هذه قصة واقعية بقلم اللواء السنوسي سليمان الوزري (مواليد 1948) هو آخر أمين للجنة الشعبية العامة للأمن العام في حقبة الجماهيرية بليبيا. ،وهو خريج كلية الشرطة سنة 1967 ارتبط بعلاقة مع الزعيم الراحل معمر القذافي منذ سنة 1967 عمل بعد تخرجه مدرساً في كلية الشرطة في العلوم الشرطية والجنائية من أشهر طلبته : الفريق سيد محمد قذاف الدم الفريق مصطفى السنوسي عراب الفريق المرحوم/ محمد عبده الفريق المرحوم/ علي الدعوكي الفريق مصباح العروسي الفريق محمد سالم بوزويته العميد المرحوم/ علي محمود هويدي العقيد المرحوم/ جمعة بن النيران وآخرين وهؤلاء تم انضمامهم في تنظيم الضباط الوحدويين الاحرار وهم طلبة في السنة الأخيرة بالكلية... عمل الوزري بعد تخرجه مدرسًا بكلية الشرطة في العلوم الشرطية والجنائية، وبعد ثورة الفاتح شغل منصب رئيس قسم التحقيق بإدارة المباحث العامة، ثم مديراً لأمن بنغازي. استمر صعود الوزري على السلم الوظيفي إذ عمل بعد ذلك مديرًا لفرع جهاز الأمن الداخلي في بنغازي، فيما عُين بعد ذلك نائبًا لرئيس جهاز الأمن الداخلي.كما عمل منسقاً للعلاقات الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب بين مصر وليبيا.
ومع اندلاع أحداث 17 فبراير سنة 2011، رفض السنوسي الوزري الانضمام لها، وآثر عدم الانشقاق، وانتقل إلى طرابلس في مارس 2011. وعُين أمينًا للجنة الشعبية للأمن العام خلفًا للواء عبد الفتاح يونس حتى سقوط طرابلس في اغسطس 2011.
يقول السنوسي في هذه القضة :
حلّ ببلادنا الجاسوس الصهيوني الماسوني "مانفرد جرجن كوبسل " عام 1963 واستخلص من التحقيق معه انه توجه الي الجامعة الإسلامية في مدينة البيضاء ، حيث أشهر إسلامه واطلق على نفسه إسم " أحمد عبد الله كوبسل " . عُين "كوبسل " محفظ للقرأن الكريم بعد عدة سنوات ، قضاها في تعلّم اللغة العربية وحفظ آيات من القرأن ، واستقر به المقام في قرية " زاوية الطيلمون" التي تقع بين سلوق والمقرون ، وهي قرية صغيرة يسكنها عدد من المواطنين الذين يمتهنون حرفتي الرعي والزراعة الموسمية ، وكان يقيم في مسجد القرية .
بعدها انتقل إلى قرية "بنينا " وعمل في كشك صغير لبيع السجائر والمشروبات والفطائر .. بالتحقيق معه فيما بعد إعترف هذا الجاسوس ؛ بأنه كان يدرس تركيبة السكان في المناطق التي تواجد فيها ، وكان يبحث في العلاقات السلبية بين السكان ، وكيفية تأجيج النعرات القبلية والجهوية واثارة الحساسيات بين الجيش والشرطة ، وتمكن من اختراق مواقع عسكرية وامنية ، مرتبطاً ببعض الشباب السذج الذين اغراهم بالمال والمؤثرات العقلية "المخدرات" ، وبالإنحراف السلوكي بإعتباره يمارس الشذوذ .. ثم تحول نشاطه إلى تشكيل عصابة إجرامية مارست عمليات السطو على المنازل والمحلات التجارية ، واستطاعت هذه العصابة ان تجمع كميات كبيرة من الذهب والمعادن الثمينة ، ومن الأجهزة الألكترونية ، تم العثور عليها بوكر هذه العصابة في "شارع عشرين" ، حيث كان يقيم في منزل مستأجر ومعه زوجته الليبية .. وكان الأحتفاظ بهذه المسروقات خاصة الثمينة منها سبباً ، ذكر في التحقيق معه انه كان يخشى بإن عملية بيعها ، قد يجرّ الأمن إليه ويكشف نشاطه التخريبي ، واكتفى بالصرف على هذه العصابة من المبالغ المالية التي يتم سرقتها ، او من التمويل الخارجي .. وهذا التصرف يمثل إحدى قواعد الأمن لدى المنظمة الماسونية التي ينتمي إليها .
