تتواتر أزمات المؤسسات الإعلامية التونسية في ظل التجاذب السياسي والإيديولوجي الذي تعرفه البلاد ، وشهدت فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة محاولات الهيمنة على  مؤسسات الإعلام العمومي ، وكذلك الإعلام الخاص من خلال الملاحقة القانونية لصاحب قناة « الحوار التونسي » الطاهر بن حسين بتهمة التأمر على الدولة والدعوة الى الإنقلاب ، وصاحب قناة « التونسية » سامي الفهري بتهمة الفساد ، كما عرفت تونس صراعا ضد عدد من المذيعين البارزين ما جعل بعضهم مثل سفيان بن فرحات ونوفل الورتاني وسفيان بن جميدة عرضة للتكفير وتم العثور على إسمائهم ضمن قائمات المهددين بالإغتيالوخلال الأسابيع الماضية بدأت تظهت مؤشرات على سعي أطراف سياسية الى السيطرة على وسائل الإعلام من خلال الشراء عبر صفقات غامضة أو من خلال الضغط بإستعمال بعض الملفات للتدخل في الخط التحريري لبعض وسائل الإعلام والبرامج والإعلاميين الذين يختلفون فكريا وسياسيا مع حركة النهضة وحلفائها  في إطار ما يراه المراقبون إستعدادا للإنتخابات القادمة

بيع قناة « حنبعل »

أكد مقدم برنامج  «ملف الساعة »على قناة« حنبعل » فوزي جراد، أنه تم إيقاف برنامجه بصفة فجئية ودون أن تُعلمه إدارة القناة بهذا القرار، مشيرا إلى أن طرفا سياسيا كان وراء عملية إيقاف البرنامج، رافضا الكشف أو الإدلاء باسم هذا الطرفوقرر الإعلامي الياس الغربي التراجع عن تعاقده مع القناة ذاتها ، بعد قرار إستبعاد فوزي جرادويرى المراقبون أن المالكين الجدد لقناة « جنبعل » وهم تونسيون وأجانب إنطلقوا في التدخل المباشر في الخط التحريري للقناة ، على غرار ما يحدث في قناة « التونسية » الخاصة ، الأمر الذي بات يثير الشكوك حول عملية إلتفاف على عدد من وسائل الإعلام التونسية من قبل قوى مرتبطة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين ،وذلك إستعدادا للإنتخابات القادمة وكان العربي نصرة قد باع 90 بالمائة من أسهم قناة « حنبعل » لرجال أعمال تونسيين وأجانب بمبلغ قدره 50 مليون دينار تونسي ، وأكدت مصادر مطلعة أن متحالفين خارجيين هم من إشتروا القناة وجعلوا من وجوه تونسية غطاء للصفقة نظرا لأن القانون التونسيين لا يسمح بييع وسائل إعلام لرؤوس أموال أجنبية

ويدير القناة حاليا طارق قدادة وهو سعودي من أصل فلسطيني ولكن تحت شعار شركة بريطانية ، ويرتبط بعلاقات جيدة مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وأمينه العام عماد الدائمي الذي بدأ تجربته السياسية من خلال إعتناقه لفكر تنظيم الإخوان وإنتمائه لحركة النهضة قبل أن يسافر الى السودن في بداية التسعينيات حيث واصل دراسته الجامعية في الخرطوم ، ويدير شقيقه الذي كان يدير مكتب وضاح خنفر في قناة « الجزيرة »  جمعية خيرية مرتبطة بجمعية قطر خيرية وتؤكد مصادر من داخل القناة توجه المدير الجديد ل« حنبعل » نحو إعتماد اللون الأخضر الذي يشير الى شعار جماعة الإخوان ، غير أ٫ ذلك يحتاج الى غطاء سرعان ما تم العثور عليه في  إعادة إستقطاب المدير السابقة للقناة نجوى الرحوي المعرروفة بقربها من اليسار ،والتي لا تزال لها قضية عدلية مرفوعة أمام المحاكم ضد المالك السابق للقناة العربي نصرة.

