شامخا بمنارته العالية وشكله الفريد وسط مدينة شاهدة على قرون من الوجود الإسلامي، يرتفع مسجد القرويين بمدينة فاس، الذي يعتبر اليوم أشهر المساجد في المغرب الأقصى، ومركزا حضاريا وروحيا يقصده مئات الآلاف من المسلمين والسياح سنويا للاكتشاف والتعبّد، خاصة في المناسبات الدينية التي تكون لها طقوس خاصة في بلد مثل المغرب، الذي يحظى فيها الإسلام بمكانة خاصة يتداخل فيها التاريخي بالسياسي.

يعود تاريخ بناء جامع القرويين (نسبة إلى مدينة القيروان) إلى شهر رمضان من العام 859 ميلاديا، تحت إشراف الملك الإدريسي يحيى الأول، بعد أن تطوّعت إمرأة قادمة من إفريقية (تونس) تدعى فاطمة الفهرية ببنائه، حيث تقول الروايات إنها هاجرت مع أبيها الرجل الثري، من مدينة القيروان التي تعتبر مركزا إسلاميا كبيرا في تونس إلى مدينة فاس أيام حكم الأدارسة بهدف رفع راية الإسلام عاليا. ورثت عن والدها ثروة طائلة اقتسمتها مع شقيقتها، ثم باعت كل ما تملك لأجل بناء الجامع، بعد أن اكتشفت أن المسجد الذي يؤم أهل المدينة يحتاج توسيعا بالإضافة إلى أن جزءا من المنصب الاجتماعي يكون عبر رفع راية الإسلام.

كان الجامع تاريخيا "قطبا تعليميا مهما، وصرحا حضاريا متميزا، ومركزا لتلقين المعرفة العلمية والدينية... حيث استقطب منذ نشأته مجموعة كبيرة من العلماء من عيار ابن رشد، وابن عربي، وابن باجة، وابن خلدون، وابن حرزهم، وعبد السلام بن مشيش"، ثم قطبا ثقافيا مثل المدرسة المصباحية التي شيدت في القرن الرابع عشر ميلادي، وساحة الصفارين، وقيسارية الكفاح، بالإضافة إلى قيمته التجارية حيث أحاطت به مع الزمن العديد من المحلات والمتاجر التي تبيع سلعا تقليدية.

بُني الجامع على الطراز الأندلسي حيث يحتوي على عدة أبواب بلغ عددها لحوالي 17 باباً، بالإضافة إلى جناحين يتمّ التقاؤهما في أطراف الصحن الموجود في وسط الجامع، وكلّ جناح من هذه الأجنحة يوجد فيه مكان مخصّص للوضوء من المرمر، حيث صمّم بطريقة مشابهة للتصميم الموجود في الصحن الأسود في قصر الحمراء بالأندلس.

  سعى الحكام المتعاقبون في المغرب على ترميم جامع القرويين بالتحسين والإضافة، حيث تمت توسعته في فترة حكم المرابطين خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين، قبل أن يقوم الأمراء الزنّاتيون بإضافة ثلاثة آلاف متر مربع، إضافة إلى المنارة التي تعتبر الأقدم في بلاد إفريقية والمغرب، وهي شاهدة إلى اليوم على قيمة مدينة فاس وقيمة الإسلام فيها.