لقد امضى هذا الجاسوس عشرين عاماً ينشر الرذيلة والخراب ، ويثير الفتن بين مكونات الشعب معتمداً على تخلف المواطنين ، الذين استخدمهم في برنامج هذه المنظمة .
في بداية الثمانينات إجتاحت مدينة بنغازي عمليات سطو تعرضت لها املاك المواطنين ، وشكلت ظاهرة خطيرة اثارت الرأي العام ، ونشرت القلق بين سكان بعض المناطق ، وسٌجلت هذه القضايا جميعها ضد مجهول .. وبسبب هذا التدني في الخدمات الأمنية تم دعّم قسم البحث الجنائي ، وتم تشكيل مجموعات للتحريات لتعقب هذه العصابات .. وقد تمكّن مواطن صالح من الحريصين على امن بلادهم ، أن يلتقط رقم إحدي السيارات التي اشتبه في ارتباك سائقها ومرافقيه ، وعلى الفور تقدم ببلاغٍ للبحث الجنائي .. وبمعاينة المكان الذي وجدت فيه السيارة تبيّن انها كانت قريبة من منزل احد المواطنين ، الذي تعرض للسرقة في تلك الليلة .. وبالبحث في سجلات المرور عن المالك الأصلي للسيارة ، تبّين انها ملكاً لأحد المواطنين وانه قام ببيعها دون نقل ملكيتها . واستمرت التحريات فترة لأن السيارة تعددت عمليات بيعها من شخص لأخر ، إلى أن وصلنا إلى أحد افراد العصابة التي كانت بحوزته ليلة هذه الواقعة ، وبمراقبته تبين انه يتردد على منزل "كوبسل " وكذلك شباب آخرين ، فتم استئذان النيابة العامة بتفتيش هذا المنزل المشبوه .. وبهذا الإجراء الأمني الفاعل تم ضبط هذا الجاسوس وثلاثة من اعضاء هذه العصابة . وبتفتيش المنزل عثر على هذه الكميات الكبيرة من الذهب والمواد الإلكترونية والكهربائية ، وقد تطابقت هذه المضبوطات مع بلاغات المواطنين .
حينها كنت مديراً لأمن بنغازي واتصل بي الأستاذ "مفتاح عبد السلام بوكر " أمين اللجنة الشعبية للعدل ببلدية بنغازي آنداك ، ومن خلال الهاتف أبلغني بنتائج جهد البحث الجنائي قائلاً ؛ "أنني اشعر بأن هناك الغاز في هذه الواقعة " وطلب مني اللقاء في قسم البحث الجنائي .
وصلتُ إلى قسم البحث الجنائى لمقابلة الاستاذ مفتاح بوكر ، حيث طلب مني القاء نظرة على المبرزات والذي تبين لرجال البحث الجنائي ، أن هذه المسروقات لم يتم التصرف بها وفقا لمحاضر جمع الاستدلال والبلاغات المقدمة من المواطنين الذين استهدفت منازلهم ومحالهم بالسرقة . وقد ذهلت للمشهد وعدتُ بذاكرتي لايام قضيتها في مصر ، حين كنت اتلقى دورة في جهاز مباحث امن الدولة عام 1972 ، وساورني شك في أن هذه الوقائع ذات اهداف سياسية ، خاصة وأن رأس هذه العصابة هو ألماني الأصل ومن بقايا الجيش النازي وتم أسره في نهاية الحرب العالمية الثانية ، وقد كان ينقصني الدليل الذي يؤكد ما ذهبت إليه .