أزمة في قناة « التونسية »

كما شهدت قناة « التونسية » الخاصة إيقاف برنامج « التاسعة مساء » البرنامج الأنجح والأكثر جماهيرية في تونس بعد إستقالة منتجه ومقدمه معز بن غربية ، نتيجة خلافه مع مالك القناة الجديد سليم الرياحي رئيس حزب الإتحاد الوطني الحر وكان الرياحي قد إقترب من حركة النهضة وإرتبط بعلاقات جيدة معها خصوصا بعد التشكيك علنا في مصادر ثروته الطائلة التي ترجح بعد الأطراف أنها نتاج شراكته السابقة مع المعتصم بالله القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافيومقابل الإطاحة بمعز بن غربية ، قامت القناة بالتعاقد مع الإعلامي سمير الوافي  لتقديم برنامجه السياسي « لمن يجرؤ فقط » الذي إستضاف راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في حلقة أثارت الكثير من الجدل بسبب ما سمّاها المراقبون « نعومة في التعامل مع الضيف » ، ويعتبر الوافي  من المقربين من حكومة الترويكا المستقيلة ،وكان الصحفي الوحيد الذي سمح له الرئيس س المنصف المرزوقي بتصوير برنامج خاص حول قصر الرئاسة بقرطاج وقصر سيدي الظريف في إطار العمل على الترويج لتهمة الإسراف والبذخ ضد النظام السابق

وكان سامي الفهري المنتج والمخرج التليفزيوني والشريك السابق لبلحسن الطرابلسي صهر بن علي ، قد تعرض الى الملاحقة القانونية وتجميد أرصدته المالية بعد الثورة ،كما تم تكليف متصرف قانوني بالإشراف على شركة « كاكتوس » التي كان يمتلكها بالإشتراك مع الطرابلسي ، وقام الفهري بتأسيس قناة التونسية الفضائية  في العام 2011 بترخيص أجنبي ، وقدمت القناة عددا من البرامج الناجحة التي إستشفت منها الترويكا الحاكمة أنها تتضمن دعما للمعارضة ، فتم في أواخر أغسطس 2012 القبض على الفهري وإيداعه السجن في جملة قضايا ،وفي ظل ما إعتبره الحقوقيون تجاوزا للقانون ، وبعد عام أطلق سراحه ، ليجد في إنتظاره مفاجأة غير سارة ، حيث ورغم إستمرار القناة في البث الا أن البنك المركزي التونسي منع تحويل المبلغ المالي المخصص لتأجير قناة البث عبر القمر الصناعي « نايلسات » وقد قام رجل الإعمال سليم الرياحي بشراء الذبذبات ليصبح مالكا لها ، كما إشترى علامة القناة من الشركة الأجنبية ليصبح شريكا في « التونسية » ومؤثرا في خطها التحريري

فرار من قناة « نسمة »

وشهدت قناة « نسمة » الخاصة تحولا من خلال إستبعاد فريقها الإخباري السابق الذي إلتجأ للإستقالة بعد تكليف برهان بسيس بإدارة قطاع الإتصال الإتصال بالقناة ، وبرهان بسيس كان أحد أبرز الأسماء الإعلامية المدافعة عن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ، وبعد الثورة بات من فريق المستشارين التابعين لمؤسسات رجل الأعمال ورئيس حزب الإتحاد الوطني الحر سليم الرياحي ، وعندما تم إلقاء القبض على بسيس بتهمة أهدار المال العام في مرحلة النظام السابق ، كان الرياحي من مسانديه ، ثم خرج بسيس من السجن وباع منزل أمه كما قال لدفع المبلغ المتهم بالحصول عليه من نظام بن علي وهو 120 ألف دينار ،

وفي مرحلة لاحقة جد خلاف حاد بين الرياحي وبسيس الذي إنضم الى فريق أخر ،وهو فريق نبيل القروي صاحب قناة « نسمة » والذي يسعى لتأسيس حزب سياسي جديد وتسبب إضمام بسيس للقناة في إستقالة فريق برنامج « التولك شو » اليومي « ناس » نسمة مثل المذيع حمزة البلومي الذي إنضم الى فريق قناة « تلفزة تي في » الجديدة ،والتي يديها زهير اللطيف ، وسفيان بن جميدة وجمال العرفاوي الذين إنضما الى قناة « تونسنا » لصاحبها رجل الإعمال عبد الحميد بن عبد الله

