بدأ العد التنازلي لموعد الاستحقاق الرئاسي في تونس، الذي ينتظم بعد غد الأحد الموافق للثالث والعشرين من الشهر الجاري وسط استعدادات أمنية و لوجستية وإدارية وتنظيمية واجتماعية مكثفة.
وفي ظل أجواء عامة اتسمت بالتفاؤل حينا وبالحذر والتوجس أحيانا أخرى، من إمكانية حدوث عمليات إرهابية من شأنها إرباك العرس الانتخابي الرئاسي الأول من نوعه في البلاد.

التونسيون بمختلف فئاتهم وفي كل جهات البلاد يعيشون على وقع الساعات الأخيرة لموعد السباق الانتخابي نحو قصر قرطاج، بعد أن وضعت الحملة الانتخابية بالنسبة للمترشحين أوزارها وبعد انطلاق التصويت بالنسبة للتونسيين بالخارج وبداية مرحلة الصمت الانتخابي التي تنطلق هذا اليوم بالداخل مع منتصف الليل بتوقيت تونس.

ووسط هذه الأجواء الإستثنائية المتشحة بالتفاؤل والحذر، قامت "بوابة إفريقيا الإخبارية"، بجولة مسائية في شوارع العاصمة التونسية. وتحدثت مع عدد من المواطنين حول آخر تحضيراتهم للإدلاء بأصواتهم بعد غد لاختيار من يمثلهم على رأس الدولة. ورصدت عن قرب انتظاراتهم وهواجس اللحظات الأخيرة قبل يوم من انطلاق الموعد المصيري للبلاد الذي سينقلها من مرحلة الحكم المؤقت إلى الحكم الدائم كضمانة لتكريس وضع استقرار يرجو التونسيون أن تستعيده بلادهم بعد فترة عصيبة خيمت عليها طيلة السنوات الأخيرة، في الريبورتاج التالي.

مراد (صاحب محل لبيع المرطبات47 سنة) أكد أنه سيتوجه إلى مركز الاقتراع صباح الأحد للتصويت لمن يراه الأجدر بحكم تونس بقوله: " تونس عزيزة لا يجب أن نخذلها، كل من موقعه مطالب بالدفاع عنها، و لو بصوته". ولم يخف مراد مخاوفه من التهديدات الإرهابية التي تستهدف وطنه مشددا على أن شعبه سينتصر على هذه الجماعات لأنه شعب موحد ونسيجه المجتمعي متماسك وأن الإرهاب لا مكان له في مجتمع يحب الحياة ومسالم بالفطرة وفق كلامه.

الانتخاب رسالة مضمونة الوصول إلى أعداء الوطن

وتابع محدثنا بأنه سيصحب جميع أفراد عائلته وجيرانه إلى مركز الاقتراع، كما فعل في الانتخابات التشريعية. مؤكدا أن المشاركة في الاقتراع رسالة واضحة المعنى إلى كل أعداء تونس في الداخل والخارج. وأشار في الأثناء إلى أن تونس محصنة بتاريخها وبهويتها الوطنية وبصلابة دولة الاستقلال التي لن تهزها الرياح العاتية مهما اشتدت لأنها بنيت على "ساس صحيح" حسب تعبيره.

وأنهى بأنه اختار الطريق الأنسب لوطنه في الاستحقاق التشريعي، وأنه سيكمل المهمة في الرئاسية. ولذلك، هو يشعر براحة الضمير لأنه ساهم من موقعه في إنقاذ بلاده.