صارحت الأستاذ مفتاح بوكر بإن الأمر جد خطير ، وذكرت له أني أشكّ في نشاط هذا الألماني .. وسيرته هي مواصفات تنطبق على منظمة ماسونية ، وطلبت من الأستاذ مفتاح بوكر أن يتصل بالأستاذ عبد القادر رضوان رئيس النيابة العامة في ذلك الوقت ، نظرا لإحتياجنا لصلاحيات قانونية لا تملكها إلا النيابة العامة ، بإعتبارها سلطة تحقيق والمسئولة عن الدعوى العمومية ، حتى يمكننا أن نتوسع في جمع الاستدلال .. وبالفعل حضر الاستاذ عبد القادر رضوان ، واطلع على المضبوطات وتم شرح الموقف له ، وكان من ضمن ما طلبته من السيد رئيس النيابة العامة ، بإن يؤذن لنا بإعادة تفتيش وكر هذه العصابة ، وتعهدت له بأن نراعي المدد المسموح بها في الحجز القانوني .
وافق الاستاذ عبد القادر رضوان .. ولازلت اذكر تعليقه على فحوى شكوكي ؛ بإن هذه الجريمة ذات طابع سياسي ، حيث قال ؛ "إذا إستقامت هذه الشكوك مع الحقيقة ، فعليكم مراعاة الجوانب القانونية لتلافي دفوع المحامين".
وبإنتهاء الإجراءات التي طلبت من السيد رئيس النيابة العامة ، بتثبيت إذن التفتيش على محضر جمع الاستدلالات ، إسئذنتُ الاستاذ أمين العدل في تكليف مجموعة من الضباط من ذوي الكفاءة الأمنية العالية ، كان على رأسهم المرحوم رائد ناجي فرج الزوي ، رئيس وحدة مكافحة المخدرات بالبحث الجنائي بتنفيذ عملية التفتيش .. و مكثت يومها بمكتبي منتظرا عودة الضباط المكلفين .. وقد غابت هذه المجموعة لمدة لم تتجاوز الساعتين ، وعرضوا عليّ بعض المستندات التي كانت مخبأة في خزنة سرية بمنزل المتهم.. وأثناء اطلاعي على هذه المضبوطات ، وقعت المفاجأة وتحقق الدليل الذي كنا ننشده ، وطلبت الاستاذ مفتاح بوكر في حينها ، وابلغته النتيجة، وطلبت منه الأمر بإتخاذ إجراءات فورية بتطويق هذا الإختراق الأمني الخطير .. وكان من ضمن هذه الطلبات إخطار السيد رئيس النيابة العامة الاستاذ عبد القادر رضوان بتطورات الموقف ونتائج التفتيش ، وإقترحت اعداد مذكرة عاجلة للقيادة العامة والتنسيق مع ادارة الاستخبارات العسكرية لإعداد مكان خاص لحجز جنود وضباط صف الجيش ، الذين تورطوا في جرائم السرقة .. وقد وافق الاستاذ امين العدل على ماطلبته ، وتم استدعاء " مانفرد كوبسل " وأمامي دليل إدانته وهو "شهادة أستاذ أعظم بالمحفل الماسوني العالمي" ، حصل عليها بعد نشاط في ليبيا دام عشرون عاماً .
وبمثول المتهم أمامي حيث كان يتحدث العربية بطلاقة ، طلب مني ضرورة الحفاظ على حياته ، لأنه سيكون عرضة للتصفية الجسدية من قبل أشخاص غير معروفين له و للأمن كذلك .. فوافقته على ذلك ، وبالمقابل كنت حريص على إخضاعه لمراقبة مستمرة داخل الحجز خشية ان يقدم على الإنتحار .. وكان أول سؤال وجهته له ؛ "مانفرد" .. من أنت ؟.
