تعزيز العلاقات المشتركة على المستويين الثنائي والثلاثي، وهو ما يراه محللون مصريون خطوة في مجال تفعيل مزيد من الشراكة المصرية الأوروبية في كل المجالات، وخصوصا في المجال الأمني، إضافة إلى ما قد يحمله من رسالة ضمنية للجانب التركي لتعديل سياساته مع دول المنطقة، رغم تأكيد قادة الدول الثلاث أن القمة «ليست موجهة ضد أحد».
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر صحافي مشترك مع أنتونيس ساماراس رئيس وزراء اليونان، ورئيس جمهورية قبرص نيكوس أناستاسيادس، في القاهرة أمس إن «مصر تواجه حملة شرسة تتخذ من التطرف والإرهاب عنواناً لها، وإنها عزمت مع اليونان وقبرص على مواجهة الإرهاب في المجالات كافة، بما في ذلك التعاون الأمني»، مشيرا إلى العزم على مواجهة الإرهاب والتطرف بمنتهى الحزم.
وأكد السيسي أن «تعاوننا يحمي مصالحنا والاستقرار في شرق المتوسط ويهدف لتحقيق الرفاهية والسلام لشعوبنا، ستستمر مصر في المضي قدما نحو تعزيز العلاقات سواء على المستوى الثنائي أو الثلاثي في كل المجالات».
وأضح الرئيس المصري أنه تم التشاور إزاء القضية الفلسطينية وجهود السلام والتطورات في سوريا والعراق ومكافحة الإرهاب والقوى الداعمة له وسبل تعزيز هذه الجهود، فضلا عن دعم شرعية المؤسسات المنتخبة في ليبيا، كما تم استعراض جهود اليونان وقبرص لتكثيف التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي من منطلق فهمهما للواقع المصري. ونوه بأنه تم الاتفاق على استمرار الاتصالات والتنسيق في كل المحافل لحماية المصالح المشتركة، كما تم تأكيد العزم على مواجهة الإرهاب والتطرف بمنتهى الحزم، والتعاون في المجال الأمني لدحر مجموعات الإرهاب وكشف داعميها، مضيفا أن «مصر تولي اهتماما كبيرا لهذا التعاون الثلاثي وتعطي دفعة جديدة لحماية مصالحها ودعم الاستقرار في شرق المتوسط وتحقيق الاستقرار والسلام لشعوبنا.. وستواصل مصر بالدفع نحو تعزيز العلاقات على المستوى الثنائي والثلاثي مع قبرص واليونان».
وأوضح السيسي أن «المفاوضات الثلاثية شهدت تطابقاً في كل الموضوعات التي تناولناها، وهو ما يعود بالفائدة على الدول الثلاث وجميع اللقاءات الرسمية القادمة بين المسؤولين فيها».
ومن جانبه، قال الرئيس القبرصي إن «القمة دليل على الالتزام بدعم وتعميق التعاون بين الدول الثلاث»، موضحا أن «هذا التوجه يستند إلى أولويات دولنا واهتمامهم المشترك والتنسيق في ظل احترام القانون الدولي والشرعية، واتخاذ مبادرات لدعم الشراكة في مجالات التجارة والصناعة والطاقة والسياحة والنقل البحري، وإقامة جبهة مشتركة لمواجهة أخطار الإرهاب والتفرقة على أساس الدين في منطقة شرق المتوسط، بالإضافة إلى أن التعاون يهدف لأن يكون نموذجا للتعاون الإقليمي البناء في منطقتنا الحساسة».
وأكد أن «هذا التعاون والحوار ليس موجها ضد أي دولة أخري، ويستند إلى مبادئ وقيم القانون الدولي لدعم السلام والرخاء في شرق البحر المتوسط، وبالتالي ندعو دول المنطقة إلى أن تشاركنا في هذه الجهود»، مشيرا إلى أنه تم دراسة أفكار حول التعاون الثلاثي والتطورات الداخلية في مصر، والاستفزازات التركية في المنطقة القبرصية، والتطورات في ليبيا وسوريا والعراق.