الوعود الانتخابية كاذبة والأولوية للأمن

حبيب ( تقني سامي بإحدى الوزارات 35 سنة) أفاد أن الحملة الانتخابية للمترشحين حملت نفس البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقريبا من جانب الوعود الانتخابية الغراء التي تم تقديمها للمواطن التونسي. وأضاف أنها وعود واهمة في أغلبها نظرا لاعتبارات عدة ولكنها أجمعت على ضرورة إنقاذ البلاد من براثن الإرهاب، وهذا هو الأهم وفق كلامه. وأوضح محدثنا أن التونسيين قادرون على الغربلة جيدا. ولذلك هم سيختارون حتما وضرورة من سيضمن أمنهم واستقرارهم ومن سيحافظ على عنفوان دولتهم التي كانت طيلة تاريخها منيعة وشامخة. مشددا على أن الأولوية القصوى التي يجب تفعيلها هي الأمن، لأن جميع المطالب الأخرى أي تلك المتعلقة بالاستثمار وبدفع الاقتصاد والقضاء على البطالة والفقر وغيرها لا يمكن أن تتحقق في غياب الأمن.

ونوه حبيب بالجهود الكبيرة التي تقوم بها الوحدات المسلحة من جيش وأمن، خصوصا بالمناطق الحدودية الساخنة بالشمال الغربي والوسط الغربي وعلى الحدود مع ليبيا. مؤكدا أن تونس عاشت سنوات عصيبة، ولكنها ستعود آمنة ومشرقة كسالف عهدها وأحسن حسب ما جاء على لسانه.

ثقتنا عالية في قواتنا المسلحة

أنيس (مهندس فلاحي 40سنة) قلل من حجم تأثير التهديدات التي تستهدف البلاد. مؤكدا أن ثقته عالية في يقظة المؤسسة الأمنية والعسكرية وفي قدرة تونس على التصدي لكل ما من شأنه أن يهدد استقرارها. ولاحظ في الأثناء أن الإرهاب ظاهرة إقليمية ستنتهي بانتهاء أهدافها وغاياتها. وأوضح أن تونس شهدت أوضاعا مأسوية وفاجعة ودخيلة على أهلها، ولكنها أثبتت أنها جدارا عازلا ضد الأفكار الهدامة والإجرامية وفق كلامه.

تونس ستكمل الجزء الثاني من انتصارها

واعتبر أنيس أن الوضع في ليبيا أثر بصفة مباشرة على المشهد العام الأمني والاقتصادي والاجتماعي في تونس. و بين أنه مع ذلك ذلك صمد التونسيون، رغم فداحة الخسائر ورغم الاغتيالات السياسية وقتل الجنود والأمن ورغم التدهور الاقتصادي غير المسبوق. وبالتالي يمكن القول: "لاباس" وأن جميع المخاطر التي تهدد أمننا القومي مجرد كابوس أو "منامة خايبة" وفق تعبيره. منهيا كلامه بأن يوم الأحد المقبل سيكمل التونسيون الجزء الثاني من انتصارهم الساحق على الإرهاب وعلى كل من يسعى لتفرقتهم وبث الفتنة بينهم.

تونس في حاجة إلى المحبة والعمل

مليكة (عجوز في الستين من عمرها) أجابت عن سؤال "البوابة" بحكمة الأمهات أو حكمة السنين، ربما، أن تونس تحتاج إلى المحبة والعمل، (لازم نخدمو على رواحنا ونحبوا بعضنا وكل شيء يكون لاباس).
وأضافت، متذكرة أيام الصبا والشباب والكهولة عندما كانت تلمح هذا الحب بين التونسيين المشمرين على السواعد لبناء وطنهم، أن الزمن تغير بسبب انتشار التكنولوجيا الحديثة التي قللت من حجم قرب المواطنين من بعضهم البعض مما أضعف ترابط العلاقات الأسرية والاجتماعية التي أصبحت تدار بزر الهاتف أو الحاسوب. وأكدت أن هذا الأمر نتج عنه ما نعانيه اليوم من تغلغل للإرهاب والتشاحن والكراهية وتدهور الاقتصاد، وهو ما لاحظته خلال السنوات الأخيرة حسب تعبيرها.