وبدأ يسترسل في إعترافاته التي سترد لكم تباعاً في الأجزاء القادمة .
بعد ان كشف امره ..ووضعه في سجن خاص تحت الحراسه المشددة ، وإبلاغ القيادة العليا والتنسيق مع ادارة الاستخبارات العسكرية بشأن العسكريين المقبوض عليهم .. فتح محضر التحقيق في قسم البحث الجنائي مع الجاسوس "مانفرد جرجن كوبسل" .. كان السؤال الاول الذي طرح عليه من قبل مدير امن بنغازي "السنوسي سليمان الوزري" ؛ من انت؟ .. فكانت المفاجأة في إجابات الجاسوس ..
قمنا بإجراء كل الإحتياطات الامنية لتأمين حياة "مانفرد كوبسل " ، واخذنا تحذيره لنا بضرورة الحفاظ على حياته على محمل الجد ، كما أننا اتخذنا اجراءات بحجزه بغرفة خاصة ، وبتواجد عضو من البحث الجنائي في نفس الغرفة بالتبادل بين هذا العضو وعدد من زملائه .. ووصلت دقة الإجراءات الأمنية إلي اختيار وجبات الطعام من مطاعم مختلفة بالمدينة .. وعندما تم استدعائه امامي بحضور المرحوم الرائد / ناجي فرج الزوي ، وحضور أحد الاعضاء ككاتب محضر ، تم فتح محضر جمع الاستدلال حينها، بمعرفتي انا المقدم / السنوسي سليمان الوزري مأمور الضبط القضائي .
واعودُ بكم قرائي الاعزاء إلي إجابات "مانفرد كوبسل " على السؤال الذي كنت الح عليه كمدخل لكشف غموض هذه القضية ، واعدت توجيه ذات السؤال للمتهم : "أحمد كوبسل " ، من أنت ؟
اجاب المتهم : أنا "مانفرد جرجن كوبسل" الماني الجنسية من اسرى الجيش الالماني .. مكثتٌ مدة في سجن الحلفاء بـ "برلين"، وتم اخضاعنا لبرنامج سياسي يصب في مصلحة الصهيونية العالمية ، تكفيراً عن ما أقترفه الألمان من مذابح لليهود .. وتم تدريبنا مع مجموعة اخرى من الأسرى على اختراقنا لبعض الدول خاصة العربية ، لنشر مبادئ وافكار المنظمة الماسونية الصهيونية التي تخدم مصالح الصهاينة ، وتم تكليفي بالسفر إلي ليبيا سنة 1963م .. حيث كان من ضمن التعليمات أن أُشهر اسلامي واتعلم اللغة العربية ، وأن ادرس المجتمع الليبي واركز على نقاط الضعف فيه خاصة الوضع الإقتصادي والإجتماعي ، وكيفية عرقلة الجهد التنموي.. وكان التركيز على الموقع الجغرافي لليبيا بإعتبارها حلقة وصل مابين اوروبا وافريقيا ، وظهور بوادر لثرواتٍ معدنية ونفطية فيها .
لم اقاطع كوبسل طيلة سرد هذه الاجابة .. بعدها سألته بخصوص إعتناقه للدين الإسلامي الحنيف فاجاب كوبسل : "بمجرد وصولي الي ليبيا ، اتجهت إلي الجامعة الإسلامية في مدينة " البيضاء " لأُشهر إسلامي ، وقد حصلت على ذلك ، واختاروا لي من الأسماء "أحمد عبدالله كوبسل " .
. لم اقتنع بهذه الإجابة وطلبت منه الهدف الفعلي من هذا التوجيه ،
وحاول التهرب من الإجابة ، ولكنه في النهاية اعترف
قائلاً :
" المنظمة "افادتني بأن العرب متمسكون بعقيدتهم ، سواءً كانوا مسلمين او مسيحيين .. وأن مقاومة الليبيين للإحتلال الإيطالي كانت بوازعٍ ديني .. وتمسكهم بهذه العقيدة التي تحثهم على الجهاد ..
