قال محللون تونسيون إن الأموال التي جمعتها بلدهم عبر الاكتتاب الوطني يمكن أن تكون وسيلة لسد عجز الموازنة، وتقليص الديون بدلا من تفاقمها، وذلك إذا وجهت  في استثمارات عمومية جديدة، لكنهم أبدوا مخاوف من استخدام تلك الأموال في سد النفقات المتزايدة للبلاد.

وأعلنت وزارة المالية التونسية مطلع الشهر الجاري جمع 955 مليون دينار (573 مليون دولار) من عملية اكتتاب وطني طرحت خلاله سندات خزينة بفائدة تتراوح بين 5.95% و6.35%، وأطلقته الحكومة لتغطية جزء من الاحتياجات المالية لميزانية الدولة لسنة 2014.

وكان الهدف الأصلي من عملية الاكتتاب التي انطلقت في 12 مايو/ آيار 2014 واستمرت حتى 13 يونيو/ حزيران 2014، جمع 500 مليون دينار فقط (حوالي 312.5 مليون دولار).

وقال الخبير الاقتصادي صالح الذهيبي إن المبلغ الذي جرى تجميعه خلال فترة الاكتتاب،  يجب استغلاله أساسا في خلق استثمارات جديدة،  معتبرا أن الدولة التونسية في حاجة كبيرة إلى تمويل داخلي يعفيها قليلا  من التداين الخارجي الذي تفاقم في الفترة الأخيرة.

وأوضح صالح الذهيبي أن ميزانية الدولة مطالبة  بالإنفاق أولا على الاستثمارات، وثانيا على  أجور الوظيفة العمومية،  معتبرا أن مبلغ الاكتتاب قادر على سد بعض مصاريف الدولة التي تفاقمت في الفترة الأخيرة خصوصا بعد الارتفاع الكبير في الأجور.

وأضاف الذهيبي أن خلق مشاريع جديدة من شأنه أن يساعد على خلق مواطن شغل إضافية، وهو ما سيؤدي إلى الحد من نسبة البطالة.

وأعلنت حكومة جمعة منتصف مايو /ايار الماضي،  أن نسبة البطالة في تونس تراجعت إلى حدود 15.3%، بعد أن كانت في حدود 18.7% إبان الثورة، مشيرة إلى  أن عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا، انخفض للمرة الأولى  منذ الثورة ليهبط دون الـ 200 ألف عاطل.

واعتبر صالح الذهيبي أن المبلغ الذي تم جمعه خلال شهر الاكتتاب الوطني،  يعد بمثابة مؤشر على إمكانية عودة الحركية الاقتصادية إلى سالف نشاطها، مشيدا في الوقت ذاته بالدور الذي لعبته الهيئات البنكية في تمويل الاكتتاب.

ويرى الخبير أن عملية الاكتتاب تعد ناجحة مبدئيا، وقال: "في انتظار صرف تلك الأموال في مكانها المناسب".

ويرى الذهيبي  أن الأموال التي تم جمعها نتيجة طرح سندات محلية تعد سلاحا ذو حدين، إذ أنها من الممكن أن تنقلب إلى خطر كبير يداهم الاقتصاد الوطني في حال لم تقم الدولة بصرفها في خلق مشاريع جديدة قادرة على امتصاص البطالة وتحقيق أرباح للتمكن من تسديد مبالغ السندات وفوائدها المختلفة.

وتابع من الممكن أن يتحول القرض إلى استهلاكي وهو يعد خطرا على ميزانية الدولة، مشددا على ضرورة صرف الأموال في الاستثمارات بهدف الوقوف بعيدا عن الكارثة.

وبحسب توقعات الحكومة التونسية، فإن نسبة المديونية من المرتقب، أن تفوق خلال العام الحالي، 50 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي المقابل، وصف معز الجودي  عملية الاكتتاب بأنها غير ناجحة، وذلك بعد تجاوزها المبلغ المستهدف،  مضيفا أنها تميزت بعدم الشفافية والغموض، خاصة بعد مد فترة الاكتتاب،  وتأخير عملية الإعلان عن نتائجها.