وأضاف رئيس قبرص أنه «تم تبني إعلان القاهرة، الذي يشكل نقطة انطلاق لأولوياتنا في التعاون الثلاثي والقضايا التي تمت مناقشتها.. وأبدينا دعمنا الكامل للرئيس السيسي والشارع المصري لاستكمال خارطة الطريق وإجراء الانتخابات وتطوير الاقتصاد المصري». وشدد على أن الأحداث الأخيرة في المنطقة تؤكد ضرورة استقرار مصر لتتمكن من مواجهة التحديات الإقليمية، خصوصا الإرهاب، منوها بأن قبرص واليونان أقوى حليف لمصر وسفير دائم لها في الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية الأخرى لما فيه فائدة في مواجهة التحديات التي تلقاها المنطقة.
وأوضح الرئيس القبرصي أنه تم بحث القضية القبرصية وإعادة وحدة الجزيرة القبرصية داخل دولة فيدرالية تحددها قرارات مجلس الأمن والاتفاقات بين الجانبين. داعيا تركيا إلى إبداء حسن النية واتخاذ خطوات بناءة.
ومن جانبه، أوضح رئيس وزراء اليونان أنه تم تبادل الآراء إزاء الأوضاع في ليبيا والعراق وسوريا ولبنان، والقضية الفلسطينية، وجهود إعادة توحيد شطري جزيرة قبرص في إطار احترام العدالة والتاريخ.
وقال ساماراس إن «اليونان وقبرص سيكونان سفراء لمصر لدى الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط. فمصر هي حجر الزاوية لتحقيق هذا الاستقرار وعلى الاتحاد الأوروبي دعم مصر معنويا وماديا، واليونان وقبرص ستعملان لتحقيق ذلك لإقامة علاقة جديدة بين مصر والاتحاد».
واختتم الرئيس السيسي المؤتمر الصحافي بتوجيه التقدير لرئيس قبرص ورئيس وزراء اليونان لتلبية الدعوة والتفهم الحقيقي لكل الموضوعات محل النقاش، قائلا: «إن القمة الثلاثية هي نقطة انطلاق لشراكة حقيقية بين الدول الثلاث»، مؤكدا أن سبل محاربة الإرهاب وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والسياحة كان هناك بشأنها اتفاق كبير سيكون له أثر قريبا على المنطقة بالكامل. «وإننا نسعى للبناء والتعاون والتنمية وليس لشيء آخر».
ويعلق السفير محمد إبراهيم شاكر، رئيس المجلس المصري للعلاقات الخارجية، على القمة الثلاثية بقوله إن «اللقاء هام لأن اليونان وقبرص من أقرب الدول إلى مصر في البحر المتوسط، ومن المهم للغاية التشاور بين هذه الدول في كل الملفات، مثل موضوع الغاز في المتوسط، والتشاور فيما يتعلق بالوضع الأمني في المنطقة كلها».
ويوضح السفير شاكر لـ«الشرق الأوسط» أن «المحادثات تمهد الطريق لعلاقات أوثق مع باقي الدول الأوروبية، سواء على المستوى المشترك مع مصر، أو على مستوى الإقليم. فهناك مثلا قضية فلسطين التي تشهد ركودا، وكذلك فيما يتعلق بالأوضاع الأمنية في ليبيا على سبيل المثال التي تؤثر على كل من الشرق الأوسط وأوروبا على حد سواء».
ويرى السفير شاكر أنه يمكن البناء على نتائج هذه الزيارة، وإعادة إحياء أفكار وتفعيل «الاتحاد من أجل المتوسط»، التي شهدت جمودا بعد طرحها في عام 2008، والتي تتعلق بإقامة مشروعات تنموية في دول المتوسط، بما تحمله من أهداف استراتيجية.
ورغم تأكيد الرئاسة المصرية أن القمة الثلاثية «ليست موجهة ضد أحد»، يرى محللون أن القمة قد تحمل رسالة ضمنية إلى تركيا، وخصوصا أن اللقاء يأتي في خضم التوتر في العلاقات بين القاهرة وأنقرة، كما أن العلاقات التركية اليونانية تشهد دائما عمليات «شد وجذب متبادل»، إضافة إلى الموقف التركي المعروف من القضية القبرصية.
وحول تلك النقطة، يقول السفير شاكر إن «تركيا بلد مهم في المنطقة، لكن شاءت الظروف أن تمضي في طريق معادٍ لمصر، ويجوز أن يكون هناك تساؤل مشترك بين حضور اللقاء عن الجانب التركي والعلاقات معه».

*نقلا عن الشرق الأوسط