وكان الهدف هو تشويه هذه العقيدة بالسلوك المنحرف الذي سلكته ، خاصة التركيز على افساد الشباب ودفعهم إلي الإنحراف الأخلاقي ، والتسلل للمواقع الدفاعية والأمنية ، علاوة على دراسة تقاليد البدو وسكان المدن ، كذلك التركيز على سلبيات هذه التقاليد .
كانت أمامي كمية كبيرة من الوثائق باللغتين الألمانية والإنجليزية ، تحتاج إلي ترجمة لإستخلاص اسئلة لها علاقة بنشاط هذا الجاسوس .. فأجلت الإستدلال معه حتى نتمكن من ترجمة هذه الوثائق .
اعدت المتهم إلي مكان حجزه وقابلت الاستاذ "مفتاح بوكر" أمين اللجنة الشعبية للعدل لإطلاعه على ما توصلنا اليه ، واقترحت عليه الإستعانة بمن يجيد اللغتين الألمانية والإنجليزية ، وبدراسة هذا الأمر وقع اختيارنا على شخصيتين وطنيين نثق فيهما ، بإعتبار أن هذه الوثائق سرية وحساسة ، فأخترنا مترجم اللغة الالمانية وهو الاستاذ الدكتور "أنيس الغرياني " طبيب الباطنة المشهور وهو خريج كلية الطب الألمانية .. والشخصية الثانية هو الاستاذ الجامعي "محمد بن علي " استاذ اللغة الانجليزية بكلية الآداب بجامعة قاريونس ، وقد سلمّت لهما هذه الوثائق وأجلنا مناقشة المتهم عدة ايام حتى يتمكن الدكتور "انيس الغرياني " والاستاذ "محمد بن علي " من ترجمة هذه الوثائق ..
لقدإستغرقت ترجمة هذه الوثائق عدة أيامٍ ، كنا خلالها نراعي تمديد مدة الحجز من السيد رئيس النيابة العامة الأستاذ عبد القادر رضوان .. وبإطلاعي على هذه الوثائق والتي تمت ترجمتها إلى العربية ، بدأت مناقشتي مع المتهم .. حيث تبين أنه يقوم بنشاطٍ مريب ، منه على سبيل المثال لا الحصر ؛ إثارته للفتن في جلسات الخمر التي كان يعدها للجنود والشباب ، بغية الوصول إلى تحديد مخازن الأسلحة والمعسكرات التي تتواجد بها تلك المخازن . ولكي يستخلص معلومات من أفواه أولئك السذج الذين كانوا واقعين تحت تأثير السكر والمخدرات ، كان يردد أمامهم ؛ إن بعض المناطق في الشرق لاتحضى بثقة القيادة ، وأن الثقة في المنطقتين الغربية والجنوبية .. وبهذه الطريقة التي يستنتج منها معلومات من الشباب الذين ينتمون للمنطقة الشرقية والذين يصرون على أن المنطقة الشرقية تحضى بثقة الدولة ، ويعددون أمامه المواقع العسكرية الهامة ، والتي كان يُخزّن بها أسلحة إستراتيجية .. كما أنه كان يثير أمامهم الشائعات والدعايات المغرضة ، التي تتعلق بالأوضاع الإقتصادية والمواقع التنموية للمشاريع ، وتفاصيل كثيرة أخرى الهدف منها إثارة النعرات الجهوية والقبلية ..
