تشير الأرقام إلى أن حكومات الترويكا قد جمدت نحو 30 ألف موظف من الكوادر العليا ، وتتحمل الدولة نفقات هؤلاء الموظفين الذين ينتظرون أن تعيدهم الحكومة الجديدة إلى سالف أعمالهم.
خلال تقديمه برنامج الحكومة لنيل ثقة مجلس نواب الشعب، قال رئيس الحكومة الحبيب الصيد إنه سيعهد إلى لجان وطنية لدراسة الملفات الكبرى التي تحتاج إصلاحات عميقة، وهذا التعهد يشمل ضمنيا التعويل على الكفاءات الإدارية حتى تستطيع أن تدرس الإمكانات المتوفرة وتضع الخطط الكفيلة لإنجاز تلك الإصلاحات.
واقع
الحكومة الجديدة ملزمة بتنفيذ برنامج حزب نداء تونس الذي وقع تعديله على ضوء مشاورات الرباعي المشارك في الحكومة الجديدة، وفي هذا البرنامج رهانات كبرى، وهذا يستوجب أن يعمل الوزراء الجدد على تعديل أداء وزاراتهم و إداراتها المركزية و الجهوية و المحلية على مقياس عمل جديد. تشير بعض الاحصائيات إلى أن أداء الادارة التونسية قد تراجع إلى النصف بعد الثورة رغم أن أداء هذه الإدارة لم يكن مرضيا حتى قبل الثورة. وهناك دراسات تشير إلى أن معدل عمل الموظف التونسي لا يتجاوز بضع دقائق في اليوم، ولذلك يقع إغراق الإدارة بالانتدابات دون أن تكون لهذه الانتدابات فاعلية في إدارة المرفق العام. المشكلة المستجدة في ملف الإدارة التونسية بعد الثورة هو ما تعلق بالتسميات الحزبية، إذ تشير الأرقام إلى أن 90 بالمائة من التسميات في الوظائف الكبرى في الدولة كانت تسميات حزبية و أكثرها كانت لفائدة المتمتعين بالعفو التشريعي العام، اس من ينتمون لحركة النهضة. ولعل هذا ما دعا الأحزاب السياسية إلى رفع مطلب مراجعة التسميات و تحييد الإدارة و ذلك قبل تولي مهدي جمعة مقاليد حكومته قبل نحو سنة من الآن. الاتحاد التونسي للمرفق العام و حياد الإدارة ، طالب الحكومة السابقة بضرورة مراجعة التسميات، وضمان حياد الإدارة. لكن ما هو فظيع هو ما كشفه عبد القادر اللباوي في حوار سابق مع الشروق التونسية، من وجود نحو 30 ألف إطار وقع تجميدهم في الإدارة التونسية في عهد الترويكا، وهو ما يجعل الدولة تتكفل بإنفاق نحو 500 مليون دينار سنويا، دون أن تستفيد من القدرات المهنية لهذه الكفاءات.
وزارات حساسة
ملفات خطيرة مثل الإصلاح التربوي و الإصلاح الجبائي و أصلاح صناديق الضمان الاجتماعي ومراجعة صندوق الدعم فضلا عن ملف التنمية الجهوية. كل هذه الورشات التي ستفتح ستحتاج من الوزراء الجدد الاستنجاد "بجيش الاحتياط المجمد" في الإدارة التونسية لأسباب سياسية، تتعلق بإدارة الترويكا السابقة لشؤون البلاد. وزير التربية الجديد ناجي جلول و برغم قربه من المشهد التعليمي في تونس و علاقته الوطيدة بالهياكل النقابية و بالاتحاد العام التونسي للشغل، فإنه يحتاج إلى خبرات أبناء القطاع حتى يمكن التوصل إلى رؤية شاملة للإصلاح التربوي المنشود، وهنا ستكون أمام وزير التربية الجديد، مسؤوليات كبرى لتطبيع الأوضاع داخل وزارته. سيواجه الوزير الجديد إضرابا، خلال الأسبوع الأول من توليه وزارة التربية، ولم يؤثر هذا الإضراب في علاقة الوزير الجديد بنقابة التعليم الثانوي، أو بغيرها من نقابات التعليم، لأن المستقبل يجب أن يبنى على شراكة حقيقية، وانسجام بين الطرفين، حتى تستطيع عجلة الإصلاح أن تدور بعد أن ساهم الوزير السابق في توتير الأجواء في قطاع التعليم. وزارة الشؤون الاجتماعية ستكون في المرحلة القادمة من أخطر الوزارات بالنظر إلى حجم المطالب الاجتماعية المتراكمة خلال السنوات الماضية، و التي ستكون في عهد الحكومة الجديدة غير قابلة للتأجيل. وعليه فإن الأسبوع الأول من عمل الوزير القدم الجديد أحمد عمار الينباعي، هاما ذلك أنه سيتم الشروع في المفاوضات الاجتماعية الخاصة بموظفي القطاع العام. وينتظر أن تمرّ هذه المفاوضات دون مشاكل تذكر خاصة أن الملف مفتوح منذ الحكومة السابقة. لكن وزير الشؤون الاجتماعية الذي أصبح هو الخصم و الحكم سيجد نفسه في مواجهة مفاوضات شاقة مع قطاعات حساسة مثل التعليم، و التي تطالب نقاباتها تحسن وضعيات منظوريها. وزير آخر سيجد نفسه في موقع غير مريح بالمرة، وهو الذي ستعهد إليه مهمة الحفاظ على هيبة الدولة و نقصد وزير الداخلية ناجم الغرسلي.هذا الوزير أثير حول تعيينه جدل كبير، وبعض الأحزاب طالبت بتغييره، و أهمها الجبهة الشعبية و القضاة و غيرها من منظمات المجتمع المدني. الغرسلي سيكون أداؤه تحت رقابة شديدة من كل هذه الأطراف، و اي خطأ سيرتكب في عهده سيتحمل هو مسؤوليته المباشرة و المضاعفة. إصرار الحبيب الصيد على تحدّي مطالب تغيير هذا الوزير سيكون لها أثر في المستقبل. لأن الصيد سيشترك في تحمل مسؤولية خياراته. التحديات الأمنية خطيرة، ومقاومة الإرهاب و التهريب تتطلب من الوزير الجديد أن يقدم الإضافة النوعية المطلوبة، أو أن يواجه سهام النقد التي لن تكون رحيمة.
ميزان النهضة
وزارة التشغيل و التكوين المهني التي تحملت حركة النهضة ثقلها، هي أي واحدة من الوزارات الحساسة، فأرقام البطالة في صفوف خريجي الجامعات و مراكز التكوين المهني يعرفها زياد العذاري جيدا وتم تحميل حكومات حزبه السابقة مسؤولية تضخم نسب البطالة. الوزير الشاب المكلف بالتشغيل عليه أن يجد الحلول "الثورية" لضمان فرص شغل لأترابه الذين لم يستطيعوا أن يظفروا بموقع عمل رغم تسرب الشيب إلى رؤوسهم. وزارة التكوين التكوين المهني و التشغيل هي واحدة من أكثر الوزارة التي تشغل كفاءات مجمدة، و الوزير مطالب بأن يعيد الحرارة لهذه الكفاءات، و يجد الحلول لغيرها من الكفاءات العاطلة.