تتجه تونس لفتح الملفات الأمنية لمرحلة حكومة الترويكا وخاصة في ما يتعلق بالإغتيالات السياسية وتهريب عدد من قادة الجماعات الإرهابية وما سمي بقضية الأمن الموازي ،وفي حين جدّد الرئيس الباجي قائد السبسي منذ أيام لأسرة القيادي اليساري شكري بلعيد تمسكه بالعمل على كشف حقيقة إغتياله يوم 6 فبراير 2013 ، جاء الإعلان عن إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق مدير أمن الطائرات السابق عبد الكريم العبيدي بتهمة التورط في قضية إغتيال محمد البراهمي ليثير جدلا واسعا في البلاد خصوصا وأن العبيدي يعتبر من المحسوبين على حركة النهضة وتم تكليفه بأمن المطارات إنطلاقا من مطار تونس قرطاج الدولي بعد وصول الترويكا الى الحكم ، وتم إتهامه من خلال تحقيق إستقصائي بالسماح بمرور عدد من الأسماء الممنوعة من دخول تونس والتي لها علاقات بالإرهاب وتجنيد التونسيين وتسفيرهم للقتال في سوريا ضمن الجماعات المتشددة ،وتخصيص مسالك خاصة لهم تقيهم من الرقابة الأمنية المباشرة
وفي أغسطس الماضي حققت الوحدة الوطنية لمكافحة الارهاب مع عبد الكريم العبيدي على خلفية شهادة تتهمه بالتردد على المنزل الذي كان يختبئ فيه كمال القضقاضي وأبو بكر الحكيم المتورطين في إغتيال بلعيد والبراهمي بضاحية رواد شمال العاصمة ،وكذلك بتقديم سيارته ليتنقل بها الإرهابيان المذكوران بعيدا عن أنظار الأمن والجيران
ويرى المراقبون في إيداع العبيدي السجن خطوة مهمة تم إتخاذها الأسبوع الماضي من قبل حاكم التحقيق بمحكمة تونس الإبتدائية تؤكد وجود غطاء سياسي بعد ثلاثة أعوام عرفت ضغوطا على الأمن والقضاء أدت الى إطلاق سراح عدد مهم من المتورطين في الإرهاب قبل أن تسجّل الجهات الرسمية عودتهم لإرتكاب جرائم أرهابية ، آخرها جريمة ذبح رجل أمن في ولاية زغوان ، شمالي البلاد ، من قبل عناصر ثبت أنه تم إعتقالها في يونيو الماضي بتهمة محاولة إقتحام مركز أمن والإمساك بمتفجرات مولوتوف ثم أطلق سراحها بعد أيام قليلة
إتهامات معلنة
وتصرّ النقابات الأمنية التونسية على فتح ملفات الإختراقات الأمنية التي عرفتها أجهزة الدولة من قبل الجماعات الإسلامية ومنها حركة النهضة خلال فترة حكم الترويكا ، وتطالب بكشف الحقائق حول المتورطين في الإرهاب وخاصة فيما يتعلق بإغتيال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد شكري بلعيد ومؤسس التيار الشعبي محمد البراهمي الذين توصلت وزارة الداخلية الى تحذيرات من أجهزة مخابرات أجنبية بأنهما عرضة للإغتيال دون أن توفر أية حماية لهما ،كما يمثّل مقتل أمنيين وعسكريين تونسيين دافعا للبحث عن علاقات بين الجماعات المتشددة وأطراف داخل المؤسسة الأمنية قد تكون متورطة في دعم الإرهاب ، علما وأن الداخلية التونسية إكتشفت عشرات من المنتمين الى تنظيم الأنصار الشريعة بين صفوف منتسبيها وتم عزلهم من وظائفهم والتحفّظ على عدد منهم ، غير أن هذه الخطوة لم تتم إلا بعد إعلان الحكومة عن إعتبار « أنصار الشريعة » تنظيما إرهابيا في أغسطس 2013
وتتهم نقابات الأمن التونسية وزير الداخلية الأسبق علي العريض القيادي في حركة النهضة بالتورط في تهريب زعيم أنصار الشريعة أبي عياض عندما كانت قوات من الأمن تحاصره في جامع الفتح بقلب العاصمة مما سمح له بعد ذلك بالفرار نحو التراب الليبي ،وذات الأمر يتعلق بالإرهابي كمال رزوق الذي يعتبر حاليا من قيادات داعش في العراق وأكدت التحقيقات الأمنية تورطه في الإغتيالات السياسية الى جانب توجيهه مؤخرا لرسائل تهديد مصورة بالهجوم على تونس إنطلاقا من ليبيا وإغتيال عدد من الساسة والإعلاميين ، كما تمثّل حادثة الهجوم على السفارة الأمريكية في سبتمبر 2012 من الملفات المهمة التي سيتم فتحها خلال الأسابيع القادمة لكشف المتورطين الحقيقيين فيها نظرا لثبوت التراخي الأمني الذي أدى الى حصولها والذي يعيده الأمنيون الى القرار السياسي عندما كانت حركة النهضة تسيطر على وزارة الداخلية
وينتظر أن تشهد ملفات أخرى منها ملف المساومات التي تعرّض لها أخر وزير أول في عهد القذافي البغدادي المحمودي قبل تسليمه لسلطات طرابلس في يونيو 2012 وتورط شخصيات سياسية في ملف تسفير التونسيين للقتال في سوريا تحريكا على المستوى القضائي مما سيضع حركة النهضة في حرج خصوصا وأن بعض المتهمين من المنتمين إليها عقائديا وتنظيميا
التحدي الكبير
وبحسب جل المراقبين فإن الملفات الأمنية لفترة حكم الترويكا ستبقى تحديا مهما أمام الحكومة القادمة التي تحاول حركة النهضة أن تكون جزءا منها ،وفي هذا الإطار قال النائب والقيادي في حركة نداء تونس عبد العزيز القطي أن "من صالح النهضة مساندة الحكومة القادمة و التي ستكون خارجها على أن تكون وزارات السيادة لمن أعطاه الشعب اﻷولوية وعليها أن تنتظر نتائج التحقيق في مقتل الشهداء لطفي نقض ،شكري بلعيد و محمد البراهمي خاصة بعد إيقاف النهضوي عبد الكريم العبيدي و فتح ملف مقتل ( القيادي الأمني في مجال الإستعلامات ) سقراط الشارني و ملف السفارة اﻷمريكية و ملف عدم إلقاء القبض على أبي عياض في أربعة مناسبات و ملف الوثيقة المسربة حول إغتيال البراهمي و ملف أمن الموازي و التدريبات المشبوهة في وزارة الداخلية".
وأردف القطيّ "لا عداء لنا لحركة النهضة و لكن من شارك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في التلاعب بمصالح تونس العليا يجب أن يتحمّل المسؤولية و أن يقبل بقانون اللعبة في إطار التداول السلمي على السلطة و المحاسبة أمام الشعب و أمام القانون...من تحمّل مسؤولية الدفاع عن اﻹسلام السياسي و من حاول أخونة تونس و اعتبارها مخبرا لتمرير مشروعه اﻹخواني و إجهاض كل هذه المحاولات من قبل الشعب اﻷبي لا يمكن له أن يكون مشاركا في نحت المرحلة القادمة التي هي مرحلة إنقاذ بامتياز لما تم تدميره من قبل الترويكا اللعينة خلال السنوات الثلاث المنقضية"
وختم بالقول: "لن نترك النهضة ترجع من الشباك بعد طردها من الباب مهما كان الثمن"