قاطعته بالقول : كوبسل .. من خلال دراستي لاهداف المنظمة الماسونية العالمية ، أن الأسلحة في عمليات التجسس ليست ذات فائدة ، ذلك لإن الأسلحة التي بحوزة الدول لاسيما الدول النامية ، ليست سراً على الدول المصنعة و أجهزة الإستخبارات العالمية أيضاً .. وقد عرضت عليه مجموعة من الصور التي إلتقطها لإرتال كبيرة من الدبابات ، في العيد العاشر للثورة إثناء عرضها في بنغازي .. وكان هذا العرض ملفت للنظر ، خصوصا سلاح الدبابات . أجابني بقوله ؛ " بإن تركيزنا ليس على نوعية السلاح ، ولكن هدفنا هو تدمير العناصر البشرية التي تستخدم هذا السلاح ، وإفسادهم بالمؤثرات العقلية وهي أكثر فاعلية حيث أنها لا تدار هذه الأسلحة لاسيما المعقد منها، إلا من خلال عقول بشرية متدربة ومؤهلة .
هنا أقنعني هذا الجاسوس بقضية التدريب والتأهيل .. فلولا تأهيلي أنا شخصياً في الشقيقة "مصر " ، حيث إستقبلت مباحث أمن الدولة بجمهورية مصر العربية مجموعات من الضباط ، في دورات مختصة بالأمن القومي والوطني ، كنت أنا من بينهم سنة 1971 .. وأزعم بأنني كنت متميزا في تلك الدورات ، حتى أن اللواء المرحوم " مصطفى عبد القادر " أحد أساتذتنا ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة سابقاً، عرض عليّ إعداد بحثٍ عن منظمة الماسونية العالمية ، والتي يطلق عليها "حكومة العالم الخفي".. وأذكر بإنه قال لي " يا إبني .. إن بلادكم بكر ومجتمعكم نقي ، وستكونون هدفاً لهذه المؤامرات " .. وبالفعل زودني ببعض مصادر المعلومات عن هذه المنظمة التي تدار بعقلية يهودية صهوينية ، أطلقوا على أنفسهم " البنّائون " .. وبالفعل قمت بإعداد بحثاً تحت إشرافه ، وقد إعتمده بعد مراجعته .. وأهداني كتاباً للدكتورة عائشة عبد الرحمن " بنت الشاطئ" ، له صله قوية بالموضوع .
لقد كانت مكتبتي الأمنية معروفة لدى الزملاء ، وكانت تشتمل على مراجع أمنية مهمة .. وللأسف الشديد ، فقد تعرضت تلك المكتبة للحرق أثناء مداهمة بيتي بداية أحداث "17 فبراير " .. ولولا هذا التخصص لما إهتديت لتصنيف هذه الوقائع الإجرامية ، وكانت ستصنف يومها جنايات سرقة عادية ، وجُنح تعاطي خمور.
ولا أدعي شرف إكتشاف تلك الجريمة ، بل هو جهد لرجال البحث الجنائي في بنغازي .. وأحد المواطنين الشرفاء الذي قاد بلاغه للوصول إلى تلك العصابة .. ولكني أشرف بالإنتباه إلى هذا السلوك التآمري ، وقد وصفته بإنه نشاط ماسوني صهيوني أمام الأستاذ مفتاح بوكر أمين اللجنة الشعبية للعدل ببنغازي ، أطال الله بعمره .. خصوصا وأن تلك الجرائم كانت محل شك لديه ، حيث قال لي " أشعر بأن هناك الغاز في هذه القضية " .. ولقد تحملت عبء تلك الدراسة المعقدة حول المنظمات الماسونية ، رغم أن تخصصي الأصيل هو مكافحة الشيوعية والنشاط الديني المتطرف .
لقد كان في خاتمة اقوال ذلك الجاسوس ، " أن هؤلاء الشباب لا يعلمون بحقيقة أهدافي من وراء هذه الجرائم ، وكان ديدنهم فقط الحصول على المال والخمور والمخدرات " .
وفي جلسة تحقيق لاحقة سنرى كيف يكشف لنا هذا الجاسوس بؤرة أخرى في " سوق الجمعة " بطرابلس على رأسها أحد الألمان الأسرى .