عودة الرقابة الى التلفزيون الرسمي

قالت وحدة الرصد وتوثيق الانتهاكات في مركز تونس لحرية الصحافة "انه وقع حذف 6 دقائق من أصل 52 دقيقة هي مدّة برنامج وثائقي بعنوان "ضدّ النسيان" حول اغتيال السياسي شكري بلعيد قبل بثه على القناة "الوطنية الثانية" لعموميّة مساء الخميس 6 فبراير الجاري على الساعة الحادية عشر ليلا. وقد تضمنت الدقائق الستة المحذوفة تصريحات كلّ من حمةالهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية وجزء من تدخل أرملة الراحل بسمة الخلفاوي والمتحدث باسم لجنة الدفاع نزار السنوسيوقال المرصد في بيان له انه تم "تم تعويض المادّة المحذوفة بستة دقائق تضمنت معطيات عن أحداث "رواد" الأخيرة والندوة الصحفية لوزارة الداخلية بتاريخ 13 أغسطس 2013".وأوضحت الصحفية العاملة على البرنامج الوثائقي إلهام الكتاني لوحدة الرصد بمركز تونس لحريّة الصحافة أنه "تمّ حذف التصريحات المتعلقة بالموقف من التحقيقات ونية التوجه نحو تدويل قضية شكري بلعيد وذلك بطلب من لجنة إدارية بعد أن قمنا بعملية مونتاج أولى وسلمنا المادّة للبث مساء الإربعاء 5 فبراير الجاري".وأضافت الكتاني أنه "بعد اجتماع لمجموعة من مديري البرمجة بطلب من مدير القناة الوطنية الثانية قرروا حذف المادّة المسجلة وقد صارت عملية المونتاج الثانية في حضوري بينما حصلت عملية مونتاج أخيرة وثالثة في غيابي بعد أن كنت مضطرة للمغادرة والتحضير لبرنامج "ما وراء الحدث" الذي يبث مساء الإربعاء 5 فبراير الجاري".وأكدت الصحفية أن الإدارة طلبت منها التنصيص على "المجهودات التي تقوم بها وزارة الداخلية في سير الأبحاث وردّها على تصريحات لجنة الدفاع حول التقرير الباليستي وأسباب تأخره"ونبهت الكتاني إلى تأخر بث برنامجها المقرر في السابعة والنصف من مساء الخميس 6 فبراير الجاري إلى الحادية عشر ليلا دون تقديم أي مبرر لمشاهدين.

من جانب آخر أوضح مدير قناة الوطنية الثانية شرف الدين بن سالم لوحدة الرصد بمركز تونس لحريّة الصحافة أن "التعديلات الحاصلة على 52 دقيقة تم بثها من أصل 4 ساعات ونصف من التسجيلات جاءت بعد مشاهدة البرنامج من قبل لجنة تعديل ذاتي متكونة من مختصين في البرمجة". وأضاف أن "المقترحات بالتعديل كانت لخلق توازن بين الرأي والرأي الآخر بعد تغييب لرأي الأطراف التي وجهت لها اتهامات كما أنه غاب عن العمل جانب تطور التحقيقات". كما شدد مدير قناة الوطنية 2 أنه "طلب من الصحفية الانطلاق من أحداث رواد تطبيقا لمبدأ أساسي حرفي هو قاعدة الهرم المقلوب".ونبه بن سالم أن "التقرير ظهرموجّها منذ انطلاق الحديث عن عملية الإغتيال وافتقد إلى التوازن خاصّة وأن الأبحاث لا تزال سارية في القضية وهي من أنظار القضاء مما يجعل التعامل مع الملف وتوثيقه شديد الدقّة الحساسية". ولفت الى أن "الاتهامات التي وجهت ضمن هذا البرنامج في نسخته الأولى قبل تعديلها قد تفتح المجال للتتبع القانوني الذي تتحمل مسؤوليته إدارة القناة قبل الصحفي". ونفى بن سالم تدخله في المونتاج وأكد أن قرارات اللجنة نفذتها مخرجة العمل.

