تنطلق اليوم الجمعة الانتخابات الرئاسية التونسية بالنسبة إلى التونسيين المقيمين في الخارج وتستمر لمدة ثلاثة أيام.وقد دعي لهذا الاستحقاق حوالي 360 ألف ناخب تونسي (من مجموع 5.2 ملايين) مسجلين بالخارج، موزعين على 45 دولة أوروبية وعربية وفي الأميركيتين للتصويت في هذه الانتخابات التي يتنافس فيها رسميا 27 مرشحا، يبدو الباجي قائد السبسي، رئيس نداء تونس، أوفرهم حظّا إما للفوز من الدورة الأولى أو للمرور إلى الدورة الثانية، إذا لم يتحصل الفائز الأول على أغلبية الأصوات (50 بالمئة + واحد).

تخوض “العائلة الدستورية” التونسية، نسبة إلى الحزب الحر الدستوري الجديد، حزب الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة، الانتخابات الرئاسية الحالية بأكثر من مرشح منهم من انسحب لدعم المرشح الأوفر حظا، الباجي قائد السبسي، ومنهم من مازال يواصل حملته الانتخابية بهدف أن يسجّل حضوره في المشهد السياسي فحسب، وهو ما يعني في كلتا الحالتين أنّ أصوات ناخبي العائلة الدستورية سيذهب معظمها إلى قائد السبسي في تطبيق لقاعدة “التصويت المفيد”.

ومن بين 27 مرشحا للرئاسيات، برز من الأسماء المحسوبة على هذا التيار الدستوري كلّ من: كمال مرجان، آخر وزير خارجية قبل الثورة، ورئيس حزب المبادرة (4 مقاعد في البرلمان)، ومنذر الزنايدي، آخر وزير صحة في عهد بن علي و هو مترشح مستقل، وعبدالرحيم الزواري، مرشح الحركة الدستورية و الذي انسحب مؤخرا.

أين تكمن نقاط قوة النداء؟

تجمع عديد التحليلات على أن فوز حزب نداء تونس بالانتخابات التشريعية الأخيرة بحصوله على أكثرية المقاعد (86 مقعدا من إجمالي 217)، لا يعود فقط إلى شعبيته الواسعة لدي أغلب التونسيين الذين منحوه ثقتهم، بل كذلك إلى قدرته على التأثير على ناخبي العائلة الدستورية بالتصويت لصالحه من خلال حملة انتخابية ناجعة ومؤثرة.

وعلى الرغم من تواجد أكثر من حزب محسوب على هذه العائلة خاض الانتخابات التشريعية الماضية إلاّ أنّ الدعوة إلى التصويت المفيد لصالح “نداء تونس” الذي روج لها القائمون على حملة النداء، باعتباره الحزب الأقدر على خلق التوازن في الحياة السياسية التونسية مع حركة النهضة الإسلامية التي فقدت ثقة أغلب التونسيين، حسمت الأمر وأضافت رصيدا انتخابيا عاليا للنداء على حساب أحزاب أخرى صغيرة مثل الحركة الدستورية التي يقودها حامد القروي وحزب المبادرة برئاسة كمال مرجان.

وفي هذا السياق يرى محللون أنّه، وعلى الرغم من انتفاع النداء من هذه الآلية الانتخابية إلاّ أنّ أبرز نقاط قوته تبقى متعلقة أساسا بكاريزما زعيمه الباجي قائد السبسي الذي استطاع أن يكسب ثقة قطاع واسع من التونسيين، وكذلك بحقيقة أخرى مفادها أنّ حزب النداء قادر بالفعل على تعديل موازين اللعبة السياسية التي كاد أن يعصف بها تغوّل الإسلاميين في الحكم طيلة السنوات الثلاث الماضية، على حدّ تعبيرهم.

هل يستعمل "التصويت المفيد"؟

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، يتبادر إلى أذهان المحللين تساؤل هام على الساحة السياسية التونسية اليوم مفاده؛ هل سيعتمد النداء على آلية “التصويت المفيد” التي أثبتت نجاعتها سابقا في الانتخابات الرئاسية المقبلة لصالح الباجي قائد السبسي، أم أنّ شعبيته لدى معظم المصوتين لا تحتاج لدافع من هذا القبيل؟

من جهة الشعبية لا يمكن لأحد أن ينكر أن السبسي هو “معبود” قطاع واسع من التونسيين لما يتمتع به من خبرة في إدارة شؤون الدولة وصرامة في اتخاذ المواقف، أمّا من الناحية السياسية، ومع المناورة الأخيرة التي قامت بها حركة النهضة الإسلامية الّتي أعلنت أنّها لن تدعم مرشحا بعينه وبالمقابل ثبت خلال الحملة الانتخابية أن قواعدها يدعمون الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي، فمن حق نداء تونس أن يضمن حظوظ مرشحه ويدعمها باعتماد جل الآليات الانتخابية المشروعة.

وفي هذا السياق، هنالك مؤشرات عدة على أرض الواقع تذهب باتجاه تكرار هذا السيناريو، منها ما يأتي من خارج العائلة الدستورية، مثل التفاف قوى سياسية وشرائح اجتماعية من خارج هذه العائلة، نجحت نسبيا في الانتخابات التشريعية، حول مرشح حزب نداء تونس، في مقدمتها حزب آفاق تونس (ليبرالي) الّذي لم يدفع بمرشح رئاسي، وعدد مهم من رجال الأعمال و دوائر إعلامية واسعة و مؤثرة في الرأي العام، هذا بالإضافة إلى شعبية السبسي الواسعة كما سبق وأشرنا إليه.

ماهي مواقف المرشحين الدساترة؟

من داخل العائلة الدستورية، انسحاب عبدالرحيم الزواري، مرشح الحركة الدستورية، من السباق الرئاسي ليوجه رصيده الانتخابي بالتالي إلى الخزان الانتخابي للباجي قائد السبسي، وهي خطوة رأى مراقبون أنّها تنمّ عن وعي كامل لدى الرجل بحساسية المرحلة وضرورة الالتفاف حول السبسي الذي يعدّ ضمانة حقيقية للمرور بتونس نحو الاستقرار المنشود وهو علاوة على ذلك محلّ إجماع لدى قطاع واسع من التونسيين.

في المقابل، أعلن كل من كمال مرجان ومنذر الزنايدي أنّهما غير معنيين بالانسحاب من السباق الرئاسي على الرغم من أنّ كل استطلاعات الرأي الأخيرة تفيد بأنهما غير قادرين على الوصول إلى الدور الثاني.

وفي هذا السياق يرى مراقبون، أنّ منذر الزنايدي شأنه شأن كمال مرجان يعلمان جيدا أن فرصهما محدودة، أمام حظوظ الباجي قائد السبسي، صاحب الشعبية الأكبر، إلاّ أنهما على الرغم من ذلك يصران على الاستمرار في السباق الرئاسي، لحفظ تواجدهما سياسيا في المستقبل ولكي يصبح كلا منهما رقما معروفا في المعادلة السياسية المقبلة، سيما وأن المشهد السياسي قابل للتغير في أيّة لحظة.

*نقلا عن العرب اللندنية