وأشارت إلى أنه رغم تقدمها في السن فهي تشعر أنها شابة يافعة ومواطنة صالحة لأنها عاشت في محيط سليم. ولأجل ذلك فهي ستكمل مهامها كمواطنة صالحة حتى النهاية بالتوجه إلى صناديق الاقتراع لانتخاب من تراه الأقدر على إعادة اللحمة والمحبة إلى أبناء شعبها حتى ينتصروا على غول الإرهاب على حد قولها.

سأصوت للدولة التونسية

محمد ياسين ( عامل بالمدينة العتيقة 27 سنة) أوضح أنه سيصوت للدولة التونسية بغض النظر عن الأسماء. مشددا على أن الإشكال لا يتعلق بالبرامج المقدمة من المترشحين لرئاسة الجمهورية، بل الإشكال الحقيقي يتمثل في أن كيان هذه الدولة مهدد في صميمه وفي أساسه وقيمه ومؤسساته من قبل الظلاميين والرجعيين وكل من يحقد على وطنه.

وأعقب أن جميع السياسيين كاذبون في وعودهم ولن يحققوا ما وعدوا به في الحملة الانتخابية لأن هدفهم الوحيد هو الفوز بأصوات الناخبين ثم رمي مطالبهم في سلة المهملات وخصوصا من حيث المطالب الاجتماعية. وأكد أنه مع ذلك لا بد من اختيار الأجدر منهم في الالتزام بتحقيق الأولويات الكبرى وهي الأمن والاستقرار وبعض الإصلاحات الاقتصادية وهذا أهم ما يجب الالتزام به حسب كلامه.

رئيس دولة له القول الفصل

وأشار محمد ياسين إلى أنه يمكنه التفريق بين الوعود الكاذبة والوعود الحقيقية انطلاقا من تاريخ المترشح الشخصي والسياسي، وانطلاقا من حجم الخدمات التي قدمها لوطنه ولأبناء شعبه. وختم بأنه سيعطي صوته لمن يستحقه ولمن يحقق له الأولويات التي ذكرها ووقتها فقط ستنتصر تونس على الإرهاب لأن المرحلة تقتضي انتخاب رجل دولة محنك و حاسم في قراراته وله القول الفصل في القضاء على الظاهرة الإرهابية و إرجاع تونس التي حولت وجهتها إلى حضن أهلها الطيبين على حد قوله.

صناديق الاقتراع هي الحل

خولة (أستاذة إسبانية 30 سنة) بادرتنا بقولها:"الحل هو توجهنا جميعا وبكثافة إلى صناديق الاقتراع". وأكدت أن خلاص تونس النهائي مرتبط بنتائج الانتخابات الرئاسية حتى يكتمل العرس وتضيء بلد الأفراح الدائمة وفق تعبيرها.

وأضافت أن المجهودات الجبارة التي تقوم بها الوحدات الأمنية لحماية البلاد وشعبها يجب أن تدعم بوعي هذا الأخير في اختيار واع ومسؤول لحكامه وقادته وبتكاتفه الشامل مع بعضه البعض لإنجاح الانتخابات وتأمين عبور البلاد إلى طور الأمان. مشددة على أن مسؤولية المواطن التونسي جسيمة جدا بالنظر إلى التحديات الدقيقة والخطيرة التي تواجهها البلاد.

تونس ستتجاوز محنتها

يوسف شقيقها يعمل كصائغي كان برفقتها بعد عودتهما من زيارة عائلية، قال من جهته إن تونس ستتجاوز محنتها قريبا، خصوصا وأنها حققت نصف المهمة في 26 أكتوبر الفارط وما عليها إلا مواصلة السير في اتجاه الديمقراطية والمناعة الأمنية والقضاء على الإرهاب وفق تعبيره.

وبين في ذات الصدد أن الشعب التونسي مطالب بتحكيم صوت العقل وصوت الضمير الحي والمسؤول في اختياراته الانتخابية، لأن مصير البلاد رهين هذه الاختيارات. مؤكدا أن نسبة المشاركة في التصويت ستكون مرتفعة وأن شبح الإرهاب لن يفلح في إثناء التونسيين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع حسب كلامه.