وشدد بن سلامة أن تأخر عرض البرنامج جاء نتيجة تأخر المونتاج الذي رافقه عطل فني في تحويله إلى البثّ.وقال مركز تونس لحرية الصحافة انه "اذ يتضامن مع طاقم برنامج "ضدّ النسيان" ويشجب العودة الفجّة للرقابة على المحتويات الإعلامية بالتلفزيون العمومي، فإنّه يعتبر أنّ جملة الأسباب المهنيّة التي قدّمها شرف الدين بن سالم لا تشرّع تشويه البرنامج الوثائقي ولا تبرّر تدخّل الإدارة في توجيه محتوياته".واكد المركز" أن الوضع الأمني والتجاذبات السياسيّة مازالت تجد لها تجاوبا من قبل شتى الإدارات بالتلفزيون التونسي العمومي في اتجاه تكريس التدخل الممنهج في المحتويات وضرب مبدأ التمثيل العادل لمختلف التوجهات المجتمعيّة في برامج المرفق العمومي، ويعتبر أنّ كثيرا من الأدلة تؤكّد أنّ إدارة القناتين العموميتين مازالت تمثل عبء ثقيلا على مسار الإصلاح الإعلامي في المؤسسة وعائقا أساسيا أمام تحرره من أدوات الرقابة المقيتة ربيبة الديكتاتورية النوفمبريّة".

إضراب في التلفزة الوطنية

وتقرّر الدخول في إضراب بيوم واحد في مؤسسة التلفزة التونسية مركزياً وجهوياً وذلك يوم الخميس 13 فبراير 2014. ويأتي هذا الإضراب على خلفية التعيين المسقط لمكلف بالإدراة العامة وما يخلّفه من توتر اجتماعي وتلاعب بمصير المؤسسة، إضافة إلى المماطلة في تنفيذ ما تم الاتفاق حوله من مطالب الأعوان سابقاً والتهميش الذي لحق العديد من الأنشطة والأسلاك، بحسب ما جاء في نص برقية الإضراب الصادرة عن قسم الاعلام والاتصال والنشر بالاتحاد العام التونسي للشغل والتي نُشرت على صفحته الرسميةويعتبر العاملون في المؤسسة والنقابات أن حركة النهضة عملت على السيطرة على التليفزيون العمومي من خلال تنصيب شخص موال لها على رأس المؤسسة بعد قبول إستقالة المديرة العامة السابقة إيمان بحرون

إنفراج في الإذاعة الرسمية

وشهدت الإذاعة التونسية صراعا حادا خلال العامين الماضيين من خلال سعي حركة النهضة للسيطرة على مفاصلها من خلال تعيينها مهندسا تقنيا وهو محمد المؤدب  رئيسا مديرا للمؤسسة التي تنضوي تحتها تسع إذاعات بين مركزية وجهوية وكان أول قرار قامت به حكومة مهدي جمعة الجديدة في إطار مراجعات التعيينات هو الإطاحة بالمؤدب تلافيا للإضراب العام الذي كان مبرمجا لمدة ثلاثة أيام منتصف فبراير الماضي وقد شهدت مؤسسة الإذاعية خلال العامين الماضين إتساع دائرة الفساد حسب رئيسة النقابة بثينة قويعة ، حيث تم تجميد أبرز المذيعين مثل وليد التليلي ونبيل بن زكري والحبيب جغام وعزالدين بن محمود ويسر الحزقي وبثينة قويعة مع الحفاط على إمتيازاتهم المادية ورواتبهم ومخصصاتهم ، كما تم أتلاف جزء مهم من أرشيف الإذاعة بما فيها عدد من خطب الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وقد تم إلغاء الإضراب العام بعد إستبعاد المدير العام النهضاوي محمد المؤدب