وانطلقت فترة الاكتتاب بدابة من يوم 12 مايو/ايار وكان من المقرر أن يتم غلق الاكتتاب يوم 13 يونيو/حزيران الماضي والإعلان عن نتائجه لكن قامت الحكومة بتمديد فترة الاكتتاب إلى حدود يوم 27 من نفس الشهر.

وأوضح معز الجودي، أن الحصول على أغلبية مبلغ الاكتتاب من البنوك، يمثل دليلا واضحا على  وجود نوع من الضغط  تمت ممارسته على الهيئات البنكية وذلك لإنقاذ تجربة الاكتتاب الوطني من الفشل.

وبحسب الخبير الاقتصادي يعد إنفاق كل تلك الأموال عاملا مهما  من شأنه أن ينقص قدرة الهيئات البنكية على التمويل والإيفاء بحاجيات الاقتصاد الوطني.

وأشار الخبير إلى أن عملية الاكتتاب يشوبها نوع من الغموض، وذلك خصوصا بعد أن صرح  محافظ البنك المركزي  التونسي الشادلي العياري بأنه تم الحصول  على نحو  300 مليون دينار فقط في 11 يونيو /حزيران كما أعلنت الحكومة  يوم 20 من الشهر ذاته أنها توصلت إلى جمع 955  مليون دينار خلال شهر واحد من الاكتتاب أي إلى حدود 13 يونيو.

وقدرت وزارة الاقتصاد والمالية التونسية  العدد الإجمالي للمكتتبين بحوالي 27 ألف مكتتب، منهم أشخاص طبيعيون وأشخاص معنويون الذين ساهموا بـ 94%  من المبلغ الإجمالي.

والأشخاص المعنويون منهم 18 بنكا و21 شركة تأمين و35 من مؤسسات التوظيف الجماعي وعدد 793 من الشركات ذات الأنشطة المختلفة بحسب وثيقة حكومية. 

 وهو ما يدل بحسب الجودي على أن  هذه الفئة من المكتتبين قد تعرضت لنوع  من الضغط بهدف المساهمة بمبالغ كبيرة، وجرى وعدها في المقابل أنه  سيقع تمويلها عبر البنك المركزي.

من دون أن ينفي أهمية المبلغ المجموع والذي قارب المليار دينار، بحسب وزارة الاقتصاد والمالية، نصح معز الجودي بإنفاق الأموال التي تم تجميعها من خلال بيع السندات المحلية على خلق استثمارات عمومية جديدة  مبينا أن الاستثمار العمومي يحرك الاستثمار الخاص بهدف خلق الثروة.

وكشف التقرير السنوي لـ"مؤتمر منظمة الأمم المتحدة حول الاستثمار" أن الاستثمارات الأجنبية في تونس تراجعت خلال العام الماضي بنسبة 27% مقارنةً بسنة 2012 ، حيث بلغت 1.080 مليار دولار سنة 2013 مقابل 1.783 مليار دولار عام 2012.

وردا على ذلك، ترى الحكومة التونسية أن عملية الاكتتاب أثبتت ثقة التونسيين في اقتصاد بلادهم، نافية أن تكون قد مارست أية ضغوطات على أي نوع من المكتتبين سواء كانوا مواطنين عاديين أو مؤسسات بنكية أو غيرها.

واعتبر وزير الاقتصاد والمالية حكيم بن حمودة، عملية الاكتتاب، ناجحة بامتياز وخير دليل على ذلك المبلغ الذي تم جمعه خلال فترة الاكتتاب والذي بلغ بحسب الوزير مليار دينار تونسي. 

 وقالت الحكومة في وقت سابق أنها تسعى من خلال بيع السندات المحلية إلى جمع نحو 500 مليون دينار، وذلك لمحاولة تغطية العجز الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة والذي وصل لأرقام كبيرة بحسب نضال الورفلي  المكلف بتنسيق ومتابعة الشؤون الاقتصادية في حكومة مهدي جمعة.

وأشارت إلى أنه سيتم استغلاله كذلك في دفع الاستثمار وتمويل المشاريع الكبرى في البلاد وذلك بهدف خلق الثروة والحد من البطالة.

ويعد هذا الاكتتاب الثالث من نوعه في تاريخ تونس، منذ حصولها على الاستقلال ، وكان أولها عام 1964، والثاني عام 1986.