أصبحت تونس، مهد الربيع العربي، تتوفر على تقليد ديمقراطي بعد إجراء الانتخابات الرئاسية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ولا يمكن للولايات المتحدة إلا أن تكون سعيدة بذلك.

"قدمت تونس مثالا يحتذى به في المنطقة والعالم كله لما يمكن تحقيقه من خلال الالتفاف حول الديمقراطية والإجماع والمسلسل السياسي الشامل"، يقول بيان وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري والذي يتابع "إنجازات تونس لهذه السنة وضعت الأسس لمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا وديمقراطية... وستواصل الولايات المتحدة دعمها لتونس بعد أن انضمت إلى ديمقراطيات العالم ، كما سندعو المجتمع الدولي أن يفعل نفس الشيء".

أصدر كيري ووزارة الخارجية الأمريكية بيانات مماثلة حول تطور الديمقراطية الجديدة في جميع أنحاء العالم. لكن حالة تونس خاصة وذات أهمية بالغة. حيث الأمل في استمرار الحكومة التونسية الجديدة سيكون بمثابة دليل على نجاح الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية التي تعودت منذ فترة طويلة على الحكم الاستبدادي وقمع الحركات السياسية الإسلامية المحلية.

غير أن مسؤولين أمريكيين  صرحوا للهافينغتون بوست أنهم متشائمون من رؤية تغيير إيجابي في تونس مع تنامي الفوضى في أرجاء العالم الإسلامي - من سوريا التي مزقتها الحرب، حيث أصبح الرئيس الأمريكي باراك أوباما مترددا بشأن المشاركة في محاربة الدولة الإسلامية، إلى حليف موثوق لليمن، وصولا إلى ليبيا، بلد آخر تدخلت فيه الولايات المتحدة –.

لكن المحللين المختصين في العالم الإسلامي حذروا الولايات المتحدة من الثقة الزائدة بشأن الاستقرار في تونس في هذه المرحلة المبكرة.

وقد عرفت البلاد انتقالا سياسيا في أولى ثورات الربيع العربي في 2011، تاريخ الإطاحة بزين العابدين بن علي، الدكتاتور الذي حكم تونس أكثر من 20 سنة. بعد ذلك هيمنت حركة النهضة الإسلامية على البرلمان عقب الانتخابات التي جرت بعد سقوط بن علي. وكجزء من الصفقة السياسية بين حزب النهضة وحزبين آخرين، آلت الرئاسة لحليف النهضة، منصف المرزوقي، وهو مناضل مشهور عُرف بانتقاده لبن علي. وكان المرزوقي قد تولى الرئاسة في ديسمبر كانون الأول من 2011.

وفي العام الماضي، انسحب برلمانيو النهضة بشكل جماعي، مما أدى إلى حل البرلمان واللجوء لانتخابات تشريعية مبكرة في أكتوبر تشرين الأول. ومع الانتهاء من وضع دستور جديد، تقرر تنظيم انتخابات رئاسية، تلك التي جرت الأحد الماضي.

اختار حزب النهضة عدم تقديم أي مرشح للرئاسيات. لذا احتدم الصراع بين المرزوقي، الذي أكد أنه سيخوض الانتخابات بشكل مستقل عن الإسلاميين ضد الباجي قائد السبسي، المحسوب على النظام السابق لبن علي. وكان حزب السبسي، 'نداء تونس' العلماني قد فاز على النهضة في الانتخابات البرلمانية وحصل على أكبر عدد من المقاعد. وفاز السبسي، 88 عاما، في الانتخابات الرئاسية بفارق أكثر من 10%.

ويعتبر فوزه نجاحا تاريخيا غير مسبوق: فباختيار برلمان ورئيس جديدين عن طريق الانتخابات، أصبحت تونس أول بلد عربي يستكمل مسلسل التحول الديمقراطي منذ انطلاق الربيع العربي.

لكن معارضي السبسي، ومن بينهم المرزوقي، حذروا من كون صعوده إلى السلطة قد يمهد الطريق لإحياء النظام السلطوي لبن علي، مما سيؤدي إلى تقويض انتصارات ثورة 2011. ويرى هؤلاء أن تونس تخاطر بالسير على طريقة مصر.

"هناك الكثير من الاحتفالية في الحديث عن تونس. لكني أعتقد أن الأمر يستحق المزيد من الحذر... أخشى أن هذه الاحتفالية قد تطمئن الولايات المتحدة وتقول: 'حسنا، تونس الآن بخير'"، يقول شادي حامد، وهو باحث في معهد بروكينغز ومؤلف كتاب "إغراءات السلطة"، الذي نشر مؤخرا ويعالج قضية الإسلام السياسي.

علاوة على مكانة تونس الرمزية، فإنها مصدر قلق لجهات فاعلة ما وراء الحدود بسبب الفوضى السياسية التي مكنت المتطرفين الإسلاميين من الفضاء المناسب للتوسع. فأكثر من 3.000 تونسيا انضموا إلى الدولة الإسلامية، ما جعل من تونس واحدة من بين المصادر الكبرى الرئيسية لجلب المقاتلين الأجانب لداعش. كما أن جماعة أنصار الشريعة، إحدى الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة، كانت الولايات المتحدة قد اتهمتها بالمسؤولية عن الهجوم على قنصليتها في بنغازي الليبية سنة 2012، تتمتع بوجود قوي في تونس.

في الوقت الذي يرى فيه بعض المراقبين الدوليين أن السبسي هو الشريك الأفضل لمعالجة هذه القضايا بالنظر إلى مرجعيته العلمانية، حذر حامد من أن الرئيس الجديد "لديه الكثير من نقط الضعف 'الديمقراطية' أكثر بكثير من أي شخصية أخرى في حزب النهضة".

هذا واندلعت احتجاجات، يوم الأحد، جنوب مدينة الحامة بعد أن تأكد خبر فوز السبسي. وعبر فيها الشباب عن إحباطهم مع صعود رجل يرتبط تاريخه بالنظام القديم.

وأضاف حامد "على المجتمع الدولي أن يضغط على السبسي ليرقى إلى مستوى توقعات العالم" من رئيس منتخب ديمقراطيا، لافتا الانتباه إلى اعتماد تونس على المساعدات الخارجية - من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي - كمصدر محتمل للإقلاع. وبسبب المشاكل التي تتخبط فيها تونس، حذر حامد من "نزوح السبسي للقول بأن تونس تحتاج إلى رئيس قوي."

"ليس لديه أية مخاوف لترسيخ سلطة الدولة" يقول حامد، "وهذا ما قد يؤدي إلى منزلق خطير".