تتالت المؤشرات التي تؤكد أن جزءا هاما من القرارات الوفاقية التي سارعت بإنهاء المسار الانتقالي في تونس وتتويجه بتنظيم انتخابات ديمقراطية وشفافة كانت نتيجة المشاورات واللقاءات التي عقدها " الشيخان " راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي والتي كان أولها الذي احتضنته العاصمة الفرنسية باريس يوم 15 أوت 2013 ، وآخرها يوم الاحد الماضي والذي تم الاتفاق فيه على ترشيح الحبيب الصيد لرئاسة الحكومة ، وهو الذي عمل مع حكومة السبسي وحكومة الجبالي ٠
وبدا تعيين الصيد مفاجئا لقيادات حزب نداء تونس ، حتى أن أحدهم صرح لدى تسريب خبر ترشيح الصيد لرئاسة الحكومة بأنها إشاعة صادرة عن معارضي النداء في حين سارعت قيادات النهضة بعد وقت قصير من اعلان الترشيح الى الترحيب به والتنويه بكفاءته واستقلاليته ٠
المفاجأة التي رافقت ملامح التقارب بين النداء والنهضة حول شخصية رئيس الحكومة الجديد وأيضاً حصول الحركة الاسلامية على حقائب فيها طبعت كذلك ردود فعل جزء مهم من قواعد الحزبين ومن الأنصار الذين صوتوا لهما والذين أحسوا بنوع من " الخيانة " من قيادات النداء والنهضة باعتبار أن الحملتين الانتخابيتين ، التشريعية والرئاسية ، وما سادهما من استقطاب ثنائي ومن تعبئة شعبية ، ارتكزتا على كره أو رفض كل طرف للطرف الاخر ورفض التعامل معه أو التعايش معه .
ويغفل بعض المراقبين التنسيق الحاصل بين الحزبين حول التصويت للنائب عبد الفتاح مورو ، نائب رئيس حركة النهضة الاسلامية ، في منصب نائب رئيس مجلس نواب الشعب الذي نافسته مباركة عواينية البراهمي من الجبهة الشعبية رغم أن نواب هذا الائتلاف اليساري العروبي صوتوا لمرشح نداء تونس محمد الناصر لرئاسة مجلس النواب ٠
وكانت تصريحات من قيادات من حزب نداء تونس ، أبرزها السبسي والبكوش ، أعلنت عن رفض التحالف أو التقارب بين النداء والنهضة لاختلاف مشروعيهما وبرامجهما ، وهو السبب الذي جعل جزءا مهما من خزان النهضة الانتخابي يصوت لفائدة المرزوقي ، وهو أمر أعلنه راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ٠
ويمكن فهم سعي السبسي الى التقارب مع النهضة وضمها الى مجموعة الأحزاب التي من المرجح أن تنتمي الى الحكومة الجديدة وتسند برنامجها وتوجهاتها برغبته في دعم جبهة الدفاع عن الإصلاحات " المرة" التي ستجد السلطة الجديدة نفسها مجبرة على القيام بها والتي ستتضمن قرارات غير شعبية ٠
السبسي جهز نفسه لردود الفعل القادمة وامتصاص الحركات الاحتجاجية المتوقعة من خلال تحسين العلاقة مع اتحاد الشغل واتحاد الأعراف عبر الإبقاء على مؤسسة الحوار الوطني الذي ترعاه أربع منظمات اجتماعية كفضاء استشاري من شأنه أن يلعب دور رجل الإطفاء مستقبلا ٠
ولا شك أن هذا التقارب بين الحزب الاسلامي والحزب العلماني المحسوب على النظام القديم والذي يجد مساندة خارجية ورفضا داخليا ستكون له تداعيات على مستقبل الحزبين الكبيرين في تونس اللذين يستعدان لعقد مؤتمريهما قبل الصائفة القادمة في مناخ من الغضب على القيادتين باعتبار أن النهضويين يعاتبون قيادتهم على " حمايتها" لرموز النظام السابق من المحاسبة ومن العزل السياسي في حين يلوم الندائيون قياداتهم على تحالفها مع الإسلاميين أو الاخوان الذين شجعوا أو صمتوا على الارهاب والاغتيالات وأوقعوا البلاد في أزمة شاملة وساهمت في تراجع كل مؤشرات التنمية فيها .